رئيس التحرير
عصام كامل

«غرابيب سود» يغضب الإرهابيين.. وداعش يشن هجومًا على المسلسل السعودي

فيتو

في علم النفس الإعلامي، هناك ما يسمى بعملية "تحويل الانتباه"، وهي عملية تشغل الجمهور عن قضية معينة، وتشتته بأمور أخرى فرعية وهامشية لإثارة عاطفته والتأثير على رأيه، وهي طريقة يتبعها تنظيم "داعش" ومؤيدوه، ضد مسلسل "غرابيب سود" الذي يقترب بشدة من عمق التنظيم الذي قام على أنقاض الرءوس التي قطعوها.


فمنذ اللحظات الأولى من عرض المسلسل، وحتى قبل عرضه، شنت آلاف الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي هجوما ضاريا على العمل وأبطاله والشركة المنتجة، تحت حجج واتهامات عديدة، منها على سبيل المثال: " عمل لتشويه الإسلام.. إيران هي الشركة المنتجة.. أغلب الممثلين من الطائفة الشيعية.. لماذا لا نرى عملا ضد بشار الأسد"، وهي أذكى وأخبث الطرق للدفاع عن التنظيم بطريقة غير مباشرة، لتحويل انتباه الجمهور البسيط الذي يعتز بدينه، إلى معركة طائفية ومعركة سياسية بعيدة، تضطره إلى تجاهل العمل وعدم تصديق ما يعرض فيه.



و"غرابيب سود" يعد أضخم عمل إنتاجي في الوطن العربي بتكلفة 10 ملايين دولار، من إنتاج شركة "أو ثري" التابعة لمجموعات "إم بي سي"، وهو مسلسل يسرد يوميات التنظيم داخل العراق وسوريا، ويلقى الضوء على قصص واقعية، وطرق تجنيد التنظيم للنساء والأطفال والشباب، في خطوة فنية جريئة وجادة لمواجهة الفكر بالفكر.

وفى أول 5 حلقات عرضت حتى الآن، عرض العمل أكثر من قصة لتجنيد النساء من جميع أنحاء الوطن العربي وكيفية هروبهن من بيوتهن ووصولهن إلى معقل التنظيم، ومن ضمن هذه القصص التي أغضبت مؤيدي "داعش" والمتعاطفين معه على مواقع التواصل، قصة السيدتين الخليجيتين الثريتين العانستين اللتين تركتا بلديهما للعيش داخل أراضي التنظيم، بغرض التمتع بشباب ورجال "داعش" الأقوياء الأشداء.


وعاب الكثيرون على صناع العمل، تصوير نساء الخليج بهذه السطحية والشره الجنسي أو تفسير ظاهرة انضمام النساء إلى هذا العالم بهذه الصورة، إلا أن هذا الأمر لا غرابة فيه ولا مبالغة من خيال المؤلف، فكل جهادية تختلف عن الأخرى، ولا يتفقن في الأسباب والدوافع؛ هناك عوامل معرفية وثقافية وخلفيات ومثل عليا تلعب دورا في تجنيد هؤلاء، وتفسر السر وراء بيع أنفسهن لهذه الجماعات.

فانجذاب الفتيات إلى الجهاديين لا يمكن أن ينكره أحد، لأن هذا الشباب المجاهد هو بمثابة النموذج لهن؛ النموذج الذي فقدته هؤلاء النساء، كما أن الدراسات النفسية أشارت إلى أن أغلب النساء يملن إلى الرجل الذي يتمتع بقوة أو سلطة غاشمة، وهو ما يفسر ميول الفتيات للإعجاب واشتهاء الشباب الضباط أو الذين يظهرون المواقف البطولية عموما.

والمسألة ليست بعيدة عن الواقع، فيمكنك أن تعود على سبيل المثال، إلى مقالة كتبتها كاتبة كويتية تدعى خلود الخميس في صحيفة "القبس" بعنوان "آه.. لو كنت زوجته"، تتغزل فيها في أسامة بن لادن، قائد تنظيم القاعدة السابق، فالمقالة مليئة بالغزل الجنسي الصريح والتمجيد في شخصية "بن لادن"، وهو ما أثار ضجة وقت كتابتها منذ سنوات.

المرأة العسكرية
يقتحم "غرابيب سود" العالم السفلي لتنظيم "داعش"، من خلال الكتائب النسائية المسلحة داخل التنظيم، وأظهر العمل مدى قسوة هذه النساء، رغم ما يبدو عليهن من خلفياتهن المعرفية الكبيرة.

والقصص المعروضة لهذه النوعية من النساء مرسومة بشكل دقيق ولا تنفصل عن الواقع الأليم، وليس كل امرأة تهب نفسها لهذه الجماعات "مضحوك عليها"، بل ربما تكون أكثر إيمانًا وصدقًا من الرجال المجاهدين، وهو ما أجاده صناع العمل في التركيز على خلفية البيئة والظروف التي نشأت فيها هذه النساء.

فهناك امرأة تعرضت لقهر شديد في حياتها، وتربت في بيتها على الخضوع والتحريم المبالغ فيه وأنها عورة، تكره نفسها، ولكنها تجد الملاذ في كسر كل الأعراف الاجتماعية أو ما يعرف بـ"التابو"، وتبحث عن وجودها وإرادة المعنى، لتتقلد القيادة ومسك السلاح فتعامل الأطفال والأمهات اللاتي يعشن داخل التنظيم بلا رحمة، فهل هذه مبالغة؟ 

إن الواقع يخبرنا بقصص عديدة لأمثلة مثل هذه النساء، مثل قصة "وفاء اليحيا" زوجة أبو مصعب الزرقاوي، القائد السابق لتنظيم "داعش"، التي تركت مكانتها كأستاذة جامعية مرموقة لترتمي في أحضانه وتموت معه، ومثل الفتاة ندى معيض، التي كانت تهدد دائما بالتفخيخ والنسف لكل أعداء الله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رغم ثرائها ولكن قهر أسرتها حوّلها إلى هذا النموذج لتجد نفسها في هذا العالم.

وكل هذه القصص وأكثر، عرضها "غرابيب سود" خلال الحلقات الأولى، بحرفية شديدة وواقعية دون أن أدنى مبالغة، بل إنه يخدش في عالم هؤلاء بقوة الفن ونعومته، ذلك الفن الذي يسبب ارتباكات شديدة لهذه الجماعات ومريديها، وهو ما يفسر هجومهم وغضبهم وتحريك ميليشياتهم الإلكترونية لتشويه العمل.


الجريدة الرسمية