رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين الأسلمة والعلمنة! (2)


لم يعد من شك إذًا ألا عداوة حقيقية بين المتطرفيــن من الإسلاميين، والعلمانيين، وأن العداوة مصطنعة لخداع السذج، وأن الحقيقة التي لا تقبل الشك أن بينهما علاقة مودة، وتراحم، لا بل أخوة، بل توءمة! فالحقيقة التي لم تعد تقبل الشك كذلك أن القاعدة الأساسية هي: "التوءمة بين الأسلمة والعلمنة" !


واعتبر –غير مأمور- بحال "حسن البنا"، وأخيه "جمال البنا"، فإنهما يمثلان، وبوضوح شديد جدًا حالة التوءمة الحقيقية بين الأسلمة، والعلمنة التي أعنيها وأقصدها هنا.

فالأخ الأول، والأكبر هو زعيم التطرف، والمتطرفون من الإسلاميين على مستوى العالم طوال القرنيين الماضيين بلا منازع إلا تلميذه البار "سيد قطب"، والذي هو فرع من شجرته الخبيثة.

والثاني من أعظم متطرفي العلمانيين، وأشدهم غلوًا في العلمانية في مصر، وعلى مستوى العالم أيضًا.

ومع ذلك فلم يكن بينهما أي عداوة، بل، ولا خلاف قط على مدى حياتهما، وهو ما يثير الشك والريبة، وإلى أبعد الحدود، مما يؤكد نظرية "التوءمة" التي نحن بصدد تأكيدها.

فلقد كان لــ "جمال البنا" غرفة مخصوصة في مكتب الإرشاد!

وهو ما ذكره "محمود عبد الحليم" في كتابه "الإخوان المسلمون، وأحداث صنعت التاريخ" -وهو التأريخ شبه الرسمي للإخوان- أن حجرة "جمال" كانت مأوى، ووكرًا لكل تارك، ومتهرب من الصلاة، وأنه كان يتعاطى فيها الدخان بعلم أخيه الأكبر "حسن"، بل، وبرضاه، ولما اشتكى بعض الإخوان (إخوان حسن البنا المجرمين) مما عليه حجرة "جمال" فكان رد "حسن" عليهم أن: لــ "جمال" طريقة خاصة به !

وهو أمر لا يمكن أن يكون مفهومًا من شخصية كشخصية "حسن البنا"، والذي هو أكبر إرهابي، ومتطرف عرفته البشرية في القرنين الماضيين، وأول مؤصل، ومحيي لفكر الخوارج في العصر الحديث، والذي كان يكفر الناس بمجرد ارتكاب الذنب، فكيف يقبــل بأن يكون في عرينه، ومكتب إرشاده "وكــرًا" لكل هارب من الصلاة، أو متعاطيًا للدخان، أو ربما للمخدرات! أو واقعًا في أنواع المعاصي التي يكفر بها الناس، ولا ينكر ذلك، بل يرضى به، ويتركه إلا إذا كان في الأمر سر !

والعجيب أن "حسن البنا"، والذي كان يعارض، ويختلف مع الدنيا كلها بفكره المنحرف، لم يعترض يومًا على أفكار، أو أفعال أخيه الصغير، لا لأنه لا يعرفها، ولكن لكونه لا ينكرها، ولكن لأنه يعلم أنهما إنما يكمل أحدهما عمل الآخر، وأنهما يمثلان معًا جناحي المقص الذي يُفصل به عنق الدين عن جسمه، وأنهما معًا يمثلان السِندان، والمطرقة التي يُحطم بها، ويهشم رأس الدين فلا يبقى ! (ألا خيَّبَ اللهُ سعيكما!)

وكذلك لم يعترض "جمال" يومًا على أخيه الأكبر "حسن"، بل لطالما دافع عنه، وكتب كتبًا تؤرخ له، وتمتدحه، وتثني عليه بكل ما هو جميل، وما زال كذلك حتى مات، غفر الله له!

فأيُّ تناغم، وتقارب غريب، ومريب في الوقت ذاته بين الشقيقين، والذي لا تجده أبدًا بين مواطن عادي لا ينتمي للعلمانية، ولا لغيرها، وبين أخيه، أو أبيه الإخواني، أو العكس، ولعل الحادثة الأخيرة الشهيرة للإخواني الذي رفض طلب أبيه المحتضر بزيارته بالمستشفى، وذلك فقط لكون الوالد يحب "السيسي"!! لتعد أكبر دليل على غرابة العلاقة بين البنا الصغير، وأخيه الكبير.

ولا يمكن فهم ذلك إلا في إطار كونهما معًا يمثلان فرعين من فروع الماسونية العالمية، ولذلك فقد غيرا معًا اسميهما، وانتسبا معًا لــ "البنائين الأحرار" (الماسونية!)، وتبرآ من أبيهما الشيخ "أحمد عبد الرحمن الساعاتي"، فصارت نسبتهما الجديدة على الكِبَر "البنا" بديلة عن "الساعاتي"، والتي ذكرهما بها الأستاذ "عباس محمود العقاد" –عفا الله عنه- ليكون انتسابهما إلى الماسون أقرب إليهما من انتسابهما إلى أبيهما.

فهذا مثال واضح غاية الوضوح على قصدته في هذا المقال، وفي المقال السابق عليه من: "التوءمة بين الأسلمة، والعلمنة"، وإن كانت الأمثلة أكثر من أن يتسع لها مقالة، أو اثنتين، إلا أن الإشارة تغني اللبيب، ولنا عودٌ -إن شاء الله لنا- ذلك، ولا يزال في الجعبة المزيد.
الجريدة الرسمية