رئيس التحرير
عصام كامل

دونالد ترامب وعنصرية الغرب


كم هي بغيضة إطلالة المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب، فما أن يبدأ في الحديث حتى أشعر بأنه ثمل أو في غير وعيه، فضلا عن أنه يتكلم بفوقية وعنجهية باعتبار أنه ملياردير يملك المال والنفوذ.. لكنه قطعا لا يملك البشر حتى يتحدث بهذه العنصرية ويكرس خطاب الكراهية في نفوس الأمريكيين وغيرهم.


نفسية ترامب البغيضة لم يشعر بها فقط البشر، بل أدركها مخلوقات أخرى، كما حدث مع طائر "النسر"، فحين أرادت مجلة "تايم" تنفيذ جلسة تصوير خاصة لترامب، جلبت نسرا مع مدربه، لكن ما أن اقترب ترامب من النسر، حتى اعتدى عليه الطائر وبعثر له شعره، وبدلا من أن يتعامل المدرب مع النسر راح يتعامل مع شعر ترامب محاولا إعادته إلى وضعه الطبيعي.

هذه الحادثة الطريفة استغلها الإعلام الأمريكي لجعل ترامب مادة للسخرية والتندر، حتى أن أحد المذيعين الكوميديين ذكر أن مجلة "تايم" اختارت النسر الذي اعتدى على ترامب "طائر العام"، بعد أن انتقد ترامب المجلة في تغريدة؛ لاختيارها المستشارة الألمانية ميركل شخصية العام، عوضا عن تتويجه هو نظرا لشعبيته الجارفة!

تعامل الإعلام الأمريكي مع ترامب منذ بداية ترشحه، على أنه "مهرج" وظاهرة وقتية سرعان ما تنتهي كما بدأت، لكن الحقيقة غير ذلك، ففي كل مرة يطل فيها ترامب مصوبا تصريحاته العنصرية تجاه فئة بعينها، ومهاجما المهاجرين العرب والأفارقة مرة ثم جميع المسلمين مرة أخرى، تزيد تصريحاته من شعبيته وترتفع أسهمه بين الأوساط الأمريكية، التي يعتقد أصحابها أنه سيكون نصيرا لهم ويعيد المجد للولايات المتحدة.

ولمحاولة فهم ظاهرة ترامب، أثبتت دراسة حديثة أن الركود الاقتصادي الأمريكي زاد الأغنياء ثراء وزاد الفقراء فقرا، وتسبب في تآكل الطبقة الوسطى، خصوصا غير الجامعيين الذين يرون أن أمريكا تخلت عنهم في عهد أوباما.

تبرز شعبية ترامب بين مؤيديه البيض، لكنها تشهد نموا صاروخيا في أوساط من لا يحملون شهادة جامعية، وهؤلاء تجاوبوا بكثافة مع خطاب ترامب الذي اعتبر أن المهاجرين إلى أمريكا يمثلون تهديدا اقتصاديا واجتماعيا ويأخذون من حقوق الأمريكيين الأصليين، ثم تجاوبوا معه أيضا حين دعا إلى فرض حظر كامل على دخول المسلمين إلى أمريكا.

مخطئ من يعتقد أن خطاب الكراهية والعنصرية يمثل ترامب وحده، بل هو يعبر عن رأي غالبية قادة الغرب، الذين يسارعون باتهام المسلمين والعرب بالتطرف والإرهاب ما أن يحدث انفجار أو عملية إرهابية في بلدانهم، ليتضح بعد ذلك أن وراء الإرهاب في أغلب الحالات أبناء البلد نفسه أو بلدان مجاورة، وقليلة هي الحوادث التي نفذها عرب ومسلمون.. لكن قادة الدول الغربية، لا يستطيعون الإعلان صراحة عن تأييد آراء دونالد ترامب، لاعتبارات سياسية ودبلوماسية واقتصادية، وحتى حقوقية من شأنها التأثير سلبا على العلاقات بين الدول.. لكن نظرة متأنية لما يصدر عن الدول الغربية رسميا وشعبيا، نجد أنه يتوافق إلى حد كبير مع تصريحات ترامب العنصرية ضد المسلمين كافة.

يسعى ترامب إلى منع دخول المسلمين أمريكا؛ حفاظا على الأمن القومي، وخطابه العنصري يعزز مفهوم "الإسلاموفوبيا"، لكنه لم يقل كيف سيتصرف مع المسلمين الأمريكيين، وكيف سيحميهم ممن سيتعامل معهم على أنهم مشاريع إرهابيين؟!

دونالد ترامب أصبح حديث الإعلام العالمي بخطابه العنصري، ومنح "داعش" فرصة ذهبية لتبرير عملياته الإرهابية باعتبارها دفاعا عن الإسلام والمسلمين الذين يكرههم الغرب.. إنما الغريب في الوقت نفسه، أن الدول العربية التزمت الصمت حيال تصريحات ترامب، ربما خشية نجاحه في الانتخابات وتوليه رئاسة أمريكا، لكن كان يفترض في أضعف الإيمان مقاطعة منتجات وشركات ترامب المنتشرة في الدول العربية والإسلامية، ويجني من وراء مبيعاتها مئات الملايين، كما كان حري بالقادة العرب اتخاذ موقف موحد؛ دفاعا عن دينهم وبلدانهم وشعوبهم الذين اعتبرهم ترامب منبع الإرهاب، ودعا إلى منع دخولهم "جنة" أمريكا.
الجريدة الرسمية