رئيس التحرير
عصام كامل

قائد «رحلات الموت» يكشف تفاصيل الصمود الأسطوري للكتيبة 603

لعميد حمدي نجيب الملقب
لعميد حمدي نجيب الملقب بقائد رحلات الموت

قال العميد حمدي نجيب الملقب بقائد رحلات الموت بـ«معركة كبريت» وأحد أبطال الكتيبة 603 مشاة برمائي: «تخرجت في الكلية الحربية عام 1969 كضابط مشاة وكنت منذ تخرجي أحلم باليوم الذي تأتي فيه اللحظة التي نأخذ بثأرنا من إسرائيل التي احتلت جزءا عزيزا من أرض مصر».


وأضاف نجيب في حوار خاص لـ«فيتو»: «إن الجندي والضابط المصري فعلا خير أجناد الأرض لأننا منذ اليوم الأول في حرب أكتوبر قررنا عدم العودة إلى منازلنا مرة أخرى إلا بأحد السبيلين إما النصر أو الشهادة وبسبب الإرادة والعزيمة والتدريب الجاد وفقنا الله وحققنا النصر».

ما المهمة التي كنت أحد عناصرها في حرب أكتوبر؟
قبل الحرب بشهور تم تدريبنا كوحدة خاصة تلقب بكتيبة المشاة برمائي في قاعدة الإسكندرية البحرية، وكنت من أوائل الذين تم تدريبهم على هذا وانضممت إلى الكتيبة 603 التابعة للواء 130 مشاة ميكانيكي.

وعبرنا قناة السويس مع أول موجة للعبور يوم 6 أكتوبر مع الكتيبة 602، وكانت مهمتنا الأساسية هي احتلال المضايق وممري «متلا –والجدي» لمنع العدو من إمداد النقاط التي سيطرنا عليها.
ويوم 8 أكتوبر صدرت لنا التعليمات بالسيطرة على نقطة كبريت القوية وكانت من أخطر وأصعب النقاط في مواجهة مدينة السويس وهي المنطقة الفاصلة بين الجيشين الثاني والثالث الميداني واضيق منطقة بين البحيرات المرة الكبري والصغري والقريبة من شاطئ القناة.

وترجع أهمية نقطة كبريت إلى أنها تعتبر مقرا لمركز عمليات إسرائيلي كبير يشرف على تأمين خط بارليف وأيضا ينزل فيه كبار القادة الإسرائيلين لمتابعة الموقف على طول الجبهة المواجهة لمدينة السويس وتشرف على مطار كسفريت الإسرائيلي.

وكانت هذه النقطة محصنة بألغام وتحيط بها دبابات لها مرابض تتخفى وراءها تقوم بضرب الأهداف ثم تختبئ وراء المرابض فلا يستطيع أحد استهدافها وتقع هذه النقطة بين ثلاثة اتجاهات للعدو والخلف قناة السويس أي العدو أمامنا والبحر خلفنا ورغم ذلك عبرنا إلى المنطقة وتعاملنا مع نيران ودبابات العدو لمدة يومين.

وكانت هناك خسائر كبيرة من الجانبين لكن الجانب الإسرائيلي تكبد خسائر أكبر في الأفراد والمعدات حتى هرب باقي جنوده من الموقع وخرجوا فارين وسيطرنا على نقطة كبريت بسرعة ونظرا للأهمية الكبيرة للنقطة كانت القوات الإسرائيلية تنفذ غارة كل 5 دقائق مع أول ضوء وحتى آخر ضوء، ولكننا قاومنا وكبدناهم خسائر فادحة، وتم منع الإمدادات عنا وأصيب في هذه العملية 70 من أفراد الكتيبة لم نستطع إخلاءهم كما نسفوا لنا مخزنا للذخيرة.

وعندما علم المقدم إبراهيم عبد التواب أن الإسرائيليين يحضرون لغارة على الموقع وتحركت إلينا أكثر من 20 دبابة أصدر القائد إبراهيم أوامره بالضرب والهجوم، فأصيب الإسرائيليون بحالة من الذعر الشديد وتم تدمير نحو 16 دبابة إسرائيلية مما اضطر الآخرين إلى الهروب.

وحاولت سيارة إسرائيلية الاقتراب من الموقع، فقام أحد أفراد الكتيبة بضربها، فانقلبت وتم أسر ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا على متنها، وأثناء التحقيق معهم، كشف الأسري عن غارة إسرائيلية ضخمة يعدون لها بهدف دك الكتيبة في الخامسة مساء، وبالفعل أربع طائرات فانتوم دكت الموقع بشراسة، ورغم ذلك ظلت القوات صامدة، ولم يستطع الإسرائيليون اقتحام الموقع مجددا.


كيف استطعتم الصمود وسط هذه التهديدات؟
كنا نحو 400 جندي وضابط تحت قيادة البطل إبراهيم عبد التواب في هذا الموقع نقاتل بكل قوة وأخذنا على أنفسنا عهدا أننا لن نترك النقطة أبدا للإسرائيليين إلا على جثثنا وفقدنا الاتصال بقيادة الجيش الثالث الذي نتبعه إداريا وبدأت الإمدادات والذخيرة تنفد.

ما سر تسميتك بقائد رحلات الموت؟
عندما اشتد القتال وبدأت الذخيرة تنفد اقترحت أنا وزميلي عصام هلال على قائد اللواء أن نقطع المسافة بيننا وبين الجيش الثالث مشيا حتى نعرض عليه موقفنا ولكنه رفض في البداية لخطورة الطريق وخوفا من أن يتم رصدنا من عناصر الأمن الإسرائيليين وقتلنا.

ولكن مع إصراري وافق وبالفعل تحركنا مع أول ضوء وسلكنا طريقا خلف القوات الإسرائيلية وخلال الرحلة التي تبعد 13 كم عن موقعنا استطعنا رؤية تمركزات العدو في الطريق وإعداد دبابته وأسلحته وأبلغناها للقيادة عندما وصلنا.

وقام قائد الجيش لثالث بإمدادنا بالمعدات اللازمة لدباباتنا وأجهزة اتصال متكاملة وطبيب وإمدادات طبية للجرحي وعدت أنا وزميلي محملين بالمعدات نتسلل خلف العدو حتى وصلنا للموقع مرة أخرى دون أن يلاحظنا الإسرائيليون وبعدما نجحت التجربة اقترحت على قائد اللواء مصاحبة الجرحي للوصول إلى قيادة الجيش والعودة بالإمدادات للكتيبة وظلت هذه الرحلة أسبوعية.

وقاموا بتسميتي «قائد رحلات الموت» بسببها لأني كنت أنقل الجرحى والإمدادات بالرغم من خطورة الرحلة المكتوب عليها الفشل بنسبة 99% ورغم ذلك نجحت كل الرحلات لمدة 114 يوما حتى 2 فبراير 1974.

أهم ذكرياتك في معركة كبريت؟
من الأشياء التي لا أستطيع نسيانها أبدا أنه عندما توقف الدعم والإمداد كان هناك نقص كبير في المياه ونحن نتحمل عدم الأكل ولكن الشرب صعب ووراءنا قناة السويس ماؤها مالح فقام أحد الجنود من حملة المؤهلات وكان خريج كلية علوم بتسخين المياه وتبخيرها واستخلاص المياه النقية ليشرب منها الموجودون في الموقع وكانت أول سابقة لتحلية مياه البحر في مصر أثناء حرب أكتوبر.

بالإضافة إلى بطولة أخرى لأحد الجنود الذي زرع عددا من الصواريخ والألغام لتفجير الآليات الإسرائيليىة التي تهاجم الموقع ونفدت الذخيرة وكان هناك رتل من الدبابات قادم علينا فقمنا بإخلاء الموقع وأن يقوم كل فرد بحفر حفرة والاختباء بها من نيران العدو وبقينا أنا وزميلي عصام والجندي الذي يزرع الألغام وقررنا الموت أهون من الأسر أو ترك النقطة وتم تفجير كل الألغام التي زرعها الجندي منذ الصباح ولكنها لم تصب دبابات العدو وبقيت ثلاث فقط لا بد من تفجيرها عن قرب.

واستأذن الجندي منا أن يقوم بهذا العمل ولكننا رفضنا وحاولنا أن نقوم بها نحن إلا أن الجندي أصر مما جعلنا نوافق واستهدف الثلاث دبابات بثلاثة صواريخ مما أجبر العدو على الالتفاف والهرب سريعا خوفا من صواريخنا ولم يكونوا يعلمون أنها آخر 3 صواريخ وأن الموقع لا يوجد به غيرنا وهم كانوا يهاجمون بآليات كبيرة ومتعددة وأنقذنا الموقع وعادت باقي القوة إليه مرة أخرى.

واستشهد المقدم إبراهيم عبد التواب يوم 14 يناير 1974 وعندما شعر الإسرائيليون بنبأ استشهاده توقفوا عن الضرب في هذا اليوم ولم تخرج طلقة واحدة منهم تجاه الموقع تعبيرا عن احترامهم الشديد لتمسك هذا القائد بالموقع واستبساله ضدهم طوال هذه الفترة، وظلت الكتيبة صامدة حتى بعد استشهاد القائد لمدة شهر آخر حتى قرار إيقاف إطلاق النار وغادرناها في 20 فبراير 1974.
الجريدة الرسمية