رئيس التحرير
عصام كامل

وعاوزة السياح ييجوا يا فوزية !


كلما أعلنت الدولة أن السياحة تدنت إلى أقل نسبها في الأربع سنوات الأخيرة، في مصر، متعللة بأن الإرهاب هو السبب، مستغيثة بـالشعب المصري لمحاربة الإرهاب الذي منع عنا المنفذ السحري للعملة الأجنبية، مما يعمل على تدهور الوضع الاقتصادي لمصر، متغافلة الحكومة لدور وزارة السياحة ووزارة الآثار في تدمير ذلك القطاع لما تناله حضاراتنا القديمة المتنوعة وآثارها المتمثلة في المعابد والتماثيل والأماكن الأثرية من إهمال وتدمير وعبث القائمين عليها والمنوط بهم حمايتها والمحافظة عليها وترميمها.


تقف الأهرامات شامخة أمام العوامل الطبيعية والاستعمارية المتتالية على مصر، معلنة أن الحضارة الفرعونية التي تمتد لآلاف السنين.. ستبقى علامة في جبين هذا الزمان بكل ما تحتويه من أسرار التشييد والتحنيط والطب والبناء.. متحدية عوامل الطبيعة وآثار الزمان، ولكنها تعاني من آثار تطاول يد المصري المعاصر عليها.

برع المصريون القدماء "الفراعنة" في نحت وتجسيد ملوكهم وملكاتهم في تماثيل من فخار وفضة ونحاس وذهب وبأحجام طبيعية وأخرى ضخمة والكثير منها صغيرة للاقتناء والحصول على البركة الإلهية من الفرعون الإله، فـأبدعوا في الرسم والنحت والتجسيد والتشكيل والإبهار.

ولا ننكر أن المصري المعاصر له أثره في فن النحت والتشكيل، وهناك تماثيل نعتز بها وتتزين بها شوارع وميادين المحافظات المصرية.. فـتمثال "نهضة مصر" للنحات محمود مختار في ميدان جامعة القاهرة من أعظم التماثيل المعاصرة.. وتمثال "محمد فريد" للمثال منصور فرج.. وتمثال "طلعت حرب" وتمثال "عبدالمنعم رياض" للنحات فاروق إبراهيم.. وتمثال "أحمد ماهر" للمثال محمد حلمي يوسف.. هناك الكثيرون من المثالين المعاصرين تشهد منحوتاتهم لهم بالبراعة والجمال في التجسيد والنحت.

مع وجود عمالقة النحت والتشكيل، وما أنتجوه من منحوتات علامة في الفن القديم "الفرعوني" و"المعاصر" وما تركوه لنا من كم هائل من التماثيل مما جعل مصر مخزن آثار العالم.

واليوم نجد من المصريين من يتفنن في طمس ذلك الفن الراقي في الذوق والجمال ويعمل على تشويهه وتشويه تاريخه!

تمثال "نفرتيتي" في مدخل محافظة سمالوط.. تمثال يستحق هو ومن قام بصنعه ومن سمح بتشييده ووضعه في مدخل المدينة يستحقون "الرجم" بحجارة تمثالهم الذين شوهوه وليس نحتوه وشيدوه عقابا لهم على ما فعلوه في حق تلك الملكة الفرعونية العظيمة التي كتب عنها التاريخ يصف جمالها وملكها وقوتها.

لو استطاعت تلك الملكة الفرعونية أن تنطق لـقالت مستغيثة: ارفعوا أيديكم عن جمالي وتاريخي، وضعوا تماثيلي الأثرية الأصلية في ميادينكم وافتخروا بي وبها.

ونترك نفرتيتي ونعود مسرعين لنبحث عن آثارنا وتماثيلنا الأصلية ونبحث عن تمثال "رمسيس الثاني"، الذي وضع في ميدان محطة مصر سنة 1955 بعد نقله من مكان اكتشافه "معبد ميت رهينة في ممفيس القديمة" البدرشين حاليا، ليسمى الميدان بـاسمه "ميدان رمسيس".

أين هو!؟

تذكرنا.. أنه تم نقله في أغسطس 2006 في موكب تناقلته وكالات الأخبار والفضائيات العربية والعالمية، حيث تم وضعه في مكانه الجديد، لتوسعة ميدان رمسيس ولتيسير الحركة المرورية.. ولحماية التمثال من التلوث البيئي الناجم عن حركة القطارات والسيارات والأهم (لوضعه في متحف يليق بالتمثال وهو المتحف المصري الكبير في طريق مصر الإسكندرية الصحراوي).

بحثنا عنه في المكان الذي اعتقدنا أنه حتما يليق بذلك الأثر العظيم، فلم نجد المتحف الكبير قد شيد من أساسه، إن التمثال الذي نُقل بتكلفة 6 ملايين جنيه، مُلقى على ظهره في الخلاء "مكانه الجديد المهيب" فوقه "مشمع" لحمايته من عوامل الطبيعة!

لو أنصتنا لأنين التمثال لـ سمعناه يقول: حد يوقفني.

يجب أن لا نغفل عن ذكر أن معبد الكرنك بمحافظة الأقصر، منذ أيام، تعرض لانتهاك صارخ من قبل مسئول عن الترميم خريج كلية علوم! حيث قام بترميمه بـ"الأسمنت"!

وحين نذكر الترميم يجب ذكر أن قناع "توت عنخ آمون"، الملقب بالفرعون الذهبي تعرض "ذقنه" للكسر فـتبرع أحد المسئولين في المتحف المصري ولصقه بـ"أمير"!

لكن أحد المسئولين في المتحف المصري قد صرح بما يريد من خلاله أن يطمئن المصريين والعالم من المحبين للحضارة الفرعونية أن "التمثال المكسور ذقنه مزيف" قاموا بوضعه حين سرق التمثال الأصلي أثناء ثورة يناير!

لكن ما يقوم به علماء الترميم من المعهد الألماني من مجهود في ترميم الذقن المكسور، يؤكد لنا أن التمثال أصلي وليس مقلدًا أو مزيف وأن من قام بلصق الذقن لا يمت للأثريين بصلة نظرا للضرر البالغ الذي لحق بالقناع.

ولنختم مأساتنا بواقعة الفوج السياحي بـسوهاج الذي تأخر عن زيارته لـمعبدي رمسيس الثاني وسيتي الأول، نصف ساعة، بعد غلق المعبد.. طلب القائمون على إدارة المعبد من الفوج 6 آلاف جنيه، بالإضافة لثمن تذاكر الدخول لتأخرهم وإلا لن يسمحوا لهم بدخول المعبد!

حتى وصل الحال من تعنت وسوء معاملة السياح جعل المسئولون عن إدراة المعبد رفض دخول بعض السياح لدورات المياه بدون دفع ما طلب منهم من ثمن للتذاكر، مع عدم الأخذ في الاعتبار أن الفوج احتاج ساعتين للوصول لمكان المعبد، وأن طلبهم للدخول لدورات المياه بعيد تماما عن المعبد وآثاره!

والأهم لم ينتبه المسئولون عن المعبد مدى شدة احتياج مصر لعودة السياحة والترويج لحسن الضيافة المصرية الكفيل بجلب أفواج أخرى وعودة السياحة من جديد لمصر بعد هجر امتد 5 سنوات.

وأما عما نال المساجد الأثرية من إهمال وتهديد صارخ بالهدم بسبب المياه الجوفية أو الباعة حول سور المساجد أو عدم الاعتناء بالترميم الدوري للمساجد فحدث ولا حرج.

الأهم في كل ما ذكر أن المسئولين في وزارتي السياحة والآثار لم يأخذوا في الاعتبار أهمية هذه الآثار لمصر اقتصاديا وحضاريا وثقافيا، والتي نالتهم أيديهم بالإهمال وسوء الترميم الدوري على أحدث مستوى علمي وتقني بل من باب أولى أن يعيروا قطاع السياحة، وما تدره من عمله أجنبية مؤثرة في الاقتصاد المصري، الاهتمام بدرجة أعلى من المواطن البسيط الذي يطلب منه أن يحمي بلده من الإرهاب الغادر.. متغافلة الحكومة الإرهاب المتعمد لآثارنا من قبل وزارة السياحة ووزارة الآثار والقائمين عليها.

الجريدة الرسمية
عاجل