رئيس التحرير
عصام كامل

صراع قوة أم صراع حضارات


كانت لزيارة البابا القديس فرنسيس دوي عالمي خلال يوميـــن تصدرت صوره وتصريحاته الفضائيات والصحف والميديا العالمية.. وإذا تجاوزنا المصلحة المباشرة لمصر من زيارته التي كانت تمثل أضخم حملة ترويجية للسياحة المصرية، فقد حل سلام عجيب على أرض الوطن، وذكرت كلماته عن مصر قول الله مبارك شعب مصر فقد اختص الله شعب مصر بالبركة والسلام كما كانت العائلة المقدسة بأرض مصر وباركتها.. أما عن الصلوات والتسابيح التي سادت جو مصر فقد كانت صرخات قبطية مسيحية من أجل سلامة الوطن، بالضبط كما يصلي الأقباط والمسلمون ليل نهار من أجله.


وقد كان تواضع الرجل وسماحته وبساطته درسًا لشعوب العالم من أجل قيم السلام وحب الآخر وأيضًا الزهد في الحياة.. فهو يعيش في قصر الفاتيكان في حجرة صغيرة.. ويرفض الزهو ورغد العيش حتى ملابسه قديمة.. يتساوى في ذلك مع رهبان البرية في مصر.. ويعطي الدرس للعظماء بأن حياة الإنسان مثل الدخان يظهر قليلا ثم يضحك «كما جاء في الكتاب المقدس»..

وما لفت نظري من كلمات البابا فرنسيس أنه يرى أنه لا توجد صراع حضارات وهو ما اتفق معه، فالحضارة ليست سوى شيء يكتسبه المجتمع أو الدولة، وليست في حد ذاتها وجودا ماديا يمكنه أن يتصادم.. وفي الحرب العظمى كانت كل الأطراف تعيش نفس الحضارة ومع ذلك نتعارك ونتعامل باستثناء الإمبراطورية العثمانية التي سماها المؤرخون دولة الجواري والخصيان وكان الأتراك كما تعرف مقاتلين أشداء لكنهم حتى في هذا الجانب من حياتهم كانوا مجرد وحوش مفترسة لكنهم بمقياس الحضارة كانوا في أسفل حضيض.

وحتى في الحرب العالمية الثانية التي تبدو للبعض أنها كانت صراعًا بين أيديولوجيات ثلاث هي الماركسية والفاشية التي تدعو إلى سمو الأجناس الراقية وأن البقاء للأقوى وأنه لا مكان للضعفاء والمتخلفين، ثم الديمقراطية الغربية.. كل هذه الأيديولوجيات كانت مجرد رداء تلبسه الأطراف القوية في العالم، لكن الخلاف كان يقتصر على نظام الحكم.

وقد قرأت كتاب صامويل هنتنجتون «صدام الحضارات» واقنتعت بالكثير مما جاء فيه من حقائق لكنه لم يقنعني بنظرية صدام الحضارات.. فإن العامل الأساسي في ظهور الحضارات هو تقدم المعرفة.. والمعرفة عندما تسمو فإنها نتيجة الانتشار عندئذ تصطدم بالزعامات وزعماء الخراب والدمار ولو وجدت الحضارة عقولًا مستنيرة لكننا نعيش الآن في عالم يسعى إلى الارتقاء بالعلوم والفنون وإدراك عظمة الكون ورحابته للجميع وجماله المادي والفكري والمعنوي.

ومع تتبع أحداث التاريخ نجد تتابعًا للإمبراطوريات من الآشورية للبابلية والفارسية ثم اليونانية والرومانية كذلك في التاريخ الفرعوني تأكل كل إمبراطورية سابقتها عندما تننامى قوتها.. وكما أوردنا سابقا أن ما حدث في القرن الماضي من حروب عالمية بدأت داخل أوروبا.. يجعلنا نستطيع القول إن الصراع.. صراع قوة وليس صراع حضارات.

وما نعانيه هذه الأيام من أعمال إرهابية إجرامية.. ينطبق عليه صراع قوة ولو لم يسلح الإرهابيون بجميع أنواع الأسلحة.. ولو أغلقت منابع التمويل لذهب كل واحد منهم لحال سبيله.. لأن قدرته في قوته العسكرية والمادية.. وليس بالطبع في النظر لموضوع الحضارة، فالحضارة ليست سوى الثوب الذي يلبسه المجتمع.. فهو قابل للتغيير والتبديل.

في النهاية شكرًا للسيد الرئيس على توجيه الدعوة لقداسته.. وشكرًا للمسئولين على برنامج الزيارة الرائع والتأمين وإقامة قداس في استاد الدفاع الجوي وبثه مباشرة على القنوات التليفزيونية.. كأنك تعزي كل نفس تألمت بكل إيجابية ومحبة.. وتعلن أن مصر بلد الجميع.

أعتقد أن هذه هي الرسالة التي أراد الرئيس السيسي أن تصل للعالم أجمع وأيضا أعداء الحياة في الداخل والخارج.
الجريدة الرسمية