رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهر والمنافقون


أفهم أن فلانا يُنافق فلانا، من أجل مصلحة ما، أو لتحقيق مآرب خاصة.. وأفهم أن هذا ينافق ذاك خشية من سطوته وجبروته..

وأفهم أن عّلانا ينافق ترتانا، طمعًا في أن ينال حظوة أو مقربة.. كل ذلك من الممكن أن يستوعبه العقل، أما أن يكون النفاق والرياء على حساب الدين، فهذا ما لا تقبله الروح، ولا يرضى به ضمير حي.


قال الخليفة العادل، عمر بن عبد العزيز، حفيد الإمام العادل عمر بن الخطاب لِجُلَسَائِهِ: "أَخْبِرُونِي بِأَحْمَقِ النَّاسِ"؟ قَالُوا: رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ!! فَقَالَ عُمَرُ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَحْمَقَ مِنْهُ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ"!!

ومما قيل في تفسير ذلك، أن معنى (باع آخرته بدنياه): أي ارتكب معصية الله تعالى لينتفع في الدنيا، وعَرَّض نفسه لخسارة نعيم الآخرة كمن حلف كاذبًا، أو غش ليربح في البيع. أو تعامل بالربا ليجمع الأموال، أو ظلم الناس، وأكل أموالهم بغير حق، كالسارق والغاصب، والخائن، وأما معنى "باع آخرته بدنيا غيره": فذلك يطلق على من يعصي، الله تعالى، ويعرض نفسه لخسارة نعيم الآخرة، لا من أجل أن، يتنعم هو بالدنيا، ولكن ليتنعم غيره بها؛ فهو يصلح دنيا غيره، بفساد آخرته.

وذلك: كمن أعان ظالمًا، ليتمكن من ظلمه، كعلماء السوء أو، جنود الحكام الظلمة، الذين يعينونهم على ظلم رعيتهم فهؤلاء أعانوا ذلك الظالم ليستمتع بدنياه ويتمكن فيها، وأذهبوا آخرتهم، فباعوا آخرتهم ولم يستفيدوا هم شيئا من الدنيا، وإنما استفاد، غيرهم.. إلى هنا انتهى التفسير كما أورده بعض المفسرين.

بدأت منذ فترة حملة للهجوم على الأزهر الشريف، وذلك نتيجة خطأ فهم البعض لدعوة الرئيس لتجديد الخطاب الديني، فالرئيس لم يُطالب أبدًا بتحجيم دور الأزهر، أو إلغائه أو أي شيء مما تطالب به تلك الحملة، فالرئيس طالب الأزهر بأن يعمل على تجديد الخطاب الديني، بما يتناسب مع الفهم الصحيح للشرع والدين ولم يطالب بأكثر من ذلك..

لكن كالعادة المهللون والمتملقون الذين يأكلون على كل الموائد والذين يتحينون الفرص لإثبات الولاء الزائف؛ هاجم البعض الأزهر الشريف، ونسوا أنه منبر الإسلام في العالم أجمع، ونسوا أنه الصرح العظيم الذي تخرج منه كبار الأئمة وصفوة العلماء على مر التاريخ، ونسوا أيضًا أنه لو تهاوى الأزهر الشريف لأصبح الدين والفتوى مباحة للجميع دون رابط أو ضابط، وهو بالطبع ما سيسيئ للدين دون شك، لكن كل هذا لم يهم أولئك المهللين لأن ما يهمهم هو تسجيل موقف لولاء مزعوم غير حقيقي لشيء لم تستطع عقولهم أن تفهمه الفهم الصحيح.

والله أني لأتعجب من هؤلاء.. ألم يروا كيف يحتفي العالم ببابا الفاتيكان رأس الكنيسة الكاثوليكية.. ألم يروا كيف احتفى رئيس الشيشان، بفضيلة الإمام الأكبر حتى أنه أصر أن يقود له السيارة بنفسه.. ألم يشاهدوا احتفاء رؤساء بعض الدول الإسلامية خلال استقبالهم لفضيلته.. لم يعبأ أولئك بكل ذلك وتسارعوا بالهجوم على الأزهر وإمامه وهو رأس منبر المسلمين في العالم بأسره، فهذا يترحم على الأزهر وغيره يطالب بإغلاقه وآخر يريد أن يُغير في منظومة الأزهر الشريف كل ذلك لا لشيء، إلا للتملق فقط لا غير حتى ولو كان ذلك التملق على حساب الدين وصالح المسلمين.

ولا يسعني إلا أن أقول: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. وحسبنا الله.. ونعم الوكيل.
(الله.. الله في مصر).
الجريدة الرسمية