رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«كُنّا أمواتًا بزلاّتِنا.. أحيانا وأقامنا بالمسيح» (أفسس 5:2-6)


إلى إخوتي الكهنة الأحباء والراهبات الفاضلات، وأبناء الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية في أبرشية الإسكندرية، وإلى المؤمنين بالمسيح أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، "إنه ليس ههنا، فقد قام كما قال" (متى 6:28).


بكلمات الرجاء التي بشّر بها الملاك النِسّوة حاملات الطيب فجر الأحد... كلمات تحمل البشرية من مرارتِها وقلقِها وصعوباتِها ومشاكِلِها إلى تذوّق الفرح الحقيقي... وكل ذلك لا يتمّ إلاّ "بسرّ الألم والقيامة"، الذي يختصر محبّة المسيح وارتباطه واتحاده الكلّي بنا.

في صباح عهدٍ جديد وبقيامة السيّد المسيح الظافرة من بين الأموات، أعاد مصالحتنا مع الله ومع ذواتنا ومع القريب وأصبحنا أبناء "رجاء صالح".

إن القيامة، عنوان المسيحية وسِرّها العميق مع القائم من بين الأموات، لأنها حدث التاريخ... هذا التاريخ الذي يسير بنا ومعنا كل الرجاء الجديد... ومعنا من وعدنا بأن يبقى معنا كل الأيام إلى منتهى الدهور. إنه الإله المتجسّد من العذراء مريم، والذي تألم ومات، وقُبِر وقام مِن أجل خلاصنا. إنه "عمانوئيل" الله معنا: "وهئنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم" (متى 20:28).

أولًا: قيامة المسيح برهان على أنه ابن الله:
حاول السيّد المسيح في حياته العلنية وأثناء تبشيره أن يشرح موضحًا للناس أنه ابن الله، فلم يصدّقهُ إلا القلائل منهم، وعلى رأسهم القديس بطرس. وحدث ذلك في قيصرية فيلِبُّس، عندما سأل يسوع تلاميذه: "مَن ابن الإنسان في قول الناس؟" فقالوا: "بعضُهم يقول: هو يوحنا المعمدان، وبعضُهمُ الآخَرُ يقول: هو إيليا، وغيرُهم يقول: هو إرميا أو أحدُ الأنبياء". فقال لهم: "ومن أنا في قَولِكم أنتُم؟" فأجاب سِمعانُ بُطرس: "أنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحيّ". فأجابه يسوع: "طوبى لكَ يا سِِمعانَ بْنَ يونا، فليسَ اللحمُ والدّمُ كشفا لكَ هذا، بل أبي الذي في السموات" (متى 13:16-17).

لم تكن المرّة الأولى والوحيدة التي أنكر سامِعوه، وحتى أقربهم إليه، هويته الإلهية وبنوّته للهِ الآب. وعندما قال لهم: "أنا والآب واحد" (يوحنا 30:10) إتهموه بالجنون و"إن به مسًّا من الشيطان" (يوحنا 20:10) وهمّوا بِرجمهِ. فوقف فيلِبُّس وهو من تلاميذهِ، وقال له: "أرِنا الآبَ وحَسْبُنا" فأجابه يسوع: "إنّي معكم مُنذُ وقتٍ طويل، أفلا تعرِفُني، يا فيلِبُّس؟ من رآني رأى الآب. فكيف تقولُ: أَرنا الآب؟ ألا تؤمِنُ بأنّي في الآب وأنَّ الآبَ فيَّ؟" (يوحنا 8:14-10).

إنَّ القيامة وحدها أثبتت أنَّ كل ما كانَ يؤكده المسيح عن ذاته كانت الحقيقة عينها. وهي أكبر برهان على أنهُ ابن الله، وإنه من جوهر الآب ومتساوٍ لهُ في العملِ والقدرةِ والعظمةِ.

ثانيًا: قيامة المسيح عُربونٌ لقيامتنا:
إننا نؤمن بقيامة الموتى، وهذا ما نجاهر به عندما نتلو قانون الإيمان: "ونترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي". وقد رسخت هذه العقيدة في ذهن بولس الرّسول بحيث أنه رأها واقعا راهنا، قبل أن تحصل، فقال: "كُنّا بطبيعتنا أبناء الغضَبِ كسائر الناس، ولكنَّ اللهَ الواسعَ الرّحمةَ، لِحُبّهِ الشديدِ الذي أحَبَّنا به، مع أنَّنا كنا أمواتًا بزلاّتنا، أحْيانا مع المسيح (بالنعمةِ نِلتُمُ الخلاص) وأقامنا معه وأجلسنا معه في السموات في المسيحِ يسوع" (أفسس 3:2-6).

سرّ المسيح الفصحي هو سر قيامة الموتى، يقول القدّيس بولس: "عندما تعمّدتم بالمسيح، دُفنتم معه وقُمتم معه أيضًا، بقُدرة الله الذي أقامهُ من بين الأموات" (رومة 3:6-4)، فالمؤمنون يقومون مع المسيح لحياةٍ جديدة. ومعنى هذا، أن مصير الإنسان يختلف عن مصير سائر المخلوقات. فهى تظهر وتغيب، تولد وتموت، ولا يبقى لها أثر، لأنها مؤلفة من عناصر مُركَّبة، وبالتالي باليه.

أما الإنسان فهو، خلافا لها، مؤلف من عنصر مُركَّب، بالٍ، وهو الجسد، ومن عنصر بسيطٍ خالد وهو الرّوح. وهذا ما أشار إليهِ السيّد المسيح بقولهِ: "وأقول لكم يا أحبائي، لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون قتل النفس، بل خافوا الذي يقدرُ على أن يُهلِكَ النفسَ والجسدَ جميعًا في جهنم" (متى 28:10).

ثالثًا: الكنيسة وُلِدت من قيامة المسيح:
وإذا كان مصير جماعة المؤمنين، وهم يؤلفون الكنيسة، الخلود السعيد والحياة الأبدية في الملكوت السماوي، فهذا يعني أن الكنيسة بجميع أبنائها قد وُلِدت مِن موت السيّد المسيح وقيامتهِ. وهذا ما أشار إليه بولس رسول الأمم في مُستهَّلِ رِسالتهِ الأولى إلى أهل تسالونيقي بقولهِ: "في الله الآب والرّب يسوع المسيح". وإذا كان من يؤلفون هذه الكنيسة مجتمعين في الله الآب، وبالابن المولود من الآب، فهم يشاركون في حياة الثالوث الأقدس.

فالكنيسة إذًا لم تتكوّن بعد قيامة المسيح، ولا جاءت بعده، لأنها وُلِدت مِن موتِ المسيح وخُلِقت في يوم قيامتهِ. فهي المسيح القائم مِن الموت، والمقيم في العالم في جسدهِ الذي هو الكنيسة المقدّسة.

أجل، لقد قام المسيح في شكل الكنيسة، على حدِّ قول القدّيس اوغسطينوس: "لقد بذل المسيح دمه لتِلك التي سيحصل عليها في قيامته. والتي سيحصل عليها تعني، في وقتٍ واحد، بشرية المسيح الجسدية، والكنيسة هي جسد المسيح". وقيامة المسيح هي من عمل الله الآب، فهو الذي أقامه، وهكذا الكنيسة هي في الله الآب، وفي الرّب يسوع المسيح. فالكنيسة مولودة مِن الآب الذي وُلِدَ الابن في هذا العالم، وهو الذي يُحيي الكنيسة بفعل أبوّتهِ لها. وهو أبو يسوع المسيح الذي يلده في جسده البشري في القيامة.
فالمسيح إذًا، لم يترك هذا العالم بالموت ليعود إليه بعد آلاف السنين.

أجل، لقد قام الرّب يسوع وصعِد إلى السماء ليعود في الآخرة ليُدين الأحياء والأموات، ولكنه حتى ذلك الزمن، مقيمٌ معنا في: الصلاة والأسرار وخاصة في سرّ القربان المقدّس، وسائر الاحتفالات الطقسية. كما ورد في دستور الليتورجيا من أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني.

المسيح يسوع هو الخلاص الآتي لملاقاة العالم. وهذا هو سبب فرح المؤمن الذي عبّرَ عنه القدّيس يوحنا فم الذهب بقولهِ: "إدخلوا جميعًا في فرح سيّدكم: الأولون والآخرون. إقبلوا الجزاء: فقراء وأغنياء. رتّلوا في جوقةٍ واحدة: متقشّفين وبطّالين. عيّدوا هذا اليوم بفرح. الوليمة معدّة. هلمّوا جميعًا، تلذّذوا على مائدة الإيمان. لا يبكين أحد فقره: الملكوت مفتوحٌ للجميع. ولا ينتحبنّ أحد على خطاياه: الغفران صعد من القبر. لا يخافنّ أحد الموت: موت الرّب جعلنا أحرارًاً".

أين غلبتُكَ وشوكتُكَ أيها الموت؟
المسيح قام وانتصر عليكَ.
المسيح قام والملائكة في فرح كبير.
المسيح قام وسقط الشياطين.
المسيح قام وجميع الموتى خرجوا مِن القبور.
المسيح قام... حَقًَا قام...

نعم، قام المسيح وقام معه شهداء أحد الشعانين الدامي، الذين شاركوه بداية هذا الأسبوع المُقدّس دخوله إلى اورشليم السماويّة والآمه الخلاصية، وهو سيشركهم اليوم في قيامته الممجّدة.

إنّ شهداء مصر عامةً مسيحيين ومسلمين، وشهداء الكنيسة البطرسية في القاهرة، والمرقسية في الإسكندرية ومار جرجس في طنطا، هم قديسون لنا في السماء. وهم البذور التي تنمو في الكنيسة والوطن.

في صباح هذا اليوم الأغر، يوم القيامة الذي انتصر فيه السيد المسيح على الخطيئة والكراهية والعداوة والشر، نطلب من الدول والجماعات التي تموّل الإرهاب وقف هذه الأعمال اللإنسانية، وأن يتحرّك المجتمع الدولي للقضاء على هذه الظواهر الشنيعة، وأن يتحمّل مسؤولياته تجاه ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان وكرامته وحريته الدينية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

تعازينا القلبية الحارة لفخامة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وإلى قداسة البابا تواضروس الثاني، وإلى أُسر الشهداء ولكل الشعب المصري الأبي المخلص. كما نطلب من الله القدير العلي الشفاء العاجل للجرحى والمصابين.

أجل، قام المسيح من بين الأموات (وهو بكر الراقدين)، ووطيء الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور، له المجد أبد الدهور.
نهنئكم بهذا العيد، ونسأل المسيح القائم من بين الأموات، بشفاعةِ العذراء مريم، أن تكون قيامته عربونًا لقيادتنا وقيامة أوطاننا والعالم لغدٍ أفضل.
المسيح قام... حَقًَا قام
Advertisements
الجريدة الرسمية