رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى وفاة سامية جمال.. الوجه الآخر للراقصات.. تحية كاريوكا «سند» الفنانين في الأزمات.. زينات علوي تتضامن مع زملائها ضد «عبدالناصر».. وزيارة الأصدقاء صفة أشهر راقصة في الستينات

18 حجم الخط

هي امرأة تعرت وتثنت، وكشفت ما كان يجب تغطيته، فإذا اعتبر العالم الرقص بأنه أحد الفنون السبعة، فإن الشرق يعتبره أحد الأبواب السبعة في جهنم التي ستدخل منه الراقصة، تلك هي النظرة المعتادة إلى الراقصات في المجتمع الشرقي.



ولأن المواقف الإنسانية في حياة الراقصات مجهولة، فيمكننا أن نسلط الضوء عليها، وأبرز مثال على الراقصة التي كانت لها مواقف إنسانية عديدة بشهادة كل من اقترب منها، هي الفنانة والراقصة تحية كاريوكا، والراقصة زينات علوي، والراقصة سامية جمال.

تحية كاريوكا
وهذه الراقصة والفنانة التي عرفها الجمهور على الشاشة بقوتها وجبروتها وإغوائها؛ وتزوجت من 14 رجلا، كانت تخفي وراءها الكثير من المعاناة والعذاب والوحدة؛ فعندما توفى والدها وهي في سن صغيرة، ذاقت المرار على يد شقيقها الأكبر «أحمد»، الذي أجبرها أن تخدم زوجته.

لم تطق «تحية» هذه الحياة، فتمردت وهربت وجاءت من الإسماعيلية إلى شارع عماد الدين في القاهرة، فالتقطتها الراقصة سعاد محاسن من صغرها، فأصبحت بعد سنوات قليلة الراقصة تحية كاريوكا، التي رقصت للملوك والرؤساء، وعاشت حياة مليئة بالحكايات والكفاح.

البهجة والألم
عاشت «كاريوكا» حياة مليئة بالبهجة والألم، الأمل والوهم، الكبرياء والانكسار، فلقد تلقت طعنات عديدة من أقرب الناس إليها الذين أحسنت إليهم وقدمت لهم يد العون عندما كانوا لا شيء، كان آخر هؤلاء؛ زوجها المسرحي والناقد الفني فايز حلاوة.

تزوجت تحية كاريوكا منه، وساعدته في تكوين فرقته المسرحية التي كان يحلم بها، فعرفه الوسط الفني، وفتحت له الجرائد والمجلات صفحاتها ليكتب فيها، مجاملة لزوجته الفنانة الكبيرة، التي عاش معها في شقتها الكبيرة بحي الزمالك والتي تطل على النيل مباشرة.

وفى الوقت الذي كانت تسخر بعض الصحف من الزواج الثالث عشر للفنانة القديرة من فايز حلاوة، كان يسدى إليها الطعنات والركلات، ويعاملها أسوأ معاملة، رغم أنها تحبه، فهي أحبته "حبا عنيفا وشديدا، كما قالت ابنة أختها الفنانة رجاء الجداوي.

لم يذكر لها أي معروف، فطردها من شقتها بملاس النوم، وجردها من كل متعلقاتها ولم يعطها مجوهراتها، واضطرت للهروب من سلم الخدم حتى لا يراها سكان العمارة، ثم اتجهت لابنة أختها رجاء الجداوي، قبل أن تقرر أن تعيش في شقة صغيرة بمنطقة العجوزة بمفردها.

العجيب في هذه القصة، والتي يحكيها الماكيير محمد عشوب، أن أخاه المستشار الشهير مصطفى عشوب، رفع قضية على فايز حلاوة؛ لاستراد الشقة منه، إلا أنه فوجيء بأن "كاريوكا" تطلب منه التنازل ووقف القضية.

أمومة مرفوضة
لم يكتب الله لتحية كاريوكا أن تنجب، رغم زواجها المتعدد، وعندما رغبت في أن تتبنى اثنين من الأطفال، رفضت الملاجيء؛ لأنها راقصة، وروت هذه القصة باكية، في أحد اللقاءات النادرة لها بإذاعة البرنامج العام، قائلة إن الله لم يكتب لها أن تنجب، وإن الملاجيء رفضت السماح لها بتبنى أي أطفال لكونها راقصة، لا تؤتمن على تربية الأطفال، وطالبت في هذا اللقاء، باحترام الفنان واحترام ما يقدمه، مؤكدة أن الرقص ليس عهرا أو عملا منافيا للآداب.

شهادات ومواقف
شهد لهذه السيدة الكثير من أصدقائها، اقتربوا منها وعرفوها، وجدوا منها "الجدعنة" والطيبة ورقة القلب، منهم أنيس منصور الذي قال «وكاريوكا شخصية إنسانية شجاعة.. فقد كانت تساعد الفنانين والفقراء والمرضى. أذكر أنني رافقتها إلى قصر العيني حيث أجريت عملية لفنانة متواضعة مريضة. ولم تذهب كاريوكا إلى الكباريه حيث ترقص في تلك الليلة، فقد تملكها البكاء. ولم تعد قادرة على أن تمثل الفرفشة»

وتحكي الفنانة سهير رمزي موقفا لهما، عندما كانت تحج معها، قائلة: «قبل ما نطلع على عرفة بيوم، ابنة خالى تعبت أوي، ومكانش ينفع نسيب طلوع عرفة، لكن اضطرينا لأن دي حج ومش بتتكرر كتير، إلا إن تحية أصرت على الجلوس معها، وقالت هجيب عربية إسعاف ليها، ووقفت معاها، وقالت ربنا مش كاتبلي أطلع عرفة معاكم النهاردة»


زينات علوي

المعاناة والألم كان مع زينات علوي ايضًا وإن كانت لم تتزوج طوال حياتها فقد رفضت الرجال، بسبب ما تعرضت له على يد أبيها، فكانت قسوة الأب على جسدها الضعيف، وعدم فهمه لطبيعه مشاعرها وطموحاتها سببا في الهروب من المنزل أسرتها.

الطفولة القاسية دفعت زينات علوي إلى الاقتناع بمبدأ «كل الرجال ذئاب» ثم سافرت إلى القاهرة وهي في سن صغيرة، بحثا عن العمل، وبالتحديد شارع عماد الدين.


يحكى الكاتب أنيس منصور في مقال له بعنوان «من الذي لا يحترم زينات علوي؟» فيقول:«زينات علوي هي أحسن راقصة مصرية بعد كاريوكا، لأن أداءها سهل وجميل ولا تتبذل في حركاتها، الأهم من كل ذلك موقفها النبيل من عدد من الصحافيين والكتاب الذين فصلهم الرئيس عبد الناصر»

ويضيف «منصور»: «لقد رأيتها تزور الشاعر كامل الشناوي فلما وجدته نائما ظلت جالسة حتى نهض من فراشه، وكان يسهر الليل وينام النهار ثم أعطت له مبلغ من المال - بضعة آلاف-. وهددت بأن تلقى بنفسها من النافذة إن لم يأخذ هذا المبلغ، واعتذر كامل الشناوي وفوجئنا بأنها فعلا تريد أن ترمي نفسها من الشباك. ثم قبلتنا والدموع في عينيه»

مواقف
كان لزينات علوي مواقف ومشاكسات، وكانت تدافع عن حقوق زملائها ضد سياسة النظام الناصري وقتها، لدرجة عرضتها لتهديد بالسجن، وطالبت الراقصة بإنشاء نقابة للراقصات لحفظ حقوقهن، وهاجمت مطاردة الأجهزة الأمنية للراقصات، الأمر الذي سبب لها الكثير من المتاعب.

والذي لا يعرفه الكثير عن زينات علوي، أنها عاشت طوال حياتها بمفردها، فمنذ أن جاءت من الإسكندرية طفلة صغيرة، حتى آخر يوم في مماتها، لم تكن من رواد الشلل والصداقات الكثيرة، الأمر الذي جعل فرصتها قليلة في الظهور السينمائي، من حيث عرض النصوص والأدوار عليها، مثل كاميليا أو تحية كاريوكا وسامية جمال ونجوى فؤاد وغيرهن.

موت وحيد
اعتزلت زينات عام 1968 وابتعدت عن الجميع لتعيش بمفردها، وتوفت إثر أصابتها بأزمة قلبية حادة دون أن يشعر بها أحد حيث اكتشفت خادمتها - التي رفضت تركها رغم ضيق أحوالها المادية - الأمر بالمصادفة الشديدة عندما أصرت على اقتحام المنزل بعد أن ارتابت في غيابها المفاجئ عن المنزل دون أن تخبرها كما اعتادت، ولم يمش في جنازتها سوى تحية كاريوكا وفيفي عبده والخادمة وأولادها.


سامية جمال

سامية جمال التي تحل ذكرى وفاتها اليوم والتي عرفت بأشهر راقصة في السيتينات لم تكن تختلف كثيرًا عن زملائها فهي ايضًا عانت اليتم المبكر فتعرضت لصدمة مبكرة عندما توفت والدتها في الثامنة من عمرها، وعندما ذهبت للعيش مع زوجة أبيها، كانت تهينها وتضربها، كما روت في أحد اللقاءات التليفزيونية، الأمر الذي دفعها للهرب والذهاب إلى القاهرة حيث شارع عماد الدين، وبديعة مصابني، التي كانت تلتقط كل الفتيات المغتربات واللواتي لا مأوى لهن.

يقول الكاتب الصحفي محمود فوزي: «سامية جمال، شخصية عاطفية جدًا، تحب من حولها وتسعى لإسعادهم أيًا كانت الظروف، وساهمت في الإنفاق على أسرتها وأشقائها وأبنائهم وتعليمهم، كما كانت تهتم بفرقتها الموسيقية وتحرص على ألا تأخذ أجرها قبل أن يتقاضاه الموسيقيون الذين يعملون معها. وكانت لها علاقات اجتماعية متعددة وكثير من الصدقاء الذين كانت تحرص على زيارتهم»

أما الموسيقار محمد أمين فيقول: «عزيزة النفس بشكل كبير، فلم تقبل أبدا أن تتلقى أموالًا من أحد إلا نظير عملها.. وقد عرض عليها أحد أمراء الخليج أن يهدي لها جناح خاص في أحد فنادق القاهرة الكبيرة ولكنها رفضت. بل إنها اعتزلت الرقص في أوائل السبعينات ثم عادت له مرة أخرى عندما لم تجد دخلًا يؤمن حياتها، فاستمرت تعمل بالرقص حتى سن الستين حتى جمعت مبلغًا من المال يكفيها أن تعيش الباقي من حياتها "مستورة" كما قالت، فهي عاشت أوقات لم تجد لقمة تأكلها، ولم تمد يدها لأحد»

 
الجريدة الرسمية