رئيس التحرير
عصام كامل

سلام لبنان أوّله الحدود

18 حجم الخط

العلاقة بين الداخل والحدود فى لبنان أوثق مما فى أغلب بلدان العالم، فالحدود أمر داخلى جدا، والعكس بالعكس.

هذه العلاقة عاشها اللبنانيون وخبروها مع اندلاع حربهم الأهلية أواسط السبعينيات، بعدما مُهد لها فى 1969 ثم فى 1973، يومها كان طرف يريد إقفال الحدود التى ينطلق منها العمل الفدائى الفلسطينى لشن عمليات فى إسرائيل، وقد طالب بعض هذا الطرف بالإتيان ببوليس دولى يوضع على الحدود الجنوبية مع الدولة العبرية، أما الطرف الآخر فكان يريد لهذه الحدود أن تبقى مفتوحة كى يسهل شن العمليات تلك، ولأجل لبننة هذا الصراع اكتُشف وجود قرى لبنانية سبع ضمتها إسرائيل إليها لدى نشأتها فى 1948، تماما مثلما اكتشفنا مؤخرا وجود لبنانيين شيعة يقيمون داخل الأراضى السورية وينبغى الدفاع عنهم.


ذاك أن عبور الحدود لأى سبب كان يملك طاقة اكتشافية تأتى فجأة من خارج مداركنا، وقد بلغت هذه الطاقة الاكتشافية ذروتها، كما نعلم جميعا، مع اكتشاف مزارع شبعا إثر الانسحاب الأحادى الإسرائيلى من لبنان فى 2000.

فالذى يريد أن يعبر الحدود وأن يقاتل فى ما وراءها مُطالَب دوما بالرجوع إلى الخرائط وتواريخ المناطق والخطوط الفاصلة بين الجماعات هنا وهناك، أما الذى لا يريد أن يعبر الحدود وأن لا يقاتل، فيرضى بالحدود فى شكلها المعطى ويجد فى استقرارها استقراره.

وهذا ما يجد أحد مصادره فى رفض الحدود كواحد، موعى أو غير موعى، من معالم الثقافة السياسية المناهضة للاستعمار ولما «رسمه» الاستعمار، والشيء نفسه يقال فى القابلين بالحدود كإنجاز لم تستطع منطقتنا أن تنتج أفضل منه، وكانت كل محاولة لزحزحته تتسبب بالكوارث.

والآن، وعلى رغم خفوت الصياغات النظرية والفكرية لتلك المواقف، نرانا أمام ما رأيناه فى أواخر الستينيات وفى السبعينيات، وها هو القصف السورى الذى يطاول عمق الأراضى اللبنانية، والمقاتلون اللبنانيون الذين يتوجهون إلى سورية للدفاع عن النظام، كما عن المعارضة، يحيلوننا إلى تلك التجربة غير السعيدة فى تاريخ اللبنانيين.

وغنى عن القول أن أحدا لا يستطيع حرمان اللبنانى من التعاطف مع الثورة السورية أو مع النظام السورى، إلا أن تجاوز الحدود يكاد الآن يرقى إلى جريمة وطنية، لا سيما أن السلاح الكيماوى قد يتحول مادة فى الصراع الدائر، وإذا كان ما يحصل على الحدود يملك ارتداده المباشر على بلد بالغ الانقسام، فقد آن الأوان لأن تُرسم حدود لانقسامنا هذا، أى لبلدنا الذى ليس أكثر من حصيلة انقساماته.

فى هذا المعنى يبدو كل كلام عن «السلم الأهلى» و«الحرص عليه» كلاما كاذبا، كائنا من كان قائله، ما لم يترافق مع موقف جذرى من الحدود، موقف يرتفع إلى سوية المطالبة بحياد عسكرى كامل ومحروس ومضمون، فكيف إذا صحت توقعات أكثرنا تشاؤما من أن السلاح الكيماوى قد يحرك حدودنا الجنوبية فضلا عن الحركة الناشطة التى تشهدها حدودنا الطويلة فى الشرق والشمال؟
نقلا عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية