الرئيس يتكلم.. وأجهزة الدولة تفعل عكس ما يقول!
اعتاد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يخاطب الشعب المصري كعادة كل الرؤساء في المناسبات وما أكثرها في مجتمعنا المصري، وخلال هذه المناسبات يحاول السيد الرئيس أن يطمئن رعاياه وهذا أمر طبيعى، وأكثر رسائل الرئيس موجهة إلى الفقراء والكادحين والمهمشين والمظلومين والمكلومين في هذا الوطن أولئك الذين تحملوا ما لا يتحمله بشر عبر ثلاثة عقود من القهر والظلم والاستبداد، مما جعلهم يقبلون على بعض الأفعال التي لا يقبلها شرع أو دين، ومن بين هذه الأفعال الانتحار بسبب الفقر والعوز..
وهو ما دفع أحد المفكرين الاجتماعيين المصريين ليحدثنا عن ظاهرة الفقر الانتحارى التي انتشرت في المجتمع المصرى في الآونة الأخيرة، وبالطبع تولد عن ذلك كله الانفجار في 25 يناير ثم 30 يونيو، حيث خرجت الجماهير المصرية الفقيرة ترفع شعارات إسقاط النظام المستبد الذي أسفرت سياساته الفاشلة عن إفقارهم بشكل متعمد وإثراء مجموعة من المحاسيب الذين سمحت لهم السلطة السياسية بسرقة ونهب ثروات الشعب المصرى، ورفعت أيضًا شعار "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، ونفس هذه الجماهير هي التي فقدت ثقتها في كل القوى السياسية الموجودة على الساحة المصرية، ووضعت ثقتها في الجيش فقط لذلك دعت قائد الجيش ومخلصهم من الإرهاب عبد الفتاح السيسي للترشح لرئاسة الجمهورية، لذلك يعلم الرجل دائمًا أهمية هذه الجماهير ودائمًا يحاول كسب ودها وتأييدها عبر أحاديثه وخطاباته في كل المناسبات.
والرئيس بالطبع يتكلم وحده لكنه لا يعمل وحده، بل تعاونه أجهزة ومؤسسات الدولة، وهذه هي كارثة الكوارث فلو كان الرجل يعمل ويفعل وحده مثلما يتكلم وحده لاستطعنا أن نحكم عليه دون أن نظلمه ودون أن تختلط علينا الأمور، فالرئيس يحدثنا عن تجديد الخطاب الدينى وهو ضرورة ملحة لمواجهة الفكر التكفيرى والإرهابي الذي انتشر وتغلغل في كل ربوع الوطن، ولم تتمكن المؤسسة الدينية الرسمية من مواجهته بل بالعكس تمكن هو منها واستطاع النفاذ إلى قلبها والسيطرة على عقول خريجيها نتيجة الجمود الذي أصاب علماءها ومشايخها، وبدلا من أن تستجيب لدعوة الرئيس تفعل العكس، حيث تحارب الفكر التنويرى وتهاجم من يحمل لواءه وترفع ضدهم القضايا وبين عشية وضحاه نجدهم في السجون والتهمة هي الدعوة لتجديد الخطاب الدينى، وهى نفس دعوة الرئيس، وعندما طلب من رأس المؤسسة الدينية الرسمية إعلان موقف حاسم من تنظيم داعش رفض الرجل وصفهم بالتكفيريين أو الإرهابيين، وهو ما يؤكد أن هذه المؤسسة تعمل على عكس ما يتكلم الرئيس.
ويحدثنا الرئيس عن الحرية في الوقت الذي تصدر فيه حكومته قوانين وإجراءات لتقييد الحريات ومنع حرية التعبير وحبس واعتقال شباب الثورة، ويحدثنا الرئيس عن ضرورة إصلاح جهاز الشرطة في الوقت الذي تزيد فيه تجاوزات بعض رجالها وعودتهم لما كانوا عليه قبل ثورة 25 يناير، وكأنهم ينتقمون من الشعب الذي خرج ثائرًا على استبدادهم.
يحدثنا الرئيس عن العدالة الاجتماعية ورعاية محدودي ومعدومي الدخل في الوقت الذي تقوم فيه حكومته برفع الأسعار التي ينكوى بها الفقراء والكادحون، ويحدثنا الرئيس عن مواجهة الفساد في الوقت الذي تزكم فيه الأنوف من الفساد الذي استشرى في كل أرجاء المجتمع، والفساد عندنا ثلاثة أنواع صغير يمارسه غالبية أفراد المجتمع ولا يمكن مواجهته، ومتوسط يقوم به كبار رجال الجهاز البيروقراطى في الدولة وهم من يشكلوا ما نطلق عليهم الدولة العميقة، وكبير يقوم به الأباطرة الذين يطلق عليهم زورًا وبهتانًا رجال الأعمال، والمطلوب من الرئيس مواجهة الكبار ومن بعدهم المتوسطين وعندها سيختفى الصغار من خلال تحسين أوضاعهم المعيشية.
ومن هنا يتضح أن الرئيس يتكلم وأجهزة ومؤسسات الدولة تفعل عكس ما يقول وهو ما سيؤدى حتما لفقدان الثقة من قبل الشعب في الرئيس، وسوف يؤدى إلى تآكل شعبيته مع الوقت فالشعب الذي جاء بالرئيس له مطالب محددة وقد صبر عليها كثيرا وبدأ صبره ينفذ، خاصة بعد أن رأى مؤسسات الدولة تعمل ضد مصالحه وضد أحلامه المشروعة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية..
وعلى الرئيس أن يدرك أن هذه المؤسسات تعمل ضده فهى ليست معه من قريب أو بعيد فهي تعمل لمصالحها فقط ومصالحها لا تتحقق إلا باستمرار الفساد، والرئيس والشعب هما من يطالب بمكافحة الفساد لأن مصالحهما تتمثل في مكافحته، لذلك على الرئيس أن يبدأ بتحالف بين الرئيس والشعب لمكافحة الفساد؛ لأنه الأخطر على مصر وشعبها ورئيسها من الإرهاب، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
