قرار جمهوري بـ«الإفراج الصحي» عن «سعد الكتاتني»!
لستُ إخوانيًا، ولن أكون، لم أعتنق فكرهم، ولم أتبنَ منهجهم، ولم أدعُ الله يومًا أن يُميتني على «دين الإخوان»، كما تمنت قيادات بالجماعة التي أسسها حسن البنا عام 1928، وكم فضحت سلوكهم، وانحراف مسلكهم، غير ذات مرة.
لكني أعترف بأن الصورة التي نُشرت للقيادي الإخواني الدكتور سعد الكتاتني في وسائل الإعلام، وهو بـ«البدلة الحمراء»، آلمتني، شأنها شأن الصور المؤلمة، الموجعة للضحايا الذين يتساقطون جراء العمليات الإرهابية، سواء كان هؤلاء الضحايا من شهداء الجيش والشرطة، أو من المواطنين العاديين.
صحيح الصورة كانت مستفزة للبعض، وأنا منهم، لأنه أصر على رفع شعار «رابعة»، مصحوبًا بنفس الابتسامة الإخوانية «الباهتة»، لكني ضبطتُ نفسي متعاطفًا معه، فهو حرٌ في معتقده وأفكاره، والرجل ربما أصبح مغلوبًا على أمره، وفقد الأمل في الخروج من السجن فرفع الشارة الصفراء؛ ليدغدغ مشاعر عناصر الجماعة؛ ويبعث برسالة إلى الخارج: «مازلنا أقوياء، متماسكين، ثابتين على موقفنا».
«الكتاتني» -حسب علمي، وحسب الذين تعاملوا معه من الصحفيين عن قرب- كان من أكثر الرافضين للتصعيد الإخواني ضد النظام المصري، وراهن عليه كثيرون ليقوم بدور «حمامة السلام»، وتقريب وجهات النظر في الأزمات التي احتدمت بين قيادات الجماعة والنظام الجديد الذي أعقب سقوط دولة الإخوان.. كما أنه لم يُضبط يومًا متهورًا في تصريحاته، ولا إرهابيًا في تصرفاته، كما تورط آخرون على منصة رابعة العدوية.
لستُ هنا أتغزل في محاسن وصفات «الكتاتني»، ولستُ متخصصًا في إجراء عمليات تجميل لقيادات الجماعة الإرهابية -وفقًا للقانون- فأنا في حل من ذلك، لكن من حقي أتساءل عن الاتهامات التي جعلته جديرًا بارتداء «بدلة الإعدام»، وأتحدى أي صحفي -ولن أقول أي مواطن- أن يعرف قائمة الاتهامات الموجهة إلى رئيس مجلس الشعب السابق، وما الجرائم التي ارتكبها حتى يستحق «حبل المشنقة» عن جدارة!
ما أعلمه، وتم تداوله في وسائل الإعلام، أن المجلس العسكري، في 2013، وجّه الدعوة لـ«الكتاتني»؛ للمشاركة في إذاعة بيان «3 يوليو»، الذي تم فيه عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، لكنه رفض، فأُلقي القبض عليه مساء ذلك اليوم، فماذا لو كان قَبِل المشاركة؟ هل كان سيرتدي البدلة الحمراء، أم كان سيحجز له مكانًا مرموقًا في النظام، ويرتدي البدل «السينييه»، ويسير بموكب سيارات، محاطًا بقوات من الحراسات الخاصة؟!
وفي هذا الصدد يلح على ذهني تساؤل لم أستطع الهرب منه: هل «الكتاتني» يدفع ثمن موقفه السياسي، أم مُدانٌ بالفعل في جرائم جنائية؟
لقد تورط مئات، بل آلاف المسئولين في جرائم أشد وحشية ضد المصريين، أكثر من تلك الاتهامات التي يواجهها عدد من قيادات الإخوان، أمثال الكتاتني، ومهدي عاكف، ومحمود الخضيري، وهاني صلاح الدين، وغيرهم من المنتمين للجماعة، أو من «المتعاطفين» معهم.
صحيح أن بعض المسئولين الفاسدين لم يُقدموا للمحاكمة، وبعضهم الآخر تمت تبرئته.. لكن الشعب يعلم حقيقة مَنْ تورط في عقد صفقات فاسدة لبيع ممتلكاته، وشركاته، ومصانعه، وأراضيه، ومعادنه، وغازه الطبيعي.. الشعب على وعي بمن زرع له الأمراض السرطانية في القلب والكبد والمعدة، وفي سائر أعضاء الجسد.. الشعب يعرف الذين «مصُّوا» دماءه، ونهبوا خيراته، وأفسدوا الحياة السياسية طوال عقود متتالية، لكنهم يعيشون الآن «معززين مكرمين» في بلاد أوروبا.. أو يُخرجون ألسنتهم لنا بعد حصولهم على «البراءة»!
سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.. نعلم تمام العلم أنكم تؤمنون بالفصل بين السلطات، وتتورعون عن التدخل في شئون القضاء، وتترفعون عن أي تصرف قد يُفهم منه الإساءة إلى رجال القانون؛ ولكن الإفراج بـ«العفو الرئاسي» ملك لك وحدك، كفله الدستور الذي وافق الشعب عليه في 2014، وأعتقد أن الإفراج الصحي بقرار جمهوري، ليس عن الكتاتني فقط، بل عن كل القيادات الإخوانية، التي لم تتلوث أياديها بالدماء، ولا ألسنتها بالتحريض على العنف، لن ينتقص من شعبيتكم، بل أظن -وليس كل الظن إثم- أنه من الممكن أن يسهم في نزع فتيل الحقد والكراهية من نفوس وعقول شباب وبراعم الإخوان؛ وملء قلوبهم بقيم العفو، والتسامح، والتجاوز عن كل الذين لم يتورطوا في إراقة دماء المصريين.