رئيس التحرير
عصام كامل

الوداع الأخير.. تفاصيل أزمة مجلس الأمن بين «القاهرة والرياض».. تقارير قطرية حرضت محمد بن سلمان لإحداث «فتنة الفرقة».. دبلوماسي عربي يحذر من التعاون مع تركيا.. مصر حاربت الإخوان نيا

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

أربك التحالف المصري السعودي الذي تآكل قوامه، الأسبوع الماضي، حسابات المنطقة العربية، ووضع الجميع أمام مرآة الحقيقة، وما كان يناقش في القاعات الدبلوماسية المغلقة بشكل سري بات قنابل تلقى أمام الميكروفونات.


شرارة الأزمة أشعلها مندوب الرياض لدى مجلس الأمن السفير عبد الله المعلمي، بالهجوم غير المبرر على نظيره المصري السفير عمرو أبو العطا، على خلفية تصويت الأخير لصالح مشروع القرار الروسي والفرنسي بشأن حلب.

ما أثار دهشة البعض، تظاهر المندوب السعودي بالصدمة في موقف مصر من الملف السوري، ووصفه التصويت المصري لصالح مشروع القرار الروسي بـ«المؤلم»، رغم موقف القاهرة المعلن منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم وتأكيده في أكثر من مناسبة على تمسك الدولة المصرية بوحدة الأراضي السورية وعدم السماح بتقسيمها وضرورة انتزاع سلاح الميليشيات الإرهابية.

موقف مصر
أرشيف الإعلام لا يزال يحتفظ بتصريحات رأس الدولة المصرية شخصيا في هذا الاتجاه، ففي سبتمبر 2015، قال السيسي لشبكة «سي إن إن75» الأمريكية، إن «انهيار» الجيش السوري وسقوط بعض أسلحته في يد تنظيم داعش، أو جبهة النصرة قد يشكل خطرًا على مصر.

تصريحات السيسي حول الموقف المصري الثابت من الأحداث الدائرة في سوريا، لم تكن الوحيدة الصادرة من القاهرة الرسمية، وسبقها كلمات واضحة من سامح شكري وزير الخارجية بعدة لقاءات صحفية لا تبتعد كثيرا عن ذات الاتجاه.

الموقف المصري أيضًا رغم إعلانه صراحة في عهد السيسي، إلا أن له جذورا ممتدة خلال الأعوام الخمسة الماضية أكدها الرئيس السوري شخصيا بكشفه عن تواصل جهات رسمية بالقاهرة مع دمشق خلال عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي.

وبناء على ما سبق، لم يكن تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي الذي تراها يتماهى مع رؤيتها بالأمر الجديد الصادم للرياض، خصوصا أن القرارين الروسي والفرنسي لا خلاف بينهما سوى في بند واحد متعلق بضرورة ملاحقة المعارضة المسلحة وعدم التوقف عن استهدافها.

لكن الجديد في المشكلة هو الموقف السعوي المتذمر، الأمر الذي يثير الكثير من الأسئلة المقلقة حول انفجار الخلافات المكتومة والمتعلقة بملفات أخرى ليست مقصورة على سوريا، كما يراها البعض ويتطلب مزيدًا من الشرح والمكاشفة للتوضيح وتدخل مشرط جراج لاستئصال «سرطان الفرقة»، الذي تسعى دول غربية وإقليمية لتفشيه بسرعة صاروخية في جسد القاهرة والرياض لأهداف خفية شرحها لـ«فيتو» دبلوماسي عربي مطلع يقف في لب الأزمة.

دعم نظام السيسي
«استغرب من معايرة مصر والسيسي بالدعم» بهذه العبارة استهل الدبلوماسي العربي التعليق على الشرخ الحادث في جدار العلاقات بين الشقيقتين القاهرة والرياض، معبرًا بها عن استهجانه لربط البعض وقف شركة أرامكو السعودية لحصة النفط المخصصة لمصر عن شهر أكتوبر بالخلاف الذي وقع داخل قاعة مجلس الأمن، وتتطور الأمور بخروج بعض الأبواق التي تعاير النظام المصري بالدعم السعودي والخليجي الذي تلقاه خلال العامين الماضيين، خاصة أن هذا الدعم بحسبه جاء بهدف انتشال القاهرة «الأم» من دوامة غرق خططت لها جماعة الإسلام السياسي «الإخوان» وبمعاونة الداعم الأكبر لها أمريكا.

إنهاء مشروع الإخوان في مصر، بحسب الدبلوماسي العربي، كان بمثابة طوق نجاة للدول العربية من السقوط في فخ الجماعة التي سعت لتحويل القاهرة إلى شبكة كبيرة لاصطياد العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى من خلال فروعها المنتشرة بجميع العواصم الخليجية، لكن محاربة السيسي لهم (أي الإخوان) كان بمثابة معركة مشتركة تدور فوق الأراضي المصرية دفعت ثمنها الدموي شعبها وقواتها الأمنية.

الدبلوماسي العربي أضاف: «هذه كانت قناعة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، ودفاعه عن مصر أمام المحافل الدولية وحرصه على دعم النظام داخليا عبر عن إداركه الحقيقي لخطورة هذه الجماعة، وهو ما توافقت عليه الإمارات والكويت وسبب أزمة مع قطر، وأشعل الخلاف مع تركيا ولم يزر رئيسها رجب طيب أردوغان المملكة سوى بعد رحيل (حكيم العرب)، كما أطلق عليه الرئيس المصري».

سوريا الأزمة
أزمة مجلس الأمن نفخت فيها قطر وابتلعت المملكة الطعم، بحسب رؤية الدبلوماسي العربي، الذي أكد أن موقف مصر ليس بالجديد خصوصا لو اكتشفنا أن القاهرة أعلنت ذلك صراحة في عدة اجتماعات عربية مغلقة بين شخصيات رسمية، وكانت رؤية مصر بحسب المتحدث أنها تخشى من تقسيم الدولة السورية واختطافها لصالح ميليشيات إرهابية متناحرة وتفتيتها إلى «دويلات» تنهك جسد الأمة المأزمة.

ووفقًا للدبلوماسي أيضًا لم تتمسك مصر الرسمية ببقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه بل كانت مؤيدة في أكثر من مناسبة بضرورة حل سياسي يلبي طموح الشعب السوري شريطة بقاء مؤسسات الدولة وخصوصا الأمنية متماسكة خشية تكرار سيناريو العراق بأيدي عربية تنهي الأمل في عودتها إلى ما كانت عليه، واللافت أيضا هو توافق عدد من العواصم الخليجية على هذه الرؤية ومن بينها دول بارزة دون ذكر أسماء تتماشى مع الطرح المصري، وتخشى من فكرة سقوط دمشق فريسة للتقسيم.

حرب اليمن
وبشأن ما يتردد حول وجود خلافات بين الرياض والقاهرة، بعد رفض مصر الدفع بقوات برية للداخل اليمني لقتال ميليشيات الانقلاب، جاء رد مصدر «فيتو» حاملًا مزيدًا من المفاجآت بتأكيده على رفض القاهرة منذ البداية الدفع بقوات برية ودفعت بقطع بحرية لتأمين الممر الملاحي لباب المندب، وفضلت البقاء خارج الأراضي اليمنية بهدف الحفاظ على وسيط عربي مقبول لدى الأطراف الداخلية بعيدًا عن الصراعات الطائفية والأيدلوجيات، أي أن مصر حاولت الإمساك بالخيط العروبي القومي دون انحياز طائفي لصراع محتدم بين «السنة والشيعة».

وبالفعل بقاء القاهرة خارج المعادلة العسكرية بالداخل اليمني مكنها خلال الأشهر الماضية منذ إعلان الحرب على ميليشيات الانقلاب الحوثية من القيام بمعركة دبلوماسية موازية سهلت الإفراج عن أسرى، وأجهضت عمليات عسكرية بدعم معلوماتي تعد أهم بكثر من الخلاف بالرصاص.

سر الخلافات
إلا أن التشنج الظاهر في العلاقات بين مصر والسعودية بصورة مفاجئة، رغم عدم صدور موقف جديد مغاير عن المعلن والسري من الجانب المصري، فسره الدبلوماسي العربي بوجود فتنة بين البلدين، موضحًا أن اختفاء قطر من ملفات المنطقة خلال الفترة الماضية جاء نتيجة قناعتها بعدم امتلاك ما يؤهلها للعب دور محوري بقضايا الأمة سواء بالسلب أو الإيجاب.

واتهم المصدر «الدوحة» بتنفيذ مخطط فتنة جديد يهدف لزرع الفرقة بين القاهرة والرياض، وتبنت وسائل إعلامها على مدى الشهور الماضية حملة هدفت إلى دفع السعودية إلى عجلة قيادة الأزمات وصدرت دوائرها السياسية أحاديث هدفت للوقيعة حول رغبة مصر في تهميش دور المملكة وقيادات النظام الحاكم الجديد هناك، ولعبت بذكاء على تأجيج مشاعر الغضب تجاه مصر ووضع غصة بالنفس لدى الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد مفادها «مصر ترى القيادة السعودية الشابة غير مؤهلة لقيادة أمة، وأنها تعمل على إجهاض دوره في بعض الملفات واستغلت زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى لبنان، ونقلت تقريرًا مسيئًا للجانب السعودي يعزز روايتها، خاصة أن زيارة شكري جاءت بعد أزمة سياسية طاحنة بين الرياض وبيروت».

ولم تكن إيران بعيدة أيضًا كجسر للتحريض، وسربت الدوائر القطرية معلومات مغلوطة حول نية القاهرة نقل تحالفها الاستراتيجي مع طهران بوساطة روسية، حسب زعم التقارير القطرية.

وتسريبات «الجزيرة» المزعومة، كانت مقدمات لوضع العاصمتين في مفترق طرق، ووضعت لبنة الخلافات في النفس، وحينها تعمدت وسائل الإعلام الموالية لقطر وللتنظيم الدولي للإخوان اللعب على هذا الوتر، ونجحت بامتياز.

الحليف التركي
الآن وبعد الخلافات الناشبة والتأزم، بدأ الأتراك بمعاونة قطر الاصطياد في الماء العكر، ودخلت أنقرة مهرولة لاختطاف دول الخليج، بحسب الدبلوماسي العربي، الذي حذر من دخول الجميع نفق الأتراك الذين لن يمثلوا عوضا عن المصريين، بالأمس القريب كان رجب طيب أردوغان معاديا للسعودية في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز، وانحاز لجماعة الإخوان، وأيضًا كانت يده ممتدة إلى نظيره السوري بشار الأسد، ونتذكر جميعها عندما أزال وزير خارجيته حينها أحمد دواد أوغلو الحواجز الحدودية بين دمشق وأنقرة، وأعلن إلغاء التأشيرات، وفقًا للدبلوماسي نفسه.

واليوم يقاتل في سوريا ويتاجر بشعبها لتحقيق مشروع دولته في ظل غياب الأمة العربية عن المنطقة وتركها رهينة للمشروع الفارسي والتركي والإسرائيلي الأمريكي وأيضًا الروسي، ومعايرته لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وكشفه قيامه بتسجيل لقاء سري بينهما خير دليل أننا نضع يدنا في يد غادر يطعن في الظهر.

وانتقد الدبلوماسي الهجوم على مصر، قائلًا: «نختلف اليوم مع مصر بخصوص موقفها السياسي الثابت تجاه سوريا، ونهرول لنقل تحالفنا مع عدو غادر يطعن في الظهر وافق مع مطلب تدويل الحج لمغازلة إيران وقت حادث سقوط الرافعة بالحرم المكي خلال موسم الحج قبل الماضي».

مستقبل غير مطمئن
وبالعودة إلى الخلافات السعودية المصرية، قال الدبلوماسي العربي: إن الأزمة الحالية مجرد سحابة صيف تنتهي بزيارة وفد رسمي من هنا أو هناك، لكن المقلق من القادم ، وهنا لا بد من تصفية الأجواء كليا قبل انفجار العلاقات واتساع هوة الخلافات، مفسرًا ذلك بوجود تضاد في الرؤى أيضا حول دور الجامعة العربية، ونصح الرئيس التركي للرياض بالتخلي عن هذا الكيان والاستعاضة عنه بمنظمة التعاون الإسلامي لتسهيل تمرير الاتفاقيات بين الجانبين لوجود أنقرة ضمن أعضائها، وتدفع قطر أيضًا في هذا الاتجاه وبات من غير المستبعد إعلان إحدى العاصمتين خروجها من عضوية الجامعة العربية بهدف فرض مزيد من العزلة على القاهرة وتهميش دورها.

وفيما يتعلق بما هو متداول عن استدعاء السفير السعودي أحمد القطان، نفى هذه الفرضية، مرجحًا أنها ربما تكون خطوة للتشاور حول سياسة جديدة، خصوصا بالتعامل مع الإعلام خلال الفترة المقبلة، خصوصا أن العائلة الحاكمة تتملكها حالة من الغضب بسبب بعض التقارير الإعلامية التي تهاجم رموزا في العائلة وتمارس ما تعتبره المملكة تحريضًا.

رسالة تحذير
في ختام حديثه الكاشف للحقيقة الأزمة بعيدا عن المجاملات، بعث الدبلوماسي العربي ما يشبه برسالة تحذير من سيناريوهات كارثية تنتظر الأمة حال وقع «الوداع الأخير بين القاهرة والرياض»، معتبرًا ذلك خطوة انتحارية لمشروع الأمة وتسليم مفاتيح المنطقة العربية لمحتل جديد يرتدي قناع الحليف.

ونبه إلى سهولة الانقضاض على الهدف الاستراتيجي «السعودية» بعدما بدأت أمريكا خطة محاصرتها بقانون «جاستا»، مؤكدًا أن تحرك واشنطن في الخفاء لاتهام قيادته بارتكاب جرائم حرب في اليمن، دلالة على الخطوات التصعيدية الممنهجة لدفع البلاد إلى أتون فوضى خلاقة داخلية وخارجية، بهدف تجهيز الأرض لحليفها الجديد – إيران- وبسط نفوذها على دولنا العربية في غفلة الخلافات التي نمر بها.

واختتم الدبلوماسي العربي حديثه قائلًا: «مصر هي الأخرى ربما يأتي الدور عليها متأخرا لكنها في نهاية المطاف لكونها تعد (جائزة كبرى)، وسقوطها يعني تجهيز أكفان باقي دول المنطقة استعدادا للتشيع إلى مثواها الأخير، ووقتها لن يكون هناك من تتصارع على قيادته، ولذا وجب ترميم شرخ الجدار بطريقة مسرعة هربا من نهاية فوضوية تحاك لنا، ويدرك من كتبها جيدا أن الحجرة العثرة الباقية بعد سقوط نصف العالم العربي هو فك التحالف بين الحليفين».

«نقلًا عن العدد الورقي».
الجريدة الرسمية