رئيس التحرير
عصام كامل

عبدالله السناوي: نحتاج لمصالحة بين الشعب والأمن وإعادة هيكلة الجهاز الأمني

فيتو



البرلمان الحالي لم يمارس صلاحياته الدستورية ولم يقدم استجوابا واحدا للحكومة
العمليات الإرهابية مرشحة للتزايد في النصف الثاني من 2017

الستة أشهر القادمة ستكون صعبة على مصر والإقليم العربي
المجتمع المصري تغير بعمق بعد ثورة يناير لكننا نسير في اتجاه عكسي حاليا
قانون الطوارئ لم يستخدم ضد الإرهاب ولم يحقق ما كان مرجوا منه
الدولة في حالة انكشاف ولا تستطيع حسم المعركة مع الإرهاب
برلمان ما بعد 30 يونيو يتغول على السلطة القضائية ويتبع السلطة التنفيذية
الإخوان خارج أي احتمالات للمصالحة لعشر سنوات على الأقل
البرلمان الحالي يتغول على السلطة القضائية ويتبع السلطة التنفيذية
هناك قبول لوصفات صندوق النقد الدولي أكثر من وصفات ثورات الربيع العربي


الكاتب الصحفي عبد الله السناوي.. يتشوق إلى الحديث في السياسة، يعلم كثيرًا عن الماضي والحاضر، ويمتلك قدرات استشراف المستقبل، والتنبؤ بأحداثه بخبرة المتابع الجيد للواقع، نشأ في مناخ العمل السياسي والإعلامي.

"السناوي" الذي التقته "فيتو" مؤخرا، يرى أن العمليات الإرهابية مرشحة للتزايد في النصف الثاني من عام 2017، حيث أكد أن الستة أشهر المقبلة سوف تكون صعبة على مصر والإقليم العربي.

ملف الأمن.. كان واحدًا من الملفات التي وضعناها على طاولة الحوار مع "السناوي"، الذي أوضح أن الأكمنة الأمنية تعد صيدا سهلا لجماعات الإرهاب، ولابد من تدريبها على أعلى مستوى، مؤكدًا أن المجتمع المصري تغير بعمق بعد ثورة 25 يناير، وأنه لولا ثورة يناير ما كانت يونيو، مشددًا على أن هناك أعدادًا من أفراد الشرطة لديهم ثأر من ثورة يناير... فإلى نص الحوار:

*بداية.. طلب المصريون الحرية في يناير 2011 وعندما جاءتهم جعلوها فوضى.. كيف تفسر هذه الظاهرة؟

نحتاج أولا أن نعرف ما المقصود بالفوضى، لا أعتقد أن هناك فوضى كبيرة في مصر، ليست هناك فوضى بالمعنى الأمني، لكن هناك حربا مع الإرهاب، والدولة بشكل أو بآخر ليست مهددة بالسقوط، لكنها سوف تعاني لفترة طويلة، باعتقادي إلى نصف العام المقبل، وبالنظر إلى ما يحدث في الإقليم حاليًا، التوقعات الشائعة أن فلول "داعش" قد تذهب إلى أماكن منها مصر شمال سيناء تحديدًا، وأماكن أخرى على الخريطة العربية وليبيا والسعودية، كل هذه الدول مهددة تحت قصف "نيران داعش".

بالحديث عن الإرهاب.. هل هناك تقصير من الأجهزة الأمنية في مواجهة العمليات الإرهابية؟

علينا الآن إصلاح الأجهزة الأمنية بشكل حقيقي، لدينا مشكلة كبرى تكررت في كثير من الحوادث الإرهابية، الأكمنة الأمنية ليست مدربة على نحو كاف، ليس لديها معلومات كافية، فهى تبدو صيدًا سهلا لجماعات العنف والإرهاب، أنا من الذين يدعون إلى تسليح القوات الأمنية وتدريبها بأعلى درجات الكفاءة حتى يمكنها المواجهة وألا تكون صيدا سهلا للإرهاب، لكن المشكلة أنه في ظل الثقافة الأمنية الحالية قد يساء استخدام السلاح، وهو ما يؤكد أيضًا أننا نحتاج إعادة هيكلة الجهاز الأمني وإعادة تثقيفه من جديد، وأن يعرف أن له عدوا واحدا هو الإرهاب، ثم بعد ذلك الجريمة الجنائية، وأنه حتى يكسب هذه المعركة يحتاج أن يكون الشعب في صفه جنبا إلى جنب، كما نحتاج إلى إعادة المصالحة بين الشعب والأمن، وهى مشكلة حقيقية تواجهنا، نحتاج أيضًا إلى بيئة سياسية مختلفة من خلال فتح المجال العام والاستماع إلى النقد، فليس كل نقد مؤامرة كما يعتقد البعض، نظرًا لأنها ثقافة مدمرة قد تؤدى إلى مزيد من تمركزات الإرهاب، خاصة أن أحد أسباب تغذية الإرهاب وتقويته الإحباط واليأس الاجتماعى، خلال الأربع سنوات الماضية وجهنا ضربات موجعة للإرهاب، لكن من أين يتجدد الآن، قد تكون هناك دول إقليمية تساعده، لكن في اعتقادى العمليات الإرهابية لن تنخفض بل إنها مرشحة للزيادة.

*من وجهة نظرك.. ما الذي تغير في تركيبة المجتمع المصري منذ السنوات التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى الآن؟

أعتقد أن المجتمع المصري تغير بعمق بعد ثورة 25 يناير، أصبح أكثر ثقة في نفسه وفى قدرته على التغيير، وقد أطاح على التوالى برئيسين مبارك ومرسي، وقام بالتوالى أيضًا بثورتين اختطفتا، الأولى من جماعة الإخوان، والثانية من أشباح الماضى وفلوله.

في أعقاب ثورة يناير، المصريون الذين كانوا يعملون في الخارج كانوا يريدون العودة إلى البلاد، وحاليًا في اتجاه عكسى، فنحن محل اتهام في الخارج، هناك إيجابيات كثيرة حدثت في الشخصية المصرية بعد يناير، أخشى أن يكون هناك من يريد كسرها، نحن ما بين الثقة الكبيرة في النفس وما بين مجتمع مجهد ومتعب وخائف، لكنه لا يمكن الرهان على مجتمع مجهد أبدا، فالأفضل حاليًا أن نسارع في إصلاح المجال السياسي العام، وأن تكون هناك فلسفة واضحة، باحترام حقوق الإنسان والحريات العامة.

قانون الطوارئ لم يستخدم ضد الإرهاب ولم يحقق ما كان مرجوا منه، فليس بالطوارئ وحدها نحارب الإرهاب، والطوارئ، قد يستخدم أحيانا وفق الدستور بمنطق آخر المطاف أن يكون آخر شىء يتم استخدامه، لكننا الآن لا أظن أن لدينا إستراتيجية واضحة في الحرب على الإرهاب، نحن الآن في مناطق الخطر المحتمل حتى هذه اللحظة، هناك مشروع معلن من نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وهو ضم شمال سيناء لغزة، والضفة الغربية للأردن، وهو الأمر المستحيل.

*هل هناك أوجه قصور أمنية في مواجهة الجماعات الإرهابية؟ وكيف يمكن التعامل مع العائدين من نيران داعش من سوريا والعراق وليبيا؟

هذه الأمور تتعلق بإستراتيجية مكافحة الإرهاب، وتتعلق ثانيا، بالقدرة على الحركة في الإقليم، أن نؤثر وأن نفعل وأن نبادر، وأن تكون القدرة متسقة مع الأمن القومي، لنستطيع الحفاظ على مصالحنا السياسية والاقتصادية والأمنية، أظن هناك مشكلة في السياسة الخارجية المصرية، أنها لا تبادر، حيث يجب أن تبادر ولا يصح أن تكون تابعة.

التعامل مع العائدين من نيران الدواعش من ليبيا وسوريا والعراق يتطلب أن يكون المجتمع أكثر تماسكًا، الرئيس السيسي يكرر تعبير تثبيت الدولة كثيرا، وأعتقد أنه تعبير صحيح لكن أي تثبيت، دولة الأمن أم دولة الدستور، الدولة التي تتصادم فيها المؤسسات هي دولة ضعيفة وهشة، الدولة القوية هي الدولة الدستورية، والدستورية ليس معناها أن يكون الأمن قويًا، نحن نحتاج إلى الأمن القوى لكن يكون أمن له إستراتيجية وتعاد هيكلته وتدريبه من جديد وأن يصالح شعبه، حتى يساعده الشعب، الدولة حاليًا في حالة انكشاف والدول المنكشفة على هذا النحو لا تقدر على حسم معركة مع الإرهاب.

*هل تجارب الثورتين أثبتت للمصريين أن عهد مبارك كان أفضل بالفعل من الآن؟

هناك قطاعات مهمة تقول إن الوضع في عهد مبارك كان أفضل، وربما أخطأنا في ثورة يناير والإطاحة به، ليس لأن مبارك كان جيدا، أو كان نظام حكمه مقنعا، لكنه تعبير عن فشل ما بعد مبارك، نفس الأمر قد يتكرر مع محمد مرسي، وبدأت هناك موجة ندم على مواقع التواصل الاجتماعى على 30 يونيو، لكنها كانت ثورة حقيقية مدنية ديمقراطية.

*هل تتوقع أنه حال المصالحة مع جماعة الإخوان "المصنفة إرهابية" تتوقف العمليات الإرهابية؟

أعتقد أن جماعة الإخوان من الناحية الموضوعية، لمدة عشر سنوات على الأقل خارج أي احتمالات للمصالحة أو إعادة الدمج، نتيجة التورط في عمليات عنف وإرهاب، أو تحريض عليه.

الجماعة خسرت مرتين الأولى في تجربتها في السلطة، وبعد الخروج من السلطة أيضًا خسرت كثيرًا، أظن لا توجد فرصة لعودة الإخوان مرة أخرى.

*هناك من يتهم الشرطة بالتقصير وعدم القيام بدورها في إنهاء حالة الفوضى في الشارع، ويرى أنها تعاقب الشعب على قيامه بثورة يناير.. ما رأيك؟

قضية الأمن قضية كبيرة وحساسة للغاية، تستحق حوارا مفتوحا في المجتمع المصرى، كيف نقوى جهاز الأمن في الحرب على الإرهاب، ومواجهة الجريمة الجنائية، وتنشيط الاقتصاد، وفى نفس اللحظة كيف نصححه ونصوبه، بحيث يتسق أداؤه مع شعاره الشرطة في خدمة الشعب، هناك مشكلة حقيقية في أوساط أعداد كبيرة من أفراد الشرطة، وهى أن لديهم ثأرًا مع ثورة يناير، وأن الثورة هي التي كسرت جهاز الشرطة.

أخشى ألا يكون العداء لشباب يناير أقصى من العداء مع الإخوان، وإذا ما نظرنا إلى قوائم الإفراجات عن الشباب، أغلبهم من الإخوان والسلفيين وأقلهم من يناير وشبابها، أنا مع الإفراج عن أي شاب لم يثبت تورطه في عنف أو إرهاب، حرصا على الشباب، لكنني أستغرب ألا يمتد هذا الإفراج إلى شباب يناير، أرجو أن أذكر أنه لولا يناير ما كانت يونيو وما كان رد اعتبار الشرطة، وأذكر أن المواطنين المصريين كانوا يصفقون للشرطة عندما بدأت تعود للعمل بعد يناير، الشعب يحتاج للشرطة لكن دون تغول.

أظن أن كسر الشباب هو كسر مستقبلى لجهاز الأمن، لابد من التفكير جيدا في العواقب، وخاصة أن الشباب هم العمود الفقرى للمستقبل، وهو ما يولد كراهيات، ومع أول منحنى في الحرب على الإرهاب أو في أي ظروف أخرى لن تجد الشعب يقف معك، وستجد الشباب في الجانب الآخر، هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة، أذكر أن أعدادًا كبيرة من قيادات الشرطة برتبة لواء كانت تسأل باستمرار أين سننتهي من الإخوان قبل يونيو، كانت إجاباتي أن البركة في الشباب، أظن أننا في حاجة إلى مصالحة الدولة مع شبابها وقد تأخرت، وأظن أن بعض قيادات الأمن تعرقل هذه التصالحات، وبالتالي فشلت لجنة العفو الرئاسى الأخيرة في الإفراج عن الشباب.

*تواجه الصحافة الورقية أزمات كثيرة في مصر.. كيف ترى ما هو قادم على صعيد الصحافة الحزبية والمستقلة والقومية؟

لا أمل ولا مستقبل للإعلام المصري في ظل خنق المناخ العام، لأن الصحافة هي بنت الحرية والتنوع، وأتذكر كيف زادت نسبة القراءة ونسب توزيع الصحف بعد ثورة يناير، بدأنا نتحدث عن ملايين النسخ بعد يناير، وكيف انخفضت في العامين الماضيين، بحيث أصبح إجمالي أرقام التوزيع نصف مليون نسخة، أو أكثر قليلا، كنا نتحدث عن الأخبار والأهرام في عام، 1974،1973، كانت تتجاوز مليون نسخة، وعدد السكان حينها كان أقل من النصف، خنق المجال العام وأيضا الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على الصحف، مع غلاء أسعار الورق والسبب المهنى أن الصحافة الورقية تحتاج دائما إلى تطوير في المحتوى.

*ما توقعاتك للانتخابات الرئاسية المقبلة؟

عندما نتحدث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة فهناك ملاحظات رئيسية، الأولى أن ضيق المجال العام يمنع المنافسة الجادة وبالتالى يبدو أن الرئيس السيسي هو الخيار الوحيد في الانتخابات المقبلة أو نوع من الاستفتاءات، ربما تخرج بعض الشخصيات كنوع من التعبير الرمزي عن المنافسة، لكن ربما لا يكون هناك منافسة حقيقية.

أما الاعتبار الثاني، أن شعبية الرئيس السيسي انخفضت وأظن أنها بدأت تنكسر بعد عام من توليه الرئاسة نظرا لأنه كان هناك رهانات كبرى على الرئيس، ارتفاعات الأسعار وضيق المناخ العام، كل ذلك خفض من الشعبية.

*هناك من يرى أن البرلمان الحالي جزء من الحكومة وينفذ إملاءاتها وليس برلمان الشعب.. إلى أي مدى تتفق وهذا الرأي؟

إذا قسنا الأداء البرلماني على النصوص الدستورية والأمور التي وكلت له، أعتقد أنه لم يمارس أي شيء، من صلاحياته الدستورية، على الأقل هل هناك برلمان لم يقدم استجوابا واحدا للحكومة، ويكون اسم التكتل الرئيسى فيه هو دعم مصر، والمقصود بدعم الدولة هو دعم السلطة التنفيذية، ونحن نتحدث عن توازن بين السلطات، لكن على أساس مناقشة عامة وصلاحيات دستورية.

نحن أمام برلمان يتغول على السلطة القضائية، ويتبع السلطة التنفيذية، لا يمكن أن ننظر له على أنه برلمان حقيقى ولا يليق ببلد قامت بثورتين، نحن لا نهاجم البرلمان من أجل أننا نريد الهجوم، لكن ما نتمناه أن يكون هناك برلمان حقيقي يمارس صلاحياته، ويقوم بواجباته الدستورية.

*هل وصفة صندوق النقد الدولى هي روشتة العلاج الناجحة لأزمات مصر الاقتصادية؟

لدينا عدة مشكلات في مواجهات الأزمات المشكلة الأولى قبل البرلمان وقبل الرئيس، أنه لا يوجد ورقة اقتصادية جديدة، هناك قبول لوصفات الصندوق أكثر من القبول بوصفات ثورات الربيع العربى.

ومن الأزمات أيضًا لم نقم بعدالة انتقالية حالية حتى الآن، وهناك قانون بالبرلمان لم يخرج حتى الآن، ولن يخرج.

القضية الحقيقية للعدالة الانتقالية هي عدم تكرار أخطاء الماضى، وهو ما لم نفعله، قدمنا الإعفاءات خارج القانون، وبالعفو عن الجرائم مقابل الأموال فإننا نكرر أخطاء الماضى.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية