رئيس التحرير
عصام كامل

الفكر الدينى ليس ديناً بالضرورة!


تعيش مصر هذه الأيام الغليان العجيب، والصورة ليست لإرث يحمل أسماء طه حسين ونجيب محفوظ وحسن حنفى ونصر أبو زيد وعبدالرحمن بدوى وفؤاد زكريا، بل لإرث مجموعة من المتقافزين نحو السياسة وهم خليط من الدراويش والوعاظ والقصاص، احتلوا الكراسى التشريعية والتنفيذية. اغتيلت حرية الكلمة، جرّوا باسم يوسف بتهمة ازدراء الأديان.


كل هذا يعيدنى إلى لقاءٍ مع المفكر المصرى الراحل نصر حامد أبو زيد والذى لم يخف فيه خوفه على مصر من المتطرفين، تحدث حينها من هولندا التى أكرمته وعيّنته أستاذاً لكرسى ابن رشد بعد أن خرج من مصر على إثر فتوى تكفيرٍ شهيرة هى من أشهر فتاوى التكفير فى العصر الحديث وشملت التفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس التى خرجت مع زوجها بكل حب ليعيشوا الحب فى هولندا متحدين ثقافات العنف والإرهاب وعاش فى هولندا من 1995 وإلى وفاته فى 2010.

نصر أبو زيد كتب مؤلفاً بعنوان:"نقد الخطاب الدينى" الذى قال فيه إن الاختلاف بين الإسلاميين هو اختلاف فى الدرجة وليس فى النوع، وطالب بالكتاب أن نقرأ النصوص وفق ظروفها متبعين منهجية التأويل التى تجدد من المعانى ولا تبقى أسيرةً لمعنىً واحد تم توارثه عبر المفسرين وسواهم على مدى مئات السنين، أخذ على عاتقه تجديد الخطاب الدينى ليكون مدخلاً لإنهاء حالة الهياج العنفى والحماس الأصولي، رأى أن أى مدخل لإصلاح الأوضاع فى العالم العربى لابد أن يمر عبر الإصلاح الحقيقى والجدى للخطاب الديني.

يقول نصر:" لا بد من التمييز بين "الدين" وبين "الفكر الديني" فالدين هو النصوص المقدسة الثابتة، والفكر الدينى هو اجتهاد بشري. الخطاب الدينى لا يستهدف الوعي.. بقدر ما يهدف إلى التشويش الأيديولوجي. الجميع يتحدثون عن (الإسلام) .. دون أن يشعر أحدهم بأدنى تردد أن ما يطرحه فى الحقيقة هو (فهمه للإسلام ولنصوصه). نحن فى عالمنا العربى نعيش على أفكار أنتجها أناس قبل ألف سنة! بل تم تحويل هذه الأفكار"البشرية" إلى عقيدة".

بآخر السطر، أراد نصر أبو زيد أن يقوض سلطة الديكتاتورية فى التحكم بالخطاب الديني، وأن يفتتح عهداً مزدهراً تتغير فيه الأفكار والعقول وينتشر النور. رحل أبو زيد ولو بقى وشاهد الحالة المصرية لردد مع المتنبى بيته الشهير:

نامَتْ نَوَاطِيرُ مِصر عَنْ ثَعَالِبِها
فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ

نقلا عن جريدة الرياض
الجريدة الرسمية