رئيس التحرير
عصام كامل

التحرر من العبودية


أعجبتني قصة دارت أحداثها بين عام 1978 و1984 بأمريكا، حين تاهت جيسي 18 عاما، وطلبت النجدة من سيارة على الطريق، كان فيها زوج وزوجة وابنهما.. فجأة انحرفت السيارة باتجاه مدينة أخرى وهبط الزوج وقيد جيسي، ووضع لاصقا على فمها متجاهلا صراخها وذهولها.


وصلت السيارة إلى بيت ستيف وزوجته كلارا ومعهما جيسي، وداخله انتزعا ملابسها وقيداها وهي ترتعد وتبكي ولا تفهم ما يحدث، وأمسك ستيف بسوط وضربها بتلذذ لفترة وجيزة ثم أعطاها طعاما وأعاد تقييدها وهي نائمة على ظهرها، وبقربها مروحة، كادت جيسي أن تصاب بالجنون وصوت المروحة يخترق رأسها.

في اليوم التالي، قال لها ستيف إنه تابع لمنظمة بها شخصيات مهمة، وكل منهم له عبد، وقد قرر أن تكون "أمته" لأنها أعجبته، وعليها أن توقع على عقد بذلك، ترددت جيسي ثم وقعت فلم يكن لديها اختيار، وكانت كلارا تتابعها بعيون باردة كالثلج خاوية من أي تعبير.

تباعدت فترات تعذيبها بالسوط وخفت قيودها، لكن لا يمكنها الهرب؛ خوفا من عقاب المنظمة، وكثيرا ما تعجبت.. كيف قبلت كلارا بأن تعيش مع رجل مجنون، وكيف لها القدرة على أن تكون بلا مشاعر، وتداعب طفلها بحنان، وكان أكثر ما يؤلم جيسي حين يأتي الليل فيضعها ستيف في صندوق خشبي به فتحة للتهوية كحيوان اشتراه لا يملك فكرة الفرار، فتنام والموت أقرب لها من الحياة.

بعد عامين، تصور ستيف أن جيسي تعودت حياة العبودية فسمح لها بالخروج من المنزل لأول مرة بلا قيود لمدة ربع ساعة، محذرا إياها أن تتحدث مع الجيران، كانت مضطربة كطفل خرج لتوه من بطن أمه فرأى الشمس وتنفس الهواء، تجري وتتصنع أنها تمارس الرياضة، وصرخاتها تتحجر أمام نظرات الجيران، تريد أن تطلب مساعدتهم ولا تجرؤ فجميعهم أعضاء بالمنظمة.

مرت 4 سنوات أخرى زادت من ارتباطها النفسي بستيف وكلارا، التي كانت تقرأ يوما بالإنجيل، فصححت لها جيسي عبارة وعلقت "كنت أذهب مع عائلتي كل أحد للكنيسة"، ومن يومها أصبحت كلارا تعاملها كإنسانة، أما ستيف فكان قد تعلق بها عاطفيا، ولكن هذا لم يشفع لها ليحررها.

ويوما جاءتها كلارا لتعترف، لا يوجد ما يسمى بالمنظمة، كانت جملتها كلمات ينطقها اللسان لكنها أقوى من سيف، كسر قيود جيسي وحطم صندوقها الخشبي وأهداها الحرية، وقبل أن ترحل اتصلت بستيف وقالت له سأرحل ولن يستطيع أحد أن يمنعني.

قال والدها بعد عودتها: "زاد تعجبي لوجود شخص مريض مثل ستيف، يمكنه أن يحول إنسانة بريئة إلى "عبدة"، قدر تعجبي من قدرتها على الاحتفاظ بشخصيتها السوية، وسط كل هذا الجنون، وعودتها إلى حياتها الطبيعية واستمتاعها بكل لحظة فيها".

حكم على كلارا بالبراءة كشاهدة، وستيف بـ104 سنوات سجن، ويبقى السؤال كم منا يعيش داخل صندوق خشبي تحت رحمة مرضى أجادوا تحويل الوهم إلى حقيقة؟
الجريدة الرسمية