رئيس التحرير
عصام كامل

«ملوك القفشة».. أبرزهم «الصارم» و«الضاحك الباكى» و«الكسار»

على الكسار ونجيب
على الكسار ونجيب الريحاني

فن المونولوج كان له شعبية كبيرة ومكانة بارزة في القرن الماضى، وكان بوابة لكثير من الفنانين إلى السينما، فضلًا عن أن كبار النجوم مروا عبر هذه البوابة في بداية حياتهم الفنية، في مقدمتهم يوسف وهبي، عميد المسرح العربي، والكوميديان الكبير نجيب الريحانى، والبربرى المصرى الوحيد على أفندى الكسار وآخرون.


يوسف بك وهبي
بالرغم من الأدوار الجادة والملامح التي قد تبدو حادة وصوته المميز فإن يوسف وهبى هذا الصارم كان "خفيف الدم" و"ابن نكتة"، بل إن بداية حياته الفنية كانت مع فن المونولوج وغنى في أحد المونولوجات للكوكايين.

بدأ وهبى مسيرته التعليمية في كتاب يُدعى "العسيلي"، ثم التحق بالمدرسة السعيدية، ولكن لم يخطر بباله يومًا أن الفن سيسحر لبه ويجذبه نحوه جذبًا وأنه سوف يشغف بالتمثيل بمجرد مشاهدته عرضًا لفرقة الفنان اللبنانى سليم القرداحى في سوهاج، فكما قال في مذكراته عن حالته بعد مشاهدة هذا العرض: "لم أنم قبـــل أن أعلق على عمود في سريرى ملاءة بدلًا من النــــاموسية تمثل ستار المسرح، ليلة لن أنساها، فقد غيرت مجرى حياتي، كما قررت مصيرى ومستقبلي"، وبالفعل سرعان ما انصب اهتمامه على التمثيل وظهرت موهبته، وبدأ نشاطه الفنى في المدرسة السعيدية بابتكار المونولوجات التي كان يؤلف أسماءً لها ويضع لها ألحانًا، وأيضًا التحق بالعمل في سيرك، مما أدى إلى طرده من المنزل لإيمان والده بأن خوض ابنه مجال التمثيل بمثابة انضمامه إلى أدنى طبقة اجتماعية وهى طبقة "المشخصاتية" التي لم يكن معترفًا بشهادتها أمام المحاكم آنذاك، فقرر الوالد إلحاق ابنه يوسف بمدرسة الزراعة إلا أن وهبى هرب إلى إيطاليا لتعميق شغفه بالفن وصقل موهبته في التمثيل والمسرح، وعمل جرسونًا في مطعم صغير بروما ثم عمل حمالًا وفراشًا في مسرح يعمل به الممثل الإيطالى كيانتونى الذي تتلمذ وهبى على يديه في التمثيل، وعاد إلى مصر عام 1921 والمسرح نصب عينيه، ولم ينس وهبى المونولوج فقدم عددًا من المونولوجات مع الفنان حسن فايق ومحمد عبد القدوس وقام بتلحين وغناء مونولوج "الكوكايين"، الذي كان "موضة" العصر آنذاك، وتقول كلماته "شم الكوكايين.. خلانى مسكين.. مناخيرى بتون وقلبى حزين.. وعينيها في راسى رايحين جايين، كما قدم مونولوجات بعنوان "حنوا يا ناس على الفقير" وآخر بعنوان " لحن السبارس"، ولكى يستكمل حلمه ويشبع شغفه بالمسرح استغل وهبى ميراثه عن والده لتأسيس فرقته التي حملت اسم "رمسيس" وقدم إبداعات وأعمالا مسرحية مترجمة عن أعمال فنية وأدبية عالمية".

على الكسار
(على محمد خليل سالم) قد يبدو لك اسمًا عاديًا لمواطن كان يعيش تحت سماء مصر المحروسة، ولكن بإضافة لقب الكسار إلى هذا الاسم الطويل سوف تقفز إلى ذهنك في التو واللحظة صورة الممثل المصرى الشهير القصير ذى اللهجة النوبية والصوت المميز (على الكسار) الذي لمع اسمه في المسارح الفنية إبان القرن الماضى، وقدم عددًا كبيرًا من المسرحيات والأفلام السينمائية الكوميدية، ولد الفنان الذي اشتهر بشخصية الخادم النوبى عثمان عبد الباسط في 13 يونيو 1887 بحارة الحمزية بالدرب الأحمر بالقاهرة، كان يعيش في كنف أسرة بسيطة فوالده كان يعمل (سروجي) ورغب في منح ابنه قدرًا من التعليم ليصبح فيما بعد موظفًا ذا مستقبل مضمون وحياة أفضل، وبالفعل ألحقه بالكتاب ولكن الابن كان مسحورًا بـ (الأراجوز) الذي كان يطوف في الحارة ويحكى حكايات بصوته المميز، فبدأ في صناعة أراجوز من الورق وشرع في تقليد الأصوات، وبالرغم من افتتانه بالفن، كان الكسار يحرص في مسرحياته على تقديم فن بسيط مصرى خالص يسعد به الجمهور المصرى ويخفف من وطأة الحرب العالمية الأولى التي ألقت بظلالها السيئة والقاتمة على العالم أجمع، وكانت شخصية النوبى عثمان عبد الباسط هي البطل في معظم أعماله المستوحاة من قلب مصر أو المترجمة عن المسرح العالمى ويتم تمصيرها وإضفاء الطابع الشعبى المصرى عليها، واستطاع بهذه الشخصية جذب الجمهور إلى عروضه المسرحية لسنوات طوال وكان يقدم أوبريتات كوميدية غنائية.

وفى الثلاثينات من القرن الماضى حرص (حضرة صاحب الرفعة الوجيه)، كما كان يُلقب آنذاك، على التعبير عن الأمة المصرية وأوجاعها وكان ممثلًا لمعاناة الفئات الكادحة المقهورة فضلًا عن نقده اللاذع للمسئولين وذلك في إطار لوحات فنية إستعراضية وأعمال مسرحية عشقها الجمهور، كان الكسار يقدم لجمهوره بانتظام مواسم مسرحية كاملة صيفًا وشتاءً، فضلًا عن تقديمه مسرحية جديدة كل ثلاثة أسابيع، و11 حفلة ما بين ماتينيه وسواريه في الأسبوع الواحد، بالإضافة إلى تجول فرقته بين شمال مصر وجنوبها وكذلك شرقها وغربها وصولًا إلى الشام وبعض الدول العربية الشقيقة لعرض أعمالها المسرحية، وفى الأربعينيات بدأت شعبية الكسار في التراجع مسرحيًا في ظل وجود أزمات مادية أثرت في انتظام عروض الفرقة وتسببت في توقفها تمامًا مع نهاية هذا العقد، وكان رصيد الكسار آنذاك 160 مسرحية، وبعدها بدأ في تركيز نشاطه على السينما أكثر من ذى قبل وقدم على مدى مسيرته الفنية ما يقرب من 37 فيلمًا سينمائيًا، ولكن سرعان ما تراجعت مكانته السينمائية أيضًا مع تغير ملامح الأفلام الكوميدية وظهور أجيال جديدة من "الكوميديانات" فاضطر الكسار إلى قبول الأدوار الثانوية للإنفاق على أسرته.

نجيب الريحاني
الضاحك الباكى نجيب الريحانى عاش الضاحك الباكى طفولته وشبابه بين الطبقة الشعبية البسيطة في حى باب الشعرية بالقاهرة ولم يتمكن من استكمال تعليمه نظرًا لتدهور ظروف والده المادية مكتفيا بشهادة البكالوريا التي حصل عليها ثم اتجه للعمل مبكرًا كموظف في أحد البنوك الزراعية لمساعدة أسرته، وتنقل بين الوظائف المختلفة إلى أن قابل صديقه بديع خيرى الذي كتب له المسرحيات وصار شريكه في حياته الفنية، كان الريحانى يقدم أعمالًا مسرحية وروايات تنتمى للون الذي كان سائدًا في هذا الوقت ويُطلق عليه (الفرانكو آراب) أي الخليط بين الأفرنجى والعربى، وقدم على كازينو دى بارى بالقاهرة أفضل أعماله المسرحية وأوبريتاته ومونولوجاته التي اشتهر بها مثل "ولو" و"قولوا له" و"العشرة الطيبة" و"أيام العز"، وقال هو بنفسه عن هذه المرحلة من حياته في مذكراته قائلًا "بدأ كازينو (دى باري) يحتل مكانا مهما في شارع عماد الدين.

كما بدأ نجم الأستاذ الكسار يتلألأ في ذلك الحين إلى جانب نجمي، فقد أوجدت الظروف منافسا قويا لفرقتنا الناجحة"، فقد تنافس الريحانى وعلى الكسار فنيًا منافسة شرسة كوميدية كان المستفيد منها دائمًا الجمهور والفن المصرى، وذلك من خلال شخصيات كشكش بيه والبربرى عثمان عبد الباسط، وفى ظل هذه المنافسة تخلى الريحانى عن شخصية كشكش بيه ليقدم من بعده مسرحيات كوميدية استعراضية لاقت إعجاب الجمهور، ووصل الأمر في هذه المنافسة إلى التراشق فيما بينهما بأسماء المسرحيات، فقد رد الكسار على اسم مسرحية (قولو له) للريحانى بـ (قلنا له)، وحينما قدم الريحانى مسرحية ( إش إش) كان الكسار يقدم مسرحية بعنوان (فلفل)، وكان رد الكسار على عنوان رواية (فرجت) للريحانى بعرض مسرحى اسمه ( راحت عليك) ليقدم بعدها الريحانى مسرحية ( الدنيا جرى فيها إيه) ليرد الكسار بعنوان جديد ومسرحية (الدنيا بخير)، أما انطلاقته السينمائية فكانت عام 1931 في فيلم "صاحب السعادة كشكش بك"، وتميز الريحانى بأدائه البسيط البعيد عن التكلف وتقديمه لأعمال كوميدية راقية، وكان ينتقد الواقع من خلال أعماله بصورة ساخرة منطلقًا من مقولة "هم يضحك".
الجريدة الرسمية