رئيس التحرير
عصام كامل

الثورة مستمرة .. ولكن

18 حجم الخط

الكل يشعر بالأزمة المجتمعية الراهنة، فكلما مضى عليها الوقت من دون تدخل باتت مواجهتها أصعب.. أصيب الحوار بحالة انسداد بين كل الأطراف، بدأ بالنخب ثم تدرج عكسيا إلى أن وصل إلى أصغر الدوائر المجتمعية، ولم يعد هناك من هو قادر على التدخل أو التأثير الإيجابى للحد من حجم أزمة أصبح كل أطرافها فى مواجهة مفتوحة ضد الآخر، وينتقل المجتمع إلى مرحلة الصراع المتصاعد.


عندما بدأنا فى التحدث عن التغيير وتحقيق أهداف الثورة، لجأ من وجد ضالته فى اقتناص تلك الثورة إلى شخصنة الأمور وشيطنة الآخر وهو ما أدى بنا إلى الاستقطاب الحاد، انتقل من السياسى إلى الدينى والطائفى، فالكل ينظر للآخر من منظور أحادى.

نتحمل مسئولية دخولنا إلى ذلك النفق المظلم بسبب فشل صياغة مرحلة التحول من بدايتها، فتمسكنا بالمطلق طوال العامين السابقين أفرغ التغيير من مضمونه، فالكل يرى التغيير من منظوره الخاص، ولم يتبق للمواطن البسيط سوى بعض الشعارات المستهلكة من الجميع؛ التغيير لابد أن يمتد جذريا بمدى واسع وسرعة منتظمة وفى اتجاه محدد كى يثمر، تغيير ممنهج له خطة زمنية وأهداف واضحة متوافق عليها، فمن عادة الشعوب أن تنفجر فى موجات من الغضب ضد حكامها، وقد تبدو طموحة فى أهدافها نحو إحداث تغيير إيجابى من خلال الشعارات التى ترفعها، وقد تنجح بالفعل فى الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية الجاثمة على صدورها لعقود وتعرقل فرص التنمية والانطلاق، ولكن للأسف، قد تنحرف تلك الموجات عن مسارها وتعود إلى إنتاج أنظمة استبدادية جديدة على شاكلة الأنظمة التى أسقطتها، وقد تسقط فريسة لأنظمة أسوأ من سابقتها ولكن باسم الثورة، وهكذا.

ساهم غياب المساءلة والمحاسبة والشفافية فى تصاعد الاحتقان المجتمعى، وأدى غياب أدوات إدارة الأزمات والحلول السياسية والالتزام بسيادة القانون إلى تفكك الدولة وفشلها تماما، وأضحى المواطن مأزوما مقهورا يواجه تحديات يومية قاسية، وبات الشباب يائسا، منهم من فقد الأمل ليعود إلى حياته المعتادة قبل الثورة، ومنهم من فقد تمسكه بقيم السلمية والمرونة والتعايش والانفتاح على الآخر أو حتى الاعتراف بوجوده، ليلجأ فى النهاية إلى العنف العشوائى بكافة صوره المادية والمعنوية من أجل مواصلة طريقه؛ والمحزن أن يقتنع الكثير من المواطنين الآن بأن الدولة القوية المفقودة لن تقوم، وأنه لن يتحقق الاستقرار سوى بإعادة إنتاج آلة أمنية شرسة أو العودة لحكم البدلة العسكرية؛ لا يلاموا، لأن الضغوط الاقتصادية الطاحنة وحالة الفوضى المجتمعية المستمرة، بالإضافة إلى فشل النخب السياسية المختلفة فى العمل وفق آليات سياسية منتجة تعكس اهتمامات المواطن وتؤسس للدولة القوية بديمقراطيتها وآلياتها الفعالة فى خدمة مواطنيها والارتقاء بأوضاعهم المعيشية، أفقدت الغالبية الطموح فى التغيير.

لن أوجه أى مطالبات إلى النظام الحاكم، فبات واضحا أنه ماض فى طريقه دون أدنى اهتمام لأى أصوات تصله من خارج دائرة مؤيديه أو احتجاجات رافضة لممارساته السلطوية الفجة، لأسباب قد تتعلق بفاشيته وانغلاقه على ذاته وعلى مشروعه الخاص، أو ربما لعدم استشعاره بواقع الكارثة من حوله إما بسبب زهو السلطة المفاجئ أو القاعدة التنظيمية العقائدية المؤيدة له ولشرعيته الهشة، أو ربما بسبب ضمانة خارجية يثق بها؛ لن أنتظر من النظام تجاوبا، لأنه عاجز تماما عن تقديم أى شىء إيجابى، لأنه مهتم بالتمكين وبفرض نفوذه وسطوة حكمه حتى إن كان على حساب انهيار الدولة، لأنه يرى السلطة غاية فى حد ذاتها وليست وسيلة للبحث عن صالح المواطنين العام.

نظام كهذا ساقط لا محالة، ولا يستقيم أن نترك مصر الدولة تسقط معه؛ لدينا تركة هموم ثقيلة، فاتورتها باهظة على الجميع بلا استثناء، يعانى الجميع بسبب قصور سابق ومتعاقب فى استراتيجية إدارة موارد الدولة وسبل تنميتها ومازلنا نمضى فى نفس الطريق؛ فإلى متى نظل فى تلك الحلقة المفرغة من الحديث الأجوف والسبل النمطية فى المعارضة، محاصرون داخل قلاع الاستقطاب دون اتخاذ خطوات جادة للحد من الأزمة المتفاقمة؟ أوجه الحديث إلى كل مهتم بالشأن العام والقوى الديمقراطية بكياناتها الحزبية والثورية، إلى كل السياسيين والنشطاء الوطنيين بحق.

الثورة مستمرة .. ولكن بتنظيم الصفوف وتحديد الأهداف التى تمس المواطنين، فلنخلق البديل السياسى المقنع والقادر على إدارة الملفات الحرجة للدولة والمجتمع، فلنعمل بشكل مباشر مع المواطن والقطاعات المتضررة والتخفيف من معاناتهم، لا تتركوا المواطن يئن بآلامه فى صمت، وسط الهتافات الاحتجاجية؛ لجوئه إلى أطراف من خارج دائرة الكتلة الحرجة المؤمنة بالتغيير الحقيقى سوف يعيدنا إلى مربع ما قبل الصفر.
الجريدة الرسمية