رئيس التحرير
عصام كامل

وزارة للفساد

18 حجم الخط

المجتمع المصري صار يتقبل صور الفساد وأصبح عنده إمكانية للتعايش معه، فالفساد عام في مصر سواء فساد السلوك السياسي أو تغلغل الفساد في كل الأجهزة الحكومية إلى الحد الذي نستطيع أن نقول فيه إن ثقافة الفساد منتشرة وبدأت تتغلغل في كل نواحي الحياة في مصر، فهناك اقتناع بوجود الفساد والتعايش مع صوره وأنماطه المختلفة بل إفساح المجال لها.. المواطن يتوقع الفساد في كل تعاملاته اليومية حتى بات الفساد ظاهرة طبيعية، فتهاون النظام الاجتماعى بأكمله مع حالات الفساد جعلها ثقافة مقبولة، ومستساغة.. بل صار هو الأساس، والقاعدة، وغيره الاستثناء، والشذوذ.


وبدلا من الافتكاسات التي تتردد في مصر هذه الأيام، من إنشاء وزارة للسعادة، مثلما فعلت الإمارات، أو تنصيب وزير للضحك، كما اقترح ممثل كوميدي؛ الأمر الذي لن يفيد المصريين في الوقت الحالي، أقترح إنشاء وزارة مستقلة للفساد في الحكومة الجديدة.. طبعًا لن نطلق عليها هذا الاسم «الفضيحة»، بل نسميها أي اسم آخر، مثلا: "وزارة النزاهة" أو "وزارة النهضة والتنمية".. أي اسم مغاير تمامًا؛ حتى لا ينفر منها من سيلتحق بالعمل فيها.

للوزارة الجديدة فوائد عدة؛ على رأسها أن الموظفين المرتشين، والمسئولين المبتزين، و"الحرامية" في كل وزارة وجهة ومصلحة، يحرصون على التخفي والاختباء، وممارسة السرقة واللصوصية، والاختلاس، والتزييف والتزوير، في الظلام، وبعيدًا عن أعين الفضوليين، والفاشلين (كثيرون يحاولون أن يفسدوا لكنهم يفشلون).. فبعد إنشاء الوزارة الجديدة سيكون من اليسير ممارسة كل التصرفات غير المشروعة في النور، وأمام العدسات والكاميرات، ولن يكون هناك خوف من أي ممارسة، طالما أن ما يجري حدث داخل مبنى الوزارة، فداخل هذا المبنى لا سيادة للقانون، ولا للأعراف، وليس هناك ما يسمى "العيب"، أو "الحرام".

وموظفو تلك الوزارة سيتم جلبهم من باقي الوزارات الحكومية، وشركات القطاع العام، والهيئات، والمصالح، وكلها تتبع الحكومة؛ فليس هناك فساد في القطاع الخاص؛ لأن القطاع الخاص غير قابل للنهب، أو التدمير.. فهل سمع أحد من قبل بجريمة اسمها "إهدار المال الخاص"؟! لأن صاحب المال يكون شديد الحرص عليه، ويدافع عنه بكل حماس، ويمنع أي محاولة للاعتداء عليه، أو الانتقاص منه، أما المال العام فلا صاحب له، ولا يخاف عليه أحد، ولا يحرص عليه كائن!

المهم، سيمارس الموظفون والمسئولون الفاسدون عملهم في تلك الوزارة بشكل عادي.. ويطبقون طقوسهم الحياتية اليومية دون أي تغيير، ودون تدخل من أي أجهزة رقابية، أو سيادية.. بمنتهى الأريحية.. فقط ستتعامل مشيخة الأزهر مع أولئك؛ من خلال إرسال دعاة، ورجال دين (شرفاء، فحتى هؤلاء بينهم فاسدون).. كما سيجرى جلب أبنائهم، وأزواجهم، لكي يتلقوا دروسًا ومواعظ من دعاة لحثهم على رفض المال الحرام الذي يجلبه الآباء والأزواج، ومطالبتهم بتحري الطرق المشروعة.

أيضًا يتم تقديم نماذج صالحة من الواقع المُعاش، وليست من سير الأولين؛ لأن كثيرا من الناس يعتبرون تلك الأقاصيص مجرد حواديت، ونكات، لا تصلح للعالم المعاصر.

وسنحتاج للعشرات من خبراء التنمية البشرية؛ ليحاولوا نشر ثقافة الحلال، ومحو ثقافة الحرام والفساد من العقول والقلوب.. وتأكيد إمكانية الحياة دون مال حرام، واستغلال للنفوذ، والاستسلام للغرائز والشهوات، والصغائر.

طبعًا سيضطر رئيس مجلس الوزراء للجوء لأسلوب انتخاب وزير الفساد، ونوابه، ووكلاء الوزارة المستحدثة؛ لأن الفاسدين هم خير من يختارون ممثليهم.. وبكل تأكيد سيكون الوزير ومن يلونه من أكابر الفاسدين، ويشترط ألا يكونوا ممن صدرت ضدهم أحكام، بل ممن يعيشون بين ظهرانينا، دون أن يتم إلقاء القبض عليهم، ويمكن السماح لمن وجهت إليهم اتهامات بالفعل بالترشح، فهذا معناه أنهم قادرون على المضي قدمًا في الغي، والكسب غير المشروع، أما إذا كانوا قد حصلوا على براءات، فهؤلاء يفصلون من الوزارة فورًا؛ لأنهم نالوا صك الشرف.

من المنطقي ألا يكون هذا المقترح قابلا للتنفيذ؛ لأن كل فاسد يدعي الشرف، ويمكن أن يحدثنا عن النزاهة والتقوى والصلاح ليل نهار، حتى إن أعيننا تفيض من الدمع حزنًا ألا نكون في مثل مستواه من تلك المعاني الجميلة!

أعرف مسئولين كبارًا في المؤسسة الدينية "الأوقاف والأزهر" لا يتورعون عن أكل مال اليتامى، والاستيلاء على حقوق من لا يستطيعون دفع الضر عن أنفسهم، وفي "التضامن"، و"الزراعة"، و"التعليم"، و"الصحة"، و"الإسكان"... وفي كل جهة ومصلحة وهيئة وشركة تمت للدولة بصلة.

هل يصدق أحد أن الترقيات في إحدى الجامعات العريقة، والتي تعتبر الشريعة الإسلامية أهم المواد في كلياتها، تسير بـ"عزومات الجمبري" و"السيون فيميه" والـ "سي فود"، والكباب.. وأحيانًا بالرشى الجنسية؟!

هل يصدق أحد أن هناك فاسدين في أشد الأماكن حساسية، وأكثرها قوة وسلطة، والمنوط بها مجابهة الفساد، وتقديم الفاسدين للعدالة؟!

محراب العدالة نفسه طال الفساد بعض أعضائه، وجرى، ولا يزال، التخلص ممن يتم اكتشافهم، وآخرون لا يزالون يمرحون!

الفكرة، وإن كانت "يوتوبية" يمكن تنفيذها على مواقع التواصل الاجتماعي.. ويتم الرمز لأعضائها الذين نرشحهم للعمل بها بالأحرف الأولى؛ حتى لا تطاردنا مواد القانون التي نجهلها.

تعالوا ندون أسماء المسئولين والموظفين الذين يعرقلون مصالحنا ويغتصبون حقوقنا، ويأكلون الحرام، في حسابات وصفحات على "فيس بوك"، و"تويتر"، وغيرها.. تعالوا نفضحهم، ونسير بذكرهم الركبان.. لا تستسلموا.
الجريدة الرسمية