رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة لا تنسى في مارسيليا (2)


داخل القسم كان بانتظارى ضابطة شرطة لم تكن حزينة أنها ستمضى ليلتها في تحقيق، مرت ساعتان في سؤال وجواب، الاسم، المهنة، كيف كانت الحادثة، ما هي أوصاف الشاب، بعد إتمام المحضر انتقلت إلى غرفة أخرى لأتسلم متعلقاتى من الضابط المدنى الذي عرض مساعدته علينا منذ ساعات استقبلنى بابتسامة، هل تأكدتى الآن أننى ضابط فاعتذرت لعدم معرفتى به وسألته كيف استطاعوا الوصول للحقيبة فقال تتبعنا نفس الطريق الذي سلكه السارقون وعند فيلا مهجورة وجدناهما وها هي حقيبتك..


فسألت هل يمكننى الانصراف الآن، فأجاب: يمكنك الانصراف إن أردتِ لكن لابد أن تعلمى أننا لم نلق القبض على الشابين متلبسين قالا إنهما وجدا الحقيبة ولا يوجد دليل ضدهما وحال خروجك سيخرجان بعدك بخمس دقائق إلا إذا عرضنا الشاب الذي سرق منك الحقيبة عليك وتعرفتى عليه حينها يمكن تحويل السرقة إلى قضية فأرجوكى ابق معنا وتعرفى عليه سيؤخرك هذا ساعة لكنه سيقلل عدد السارقين اثنين فأغلبهم يسرقون ويفلتون، بعد تفكير ثوان وافقت..

في غرفة أخرى وفى وجود ثلاثة ضباط جاءوا بالمراهق العربى "رشيد" ما إن رأيته حتى قلت هو نعم هو، فهدأنى الضابط في الوقت الذي قال فيه رشيد منفعلا أنا لا أعرفها لم أرها من قبل هي تكذب، كانت مشاعرى تتأرجح في لحظة متوترة نادرة في حياتى، شاب عربى وأنا عربية في قسم شرطة فرنسى، تنتابنى رغبة عارمة في أن أصفعه على وجهه وأصرخ فيه" ليه كدا يا بنى فضحتنا" فقد كان في عمر ابنى الأكبر، ورغبة أخرى في احتضانه والبكاء لأجله "ليه كده يا بنى شبابك ومستقبلك"، لكن عيون ونظرات الضباط الصارمة منعتنى من أي تصرف أو كلام، كان يجيب عن أسئلتهم ويشيح بوجهه بعيدًا عنى كى لا تلتقى أعيننا..

بعد انتهاء المواجهة خرجت من القسم بذكريات حفرت في ذاكرتى إلى الأبد ولحظة خروجى تصادفت لحظة دخول أخو رشيد الأكبر بوجه عربى قلق وخلفه أمه تلهث أكاد أسمع نبضات قلبها وهى تمر إلى جوارى، أريد أن أنهرها لأنها أساءت تربيته وأريد أيضًا أن أطيب خاطرها لأننى شهدت ضده ومزقت قلبها..

ولم أتوقف في طريق العودة عن سؤال نفسى ترى هل أخطأت حين واجهت رشيد ووضعته في قائمة الإجرام بشكل قانونى، ترى هل كان التصرف الحكيم وقتها هو أن أرفض المواجهة لصغر سنه..

بعد هذه الليلة عدت إلى مارسيليا عدة مرات وتجولت في شوارعها وزرت الميناء القديم وسجلت صورًا أمام المراكب، لكنها لم تصالحنى، فما زلت أرهبها، وما إن أذكرها حتى تقفز صورة رشيد معها، «جاني ومجنى علي» ظالم ومظلوم..
الجريدة الرسمية