رئيس التحرير
عصام كامل

مصر رايحة على فين ؟!


على مدى عام طويل اتخذت الحكومة المصرية مجموعة من القرارات المصيرية الحاسمة، اتفقنا مع بعضها واختلفنا مع البعض الأخر.. ورغم أن الأوضاع الاقتصادية قد تدنت بشكل غير مسبوق منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد بعد انتفاضة الجياع التي هَبَّت في وجه الرئيس السادات، والتي على أثرها اتخذ حزمة من السياسات؛ التي جعلت الشعب يشعر بالانتعاش- ولو لفترة محدودة – من الزمن!


إلا أن الأزمة ما لبثت أن تعود من جديد تهاجم بطون الجماهير، خصوصًا بعد سقوط نظام مبارك، الذي لم يتبنى نموذجًا تنمويًا ملائمًا، أو نموذجًا إصلاحيًا ناجحًا للاقتصاد المصري.. ورغم أن المشهد في عهد الرئيس السيسي قد بات مؤلمًا، إلا أن الصورة لم تكن بدرجة القتامة التي يراها المواطن، ولا بنفس البهجة التي يراها المسئولون.. فالمشهد في مصر ليس أبيضًا ولا أسودًا.. ولكن يمكن بوضوح وضعنا في الخانة الرمادية!

إذ إن الارتفاع الجنوني للأسعار والذي تزامن مع خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار جعل المواطنين يتخوَفُون من مستقبل مقبل.. ذلك الخوف من المجهول الذي تُسَّوِقه القنوات والصحف المناوئة لحكم السيسي، بأنه مصير محفوف بالسواد!

فعادة ما يدفع الخوف من المجهول بعض التجار إلى احتكار بعض السلع، كما يدفع المواطنين إلى التخبط أو البزخ في الاستهلاك.. ومن ثم تصبح الجرائم الاقتصادية والجنائية عنونًا لمرحلة يشعر فيها المواطنون بأنهم أمام مستقبل مجهول المعالم.. وأنهم فقط يحاولون "عيش اللحظة" دون التخطيط أو حتى الإدخار لمستقبل آت.. كل هذه المخاوف جعلت العقلاء من بسطاء الشعب يتساءلون "هى مصر رايحة على فين؟" وفى وقت فشل فيه الإعلام الحكومي في تقديم إجابات مُقنعةً على أسئلة الجماهير التائهة.. كان إعلام المؤامرة يُجيب "طبعًا رايحين في ستين داهية!"

وحتى تتضح لنا الصورة بشكل جَلي، أردنا في هذه المقالة أن نكشف للقارئ حقيقة وضعنا الاقتصادي، وماهية الظروف التي دفعت الحكومة إلى اتخاذ هذه القرارات الاستثنائية الصعبة، التي لم تجعل مشاركة المواطنين في تحمل المسئولية خيارًا ترفيهيًا وإنما جعلتها "فرض عين".

وهذا لا يعني أيضًا أننا متفقون مع كل هذه القرارات، حيث إننا نرى أن ثمة طرق ربما تكون أفضل وأيسر من تلك التي اتبعتها الحكومة!

فمثلًا أظهرت دراسات الإنفاق أن 5.5 مليون مواطن في وضع اقتصادي يمكنهم من الاستغناء عن البطاقة التموينية.. ومن ثم فكان يمكن أمام الحكومة أن ترفع هذه النسبة من حصتها في السلع التموينية بدلًا من الرفع الجائر للأسعار!

وعمومًا لا بد أن نعرف أن عجز الموازنة في 201م بلغ 30 مليار دولار.. حيث بلغ إجمالي إيرادات الحكومة في هذا العام 55 مليار دولار في الوقت الذي بلغت فيه المصروفات الحكومية 82 مليار دولار، ناهيك عن الخلل الذي أصاب النشاط السياحي الذي تراجع بعد سقوط الطائرة الروسية بمعدل 41 %.. علمًا بأن النشاط السياحي هو المصدر الأول للعملات الأجنبية، تليه تحويلات المصريين المغتربين و عائد قناة السويس! وهذا يؤشر على أن الدولة كانت مقبلة على كارثة اقتصادية كبيرة، والذي دفع الحكومة إلى التحرك بمنتهى الحزم و القسوة في ذات الوقت، لإجراء إصلاحات اقتصادية سريعة، وإن كانت إجراءتها قاسية، حتى لا يصبح الكيان المصري برمته مُعرضًا للخطر!

ورغم جملة القرارات القاسية التي اتخذتها الحكومة لتجنب الوصول إلى الوضع الأسوأ، إلا أن الصورة لم تكن فعلًا بهذا "السَوَاد" الذي يُصَوِره البعض للمواطن البسيط.. فعلى مؤشر "الخدمات اللوجستية" مثلًا، حصلت مصر في 2016م على المركز 49 على مستوى العالم بعد أن كانت في المركز 62 عام 2014م.. وبذلك فقد قفزت مصر 13 مركزًا في ظروف اقتصادية استثنائية مدهشة حسب ما أورده تقرير "فينشيال تايمز" حديثًا عن الاقتصاد المصرى.

وفى ظل ما يعانيه الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية من تراجع بسبب انخفاض معدل الصادرات وارتفاع الواردات مع تذبذب سعر العملة ومعاناة القطاع الخاص لسنوات طويلة استطاعت مصر أن تحقق خلال 2016 قفزة غير مسبوقة في مجال "الاستثمار" حيث حصلت على المركز "الخامس"عالميًا من حيث زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي. التي بلغت هذا  العام 21%.. بعد أن كانت الدولة " رقم 15 " عالميًا في عام 2015م!

وفيما يتعلق بـ"علاقات مصر الاستثمارية" مع "الاتحاد الأوروبي" فقد وصل إجمالي حجم التدفقات المالية من الاتحاد الأوروبي هذا العام إلى 8 مليارات دولار، ويمثل ذلك 6% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في مصر. حيث أكد رينهولد برندر"القائم بأعمال منظمة الاتحاد الأوروبي" بالقاهرة، أن حجم التجارة البينية بين الاتحاد ومصر قد تضاعف، ووصل إلى 20.6 مليار يورو في عام 2016، بما يمثل 31% من التجارة الخارجية لمصر!

ليس ذلك فحسب، فقد شهد قطاع "الصادرات" زيادة ملحوظة قدرها 10 % فور إعلان البنك المركزي المصري لقرار تخفيض قيمة الجنيه.. بالإضافة إلى أن تقارير"الكوميسا" أشارت إلى أن صادرات مصر لدول الكوميسا قد وصلت إلى"3 أضعاف" الواردات هذا العام. لتسجل 1.3 مليار دولار.. علمًا بأن حجم الاستثمارات الأفريقية في مصر يبلغ 2.8 مليار دولار، وأن حجم الاستثمارات المصرية في أفريقيا تجاوز 7.8 مليار دولار في مجالات البناء والتشييد والأدوية والأجهزة الكهربائية!

وعمومًا فقد ارتفع صافي الاستثمارات الأجنبية في مصر بنسبة 13.7%، ليسجل نحو 5.8 مليارات دولار في العام المالى (2015-2016)، وذلك مقارنة بنحو 5.1 مليارات دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق 2014/2015. وجاءت هذه الزيادة كنتيجة أساسية لارتفاع صافي الاستثمارات الواردة من تأسيس الشركات، وزيادة رءوس أموالها، والتي حققت نحو 3.7 مليارات دولار عن نفس الفترة !

إذًا مصر حسب التقارير الدولية تخطو بخطوات شابة وواعدة في مجال الاستثمار سواء مع الدول الأوروبية أو الأفريقية.. ناهيك عن علاقتها مع الصين والتي أدخلت مصر كعضو مؤسس في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهذه العضوية تعطي مصر الحق في المشاركة في رسم سياسات البنك..

وعلى صعيد النجاحات الداخلية نجحت الحكومة في استصلاح واستزراع 10 مليون فدان في الفرافرة، كما انتهت مصر من إنشاء أكبر مشروع للاستزراع السمكي في الشرق الأوسط على مساحة 5 آلاف فدان شرق قناة السويس الجديدة لإنتاج 55 ألف طن سنويًا، ويوفر المشروع العملاق 5 آلاف فرصة عمل مباشرة، وأكثر من 10 آلاف فرصة عمل غير مباشرة!

ورغم أن البطالة هى الشبح الذي بات يهدد مستقبل الشباب في معظم دول العالم، إلا أن مصر استطاعت أن تقترب من معدلات البطالة في العالم وهى 13 %.. حيث سجل معدل البطالة في مصر 12.8 % في الوقت الذي تجاوزت فيه معدلات البطالة في الدول العربية 29 %.. ناهيك عن نجاح الحكومة في رفع معدلات التشغيل في المحافظات الحدودية بمعدل 2.7 % زيادة عن العام السابق!

ربما لا تكون تلك النجاحات التي رصدناها دليلًا كافيًا على جمال الصورة في الوضع المصري.. لكنها على الأقل كافية للتأكيد على أننا تجاوزنا المنطقة السوداء!
Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية