رئيس التحرير
عصام كامل

عبير فؤاد تكتب عن أضخم اكتشاف علمي في القرن: «الموجات الثقالية» ثورة في علم الفلك.. «أينشتاين» أثبت وجودها منذ 100 عام.. و«ستيفن هوكينج» أكد أنها تحقق نقلة نوعية في دراسة

فيتو

منذ مائة عام ومن خلال نظرية النسبية، أثبت العالم الألماني المولد والسويسري والأمريكي الجنسية "أينشتاين" نظريا وجود موجات أو إشارات أسماها "gravitational waves" أو الموجات الثقالية وهي عبارة عن تموجات ذات طبيعة خاصة في الفضاء أو الزمكان (الزمان المكاني)، لكن هذه الموجات تستلزم أحداثا فلكية ضخمة لكي تحدث في الفضاء كاصطدام واندماج ثقبين أسودين، أو دوران نجمين نترونيين حول بعضهما خلال عمليات الاندماج والنجوم المنهارة، ويمكن أيضا أن تنشأ الموجات الثقالية من الانفجار العظيم أو عند نشأة الكون وتضخمه في أجزاء من الثانية.


رصد الموجات الثقالية
وظلت هذه النظرية غير مؤكدة رغم إثباتها نظريا حتى أعلن مرصد (ليجو LIGO) في 11 فبراير 2016 عن رصد إحدى الموجات الثقالية يوم 14 سبتمبر 2015 والسبب في نشأة هذه الموجة يرجع لاندماج ثقبين أسودين على بعد بليون و3 من عشرة سنة ضوئية من كوكب الأرض.

وبعد هذا الإعلان التاريخي بادر الفيزيائي البريطاني "ستيفن هوكينج" المتخصص في نظريات الثقوب السوداء بتهنئة المرصد الأمريكي (ليجو)، وأعرب عن سعادته بهذا الاكتشاف، ومن عدة أيام قال في لقاء له مع محطة "بي. بي. سي": "أصبح واضحا أن رصد إحدى الموجات الثقالية يؤكد وجودها في الزمكان، وهو لا يؤكد فقط على نظرية "أينشتاين" بل يفتح عيوننا أيضا على هذا الكون الغامض. إذ كنا نستخدم الموجات الكهرومغناطيسية لدراسة الكون لكن الأجسام غير المشعة لا يمكن رصدها من خلال هذه الموجات.. الآن نحن نعرف كيف نرصد الموجات الثقالية وسنحقق بذلك نقلة نوعية في دراسة أغلب الظواهر الكونية".

وأضاف "هوكينج": "أن الموجات الثقالية توفر لنا طرقا جديدة للنظر إلى هذا الكون.. كما أن تقنية رصد الموجات الثقالية يعتبر ثورة في علم الفلك."

تحليل إشارة «ليجو»
يقول "هوكينج" إنه قام بتحليل الإشارة الملتقطة من المرصد (ليجو) ولاحظ أنها تتفق تماما مع تنبؤ نظرياته حول اندماج الثقوب السوداء، علما بأن هذه النظريات قد وضعها (هوكينج) عام 1970 في كمبريدج، من المعروف أن أبحاث هوكينج تدور دائما حول الربط بين النظرية الكمية وفيزياء الثقوب السوداء وذلك الاكتشاف سوف يدفع الفيزيائيين الفلكيين لإعادة النظر في العديد من الفرضيات والنماذج الموضوعة لتفسير مسائل عميقة في الفيزياء والفلك.

ما هي الموجات الثقالية؟
إن التشبيه الأكثر وضوحا نجده في الصورة التي اقترحها أينشتاين.. لقد تصور الفضاء كقماشة مطاطية مسطحة. فإذا ما دحرجنا كرة الطاولة فوقها فهي ستتحرك بخط مستقيم، تمامًا مثل أي شيء يتحرك بخط مستقيم في غياب الجاذبية. أما إذا وضعنا كرة البولينج الثقيلة في وسط القماشة فإن القماشة ستتمطط وتسقط أو تنحني، وهذا الانحناء الفضائي هو الذي يسبب جاذبية الكواكب. الآن إذا دحرجنا كرة الطاولة مرة أخرى عبر القماشة فإنها الآن ستتبع المسار المنحني، أي أنها ستنجذب نحو كرة البولينج. نفس الشيء يحدث عندما تتحرك الأجسام الثقيلة فيتوجب أن يتغير انحناء الفضاء لمتابعة مواقعها الجديدة، ويحتاج الفضاء أو الزمكان وقتًا لذلك، حيث لا يمكن للمعلومات أن تنتقل بأسرع من سرعة الضوء.

كما أن التموجات التي تحدث في الزمكان تشبه التموجات التي تظهر على سطح بركة عند إلقاء حجر فيها وهذه التموجات في الزمكان هي الموجات الثقالية، تنشأ الموجات الثقالية من الكتل المتسارعة، وفي الموجات الثقالية نحتاج كذلك إلى انعدام التناظر في النظام لإنتاج الإشعاع، فمثلًا نحتاج إلى نظام ثنائي وليس فقط لجسم أحادي "عديم الدوران".

وترجع أهمية رصد الموجات الثقالية إلى أنها توفر الفرصة لاستكشاف فريد من نوعه لأكثر الأنظمة تطرفًا في الكون، ابتداء من نشأة الثقوب السوداء فائقة الكتلة المندمجة، إلى النجوم المزدوجة التي تدور بسرعة تقرب من سرعة الضوء، وحتى الانفجار العظيم نفسه.

ولرؤية تأثير موجة ثقالية عابرة، تخيل أن لديك حلقة من الجسيمات تقع في مستوى ما، وعندما تمر الموجة عبر الحلقة فهي تتمطط وتنضغط، على الرغم من أن المنطقة المغلقة تبقى كما هي.. ويشبه ذلك ما يحدث لورقتي شجر موجودتين على سطح الماء عندما نلقي بحجر في الماء بالقرب منهما فتتمدد التموجات حتى تصل لمكان الورقتين فتهتزان مقتربتين ومبتعدتين عن بعضهما بشكل طفيف. كما أن الأمواج الثقالية تكون محصورة في مجال معين من الترددات كما هو الحال مع الإشعاع الكهرومغناطيسي، ويتم تحديد التردد وفق مقياس النظام الذي ينتج الإشعاع ويمكن ملاحظة الأجزاء المختلفة من الطيف باستخدام كاشفات مختلفة. تعمل الكواشف من خلال محاولة قياس اختلافات الطول عبر الكاشف لدى مرور الموجة وتكون التغيرات الجزئية في الطول ضئيلة، فهي تعادل جزءا واحدا من 1021؛ ولذلك فإن القياسات تكون صعبة للغاية. ويعد ذلك بمثابة محاولة قياس المسافة بين الأرض والشمس بدقة حجم ذرة الهيدروجين!

مشاركة معهد الفلك الأمريكي
وشارك أعضاء مجموعة الجاذبية في معهد الفلك الأمريكي في جميع جوانب هذا العمل المتعلق باكتشاف الموجات الثقالية، بما في ذلك مصادر النمذجة، وتحليل البيانات، واستكشاف الاستثمار العلمي للبيانات، وعمل جمع غفير من العلماء والمهندسين حول العالم لتحقيق أول كشف مباشر عن الموجات الثقالية.. وإذا كان الفضل يرجع في هذا الاكتشاف لمرصد (ليجو)، فلأن به كاشف الموجات الثقالية الذي يبلغ طول ذراعه أربعة كيلومترات وهو الأكثر حساسية لهذا النوع من الموجات الناشئة في الكون من اندماج الثقوب السوداء. في الواقع يوجد أنواع من الموجات الثقالية الناشئة من أسباب أخرى متعددة لذلك يتعاون الآن مرصد فيرجو Virgo الفرنسي - الإيطالي مع مرصد LIGO الأمريكي، وهو يقع بالقرب من بيزا في المرصد الأوروبي للثقالة (EGO). Virgo هو أصغر قليلا من الراصد LIGO حيث يبلغ طول ذراعه ثلاثة كيلومترات فقط.

كما نذكر المرصد البريطاني الألماني GEO600 في أوروبا، وهو كاشف أصغر بكثير يستخدم بالدرجة الأولى لتطوير تقنيات حديثة للكواشف الكبرى. أيضا تقوم اليابان ببناء كاشف تحت الأرض في منجم كاميوكا ويدعى باسم KAGRA، وسيكون الكاشف رائدا في التبريد الفائق، بالإضافة إلى عدة تقنيات أخرى، من أجل تعزيز أدائها، وكان يعرف سابقا باسم تلسكوب الأمواج الثقالية المبرد واسع النطاق (LCGT) ومن المتوقع أن يدخل في الخدمة في عام 2018.
الجريدة الرسمية