رئيس التحرير
عصام كامل

«عم قناوي البطل» السائق الذي أفشل هجوم إسرائيل على الجيش «تقرير»

اللواء إبراهيم فؤاد
اللواء إبراهيم فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية
18 حجم الخط

«لأول مرة منذ الصراع العربي الإسرائيلي منذ نكبة 1948 وحتى حرب أكتوبر 1973 يتم زرع ردارات بشرية في جميع أنحاء سيناء»..

بهذه الكلمات يؤرخ اللواء إبرهيم فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية خلال حرب أكتوبر لدور أبطال السويس والبدو في حرب أكتوبر بجانب دورهم في المقاومة الشعبية، وكان منهم المقاتل البطل السويسي عبد المنعم قناوي والذي أصبح بعد 43 سنة من حرب أكتوبر يعمل على ميكروباص في السويس.


النكسة والبداية

يقول عبد المنعم قناوي إن البداية كانت عام 1967 حينما كان أهالي السويس يزينون مركبات الجنود بالزعف والزهور ويوزعون الشربات والمشروبات الباردة أثناء توجههم لسيناء لإلقاء العدو في البحر، حتى جاء خبر النكسة، فتوجه شباب السويس على مراكب ولنشات لانتشال الجنود والمصابين العائدين من سيناء، والعودة بهم إلى السويس وتقديم الإسعافات لهم.


وكان أهالي السويس يسمعون العدو يوجه السباب والشتائم للمصريين عبر الميكروفانات مما دفع بعض شباب المحافظة لفكرة الانتقام فتوجهوا لمقر منظمة فتح في القاهرة للتعاون معهم ضد المحتل الإسرائيلي، وبدأ شباب السويس وبينهم القناوي التعاون مع منظمة فتح حتى علمت المخابرات المصرية، وبعد تحقيق أنشأت المخابرات منظمة سيناء المقاومة والتي ضمت شبابا لتوجيه ضربات للعدو خلال حرب الاستنزاف وحتى وقف إطلاق النار، وكان دور شباب المقاومة في منطمة سيناء ازعاج العدو كقطع أسلاك الاتصال ووضع الألغام وتدمير معسكرات الذخيرة.

مراقبة العدو

قبل حرب أكتوبر كانت المخابرات ترسل مندوبين لها في سيناء لمراقبة العدو وتحركاته وكان بين هولاء عبد المنعم قناوي، حيث تم دفعه في 14 سبتمبر 1973، مع دليل من العرب إلى مدخل ممر متلا وهو منطقة إستراتيجية في سيناء لرصد تحركات العدو، وتكوين خريطة كاملة لأماكن العدو في سيناء تستفيد منها المخابرات المصرية، والتي يرسل لها لمعلومات عن طريق لا سلكي يتم شحنه على بدال لمدة ساعتين لإرسال يستمر 10 دقائق، حتى صدرت له الأوامر بالعودة للقاهرة يوم 16 أكتوبر.


الهروب من الثغرة

أثناء عودة قناوي للقاهرة فوجئ بأنه أمام 7 ألوية إسرائيلية تمكنت من العبور إلى غرب قناة السويس ونصبوا 3 رءوس كباري على البحيرات المرة لنقل الجنود لغرب القناة، وسط تأمين من الدبابات الإسرائيلية وكانت هذه بداية الثغرة، وهكذا وجد قناوي نفسه محاصرا بين القوات الإسرائيلية في غرب وشرق القناة.

الهرب من العدو

وعلى مدى 3 أيام راقب قناوي تحركات العدو فوجد أن عملية نقل الجنود تتوقف مساء خوفا من الضفادع البشرية المصرية التي قد تفجر الكباري بالجنود، واستغل قناوي هذه المدة للهرب من القوات الإسرائيلية التي فتحت الثغرة، حتى وصل إلى نقطة تمركز القوات المصرية في أبو صوير، ليتم استقباله بوابل من الرصاصات بعد أن اشتبهت فيه القوات المصرية واعتبرته من قوات العدو.


وبعد التواصل مع قادة نقطة القوات المصرية، والتأكد من هويته تم إرساله إلى القاهرة ليخطر القيادة عن المعلومات الجديدة بخصوص الثغرة، وأن العدو الإسرائيلي على أبواب السويس والإسماعيلية.

الطريق إلى السويس:

بعد ذلك قررت قيادة المخابرات الدفع بقناوي إلى السويس ليكون عينا على المحافظة التي تنتظر الحصار الإسرائيلي لها، وتم إرسال قناوي إلى جبال عتاقة حتى الوصول إلى محافظة السويس سيرا على الأقدام، وفي هذا الطريق شاهد قناوي خسائر الجيش المصري وجنودا قتلى ومصابين نتيجة الهجوم الإسرائيلي والثغرة التي صنعها الطيران الإسرائليي تمهيدا لدخول قواته للسويس دون وجود أي قوات حماية مصرية بعد تدميرها.

وفي الطريق وجد قناوي أن كل الطرق محاطة بقوات ومجنزرات إسرائيلية على أبواب المحافظة، وأن دخوله السويس أصبح مستحيلا، وبعد إبلاغ القيادة بالوضع فجاءه الرد في 3 كلمات "حاول.. ربنا معاك"..

إنقاذ قيادة الجيش الثالث

أثناء مراقبة قناوي للطرق في الدروب الجبلية حتى تسنح له الفرصة بدخول السويس، وأثناء وجود 5 جنود في الجبل، وبعد التوجه إليهم تبين أنهم ضابط برتبة مقدم ومجندان في حالة يرثى لها، وكانوا ضمن جنود حاولوا دخول السويس لإنقاذها وفشلوا وفي طريقهم للقاهرة عبر جبال عتاقة ومنها لمنطقة الكريمات وحلوان، ولكن أغلبهم ضاع في الدروب الجبلية الوعرة وبعضهم مات في الطريق ولم يتم دفنهم.

وبعد اصطحاب الجنود الخمسة إلى مقر قيادة الجيش الثالث السري في منطقة عبيد الجبلية، فوجئ قناوي بالمقدم الذي أنقذه يطلب من الجنود القبض عليه لأنه في الأساس يشتبه به.

تواصل قناوي وقتها مع اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميداني الذي أظهر له هويته وأخبره بتفاصيل العملية وأسماء القيادات والمخابرات ثم أكمل قائلا له: "لو أنا من العدو وأعرف كل هذه التفاصيل فنحن لا نستحق الحياة من الأساس".

يقول قناوي وهناك أخبرت بوجود مجندين إسرائيليين على مقربة من مقر قيادة الجيش الثالث وبرفقتهم طائرة هيلكوبتر ويبدو أنهم استطلاع وإذا اكتشفوا مقر قيادة الجيش الثالث سيتم مهاجمته وتدميره جويا.

وبالفعل بعد التأكد من صحة المعلومات تم إنقاذ قيادة الجيش الثالث ونقلها لمقر آخر على بعد 50 كيلو غرب المقر السابق، وبالفعل في اليوم التالي هاجم الطيران الإسرائيلي منطقة مقر قيادة الجيش الثالث القديم ولكن بعد نقله.

السويس:

وصل للقيادة العامة في القاهرة معلومات تؤكد أن السويس رفضت التسليم إلى القوات الإسرائيلية، وبالفعل استمرت مقاومة السويس حتى 29 يناير 1974 حتى تمكنوا من كسر الحصار.


ويقول قناوي إنه لولا صمود أهالي السويس لوصلت القوات الإسرائيلية إلى مشارف القاهرة وكان انتصار أكتوبر بلا أي قيمة.

وبعدما دخل قناوي السويس كان يرتدي رداء أشبه بالقوات الإسرائيلية للتمويه وكانت لحيته طويلة، فلم يتعرف عليه أصدقاؤه بسهولة، ومنهم عرف بطولات أبطال المقاومة الشعبية في السويس واستشهاد بعض رفاقه في الدفاع عن المحافظة.

وبعد 43 سنة من الحرب لا يزال قناوي يتذكر بطولاته وتاريخ الحرب ولا يعمل إلا سائق ميكروباص في السويس يكفيه حب وتقدير الأهالي الذين  ينادونه باسم عم قناوي البطل.
الجريدة الرسمية