رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا الجدل حول قانون الإرهاب؟؟


يكشف جدل النخبة حول قانون الإرهاب، حالة الحوار المتباين أمام القضايا المصيرية، وحالة الغيبوبة القانونية التي يعيشها البعض، حتى أصبحنا نظن وليس كل الظن إثم، أنها لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتزايد عليها دون طرح البدائل، فالمادة 33 من مشروع القانون المقترح لم تقترب من حرية الصحافة أو حرية الرأي.

إن المادة تتحدث عن نشر معلومات كاذبة متعمدة ومخالفة للبيانات الرسمية الصادرة عن الدولة، عن عمليات إرهابية يعاقب بالحبس لمدة أقصاها سنتين بخلاف العقوبات التأديبية في عمله، وأكيد أن هذه الإشارة لميثاق الشرف المهني، أي أن الخلاف ليس على الجريمة بل على العقوبة، وهنا نتساءل: أين حديث الوطنية في كل وسائل الإعلام والدعوة للاصطفاف الوطني مع المواطنين ورجال الجيش والشرطة في معركة الدولة ضد الإرهاب؟

إن قانون مكافحة الإرهاب في كثير من مواده، تتفق مع المواثيق الدولية للإرهاب، التي حددت أن لكل الدولة الحق في اتخاذ التدابير وفق ظروفها، وخير دليل كانت تصريحات لرئيس وزراء بريطانيا "لا تحدثوني عن حقوق الإنسان في قضايا تمس أمن بريطانيا"، وقرار رئيس وزراء فرنسا "سرعة إنهاء الإجراءات خلال ثلاثة أيام في جرائم الإرهاب"، وهما لم يتجاوزا في تصريحاتهما القانون الدولي أو حقوق الإنسان.

فعلى المستوى العربي، أقر مجلسا وزراء الداخلية والعدل العرب، في اجتماعهما المنعقد بمقر الأمانة في 22 أبريل 1998، هذه الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وقد صدقت الدول العربية على هذه الاتفاقية، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ اعتبارًا من 5 يوليو 1999م، وبدأ العمل بالآلية التنفيذية للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ابتداءً منذ عام 2001م، التي تتضمن مجموعة من الإجراءات في المجالين القضائي والإعلامي، وتعززت الترسانة القانونية العربية ذات الصلة بالجريمة ومكافحة الإرهاب باعتماد "القانون العربي النموذجي لمكافحة الإرهاب عام 2002" كخطوة لدعم جهود الدول العربية في سن قوانينها الوطنية، و"القانون العربي الاسترشادي للتعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية لعام 2006م".

واعتمد مجلسا وزراء العدل والداخلية العرب، في اجتماع مشترك عام 2010، الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، و"الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية"، كما اعتمد مجلس وزراء الداخلية العرب، في دورة مارس 2013، الإستراتيجية العربية للأمن الفكري، كمسعى لدعم جهود الدول العربية في رسم خطط وبرامج الأمن الفكري، بالتنسيق بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.

كما عقد اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب في مدينة مراكش المغربية في مارس 2014م، وأصدر بيانا تضمن تجديد رفضه الحازم للإرهاب مهما كانت دوافعه وأساليبه، وشجبه للخطاب الطائفي الذي يغذي الإرهاب ويثير الفتنة.

وكان من أبرز الجهود الأخيرة، ما قرره مؤتمر وزراء الإعلام العرب في القاهرة مايو الماضي، والموافقة على الخطة المرحلية لتنفيذ الإستراتيجية الإعلامية العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب، وتكليف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالتعاون والتنسيق مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، بمتابعة تنفيذها على مدى خمس سنوات تبدأ من عام 2016م، وقد تمت صياغة وإقرار العديد من الخطط والإستراتيجيات العربية لمكافحة الإرهاب، واستند التعاون الأمني إلى تدابير أمنية؛ لمنع الإرهاب، من أهمها التدابير الوطنية لمنع حدوث جريمة الإرهاب، ويُقصد بهذه الجهود لمنع جريمة الإرهاب هو ما يبذل من جهود محلية لمكافحة الإرهاب، وهي مجموعة الوسائل والإجراءات الوقائية لمنع وقوع جريمة الإرهاب ومكافحته بعدم تكرار وقوعه في المستقبل.

كما يمكن التعرف على الجهود الدولية في هذا الشأن؛ حيث بدأ تركيز الانتباه على مكافحة الإرهاب منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، واتخاذ مجلس الأمن القرار 1373 /2001م، الذي يدعو الدول إلى أن تصبح أطرافا في هذه الصكوك الدولية، وإنشاء لجنة دولية لمكافحة الإرهاب؛ حيث اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في 8 أيلول / سبتمبر 2006م، الإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، وهي على شكل قرار وخطة عمل مرفق بها صك عالمي فريد يدعم الجهود الوطنية والإقليمية والدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب.

وهذه هي المرة الأولى التي اتفقت فيها الدول الأعضاء جميعها على نهج إستراتيجي موحد لمكافحة الإرهاب، يشمل مجموعة واسعة من التدابير التي تعزز من قدرة الدول على مكافحة التهديدات الإرهابية.

وقد حددت الإستراتيجية، الإجراءات والتدابير لمنع ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، من أهمها:
الامتناع عن تنظيم أنشطة إرهابية أو التحريض عليها أو تيسيرها أو المشاركة فيها أو تمويلها أو التشجيع عليها أو التهاون إزاءها.

التعاون بصورة تامة في مكافحة الإرهاب، وفقا للالتزامات المنوطة بنا بموجب القانون الدولي؛ بهدف العثور على أي شخص يدعم أو يسهل أو يشارك أو يشرع في المشاركة في تمويل أعمال إرهابية أو في التخطيط لها أو تدبيرها أو ارتكابها، أو يوفر ملاذا آمنا.

تكثيف الجهود الوطنية والتعاون الثنائي ودون الإقليمي والإقليمي والدولي؛ من أجل تحسين مراقبة الحدود والضوابط الجمركية؛ بغية منع وكشف تحرك الإرهابيين.

تشجيع اللجنة المنشأة عملا بقرار مجلس الأمن 1267 / 1999م، على مواصلة العمل من أجل تعزيز فعالية حظر السفر المفروض على الأفراد المنتمين إلى تنظيم القاعدة وحركة طالبان والكيانات المرتبطة بهما، بموجب نظام الجزاءات التابع للأمم المتحدة.

نعود لبدء هل الجدل لعدم العلم بالاتفاقيات والجهود المبذولة والمطلوبة؟، أم كما تعودنا جدل لمجرد الجدل دون طرح البديل – في قضايا مصيرية – رغم أن الجهود الوطنية تأتي في إطار الالتزام بالمواثيق والأعراف الدولية.

لقد طالب الإعلام دوما، بحوكمة نظام العمل الأمني بما لا يضر بالحقوق والحريات، في ظل تشريع صارم لمواجهة الإرهاب، يتوافق مع المعايير العالمية ومع التجارب الدولية الرصينة، فلماذا هذا الرفض المأزوم بحوكمة نظام العمل الإعلامي، وفق قانون تتطلبه الهجمة الإرهابية الشرسة الهادفة لإسقاط مصر؟ 

كان الأجدى بالحوار، أن يقرأ ما سبق عرضه من مواثيق وإستراتيجيات قبل الرفض، وبذل الجهد لطرح البدائل ليكون الحوار إيجابيا، وكم كنت أتمنى أن تكون الدعوة لأخذ الإجراءات القانونية ضد الدول غير الملتزمة بالاتفاقيات الدولية والدول الداعمة للإرهاب والموقعة عليها، لا العمل على عرقلة الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب، التي تحثنا عليها المواثيق الدولية.
الجريدة الرسمية