رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. «التدين عند المصريين مواسم».. شعب يتحلى بمكارم الأخلاق في «رمضان» فقط.. يعيش على ثقافة الفتاوى الدينية الصادرة عن شيوخ «البيزنس».. ويتنفس الحلال والحرام دون أن ي

فيتو
18 حجم الخط

تراهم ركعًا سجدًا.. تحتضن أياديهم المصحف والمسبحة كالأم التي عثرت على وليدها بعد فراق دام سنين عددا.. ومن العيون تتقاطر الدموع كلما مرت على حرف من كلمات الله.. يتسابقون لفعل الخيرات سرًا وعلانية.. يحنو الكبير على الصغير.. ويحترم الصغير الكبير.. شعب خاشع.. عابد.. زاهد.. يتحلي بمكارم الأخلاق.. هذا هو حالهم في شهر رمضان أحد أهم مواسم التدين عند المصريين، والذي ما أن ينتهي حتى تتبدل الأحوال ويخلع الغالبية عباءة الدين ليعود الوضع على ما كان عليه.




متدين بطبعه

العالم عرف عن هذا الشعب بأنه "متدين بطبعه"، لكن هذا التدين لا يدوم طوال العام، فهناك مواسم يحرص المصريون على أن يكونوا فيها أقرب إلى ربهم، ومن أهمها شهر رمضان المبارك، الذي تكتظ فيه المساجد بالمصلين، وتسود المحبة بين الجميع، وما عدا هذا فهم يعيشون على ثقافة الفتاوي الدينية الصادرة عن شيوخ يبحث أكثرهم عن «بيزنس الدين»، ويتنفس الحلال والحرام، دون أن يمارس هذه الثقافة في واقعه اليومي، وهو ما يجعل هذا التدين مقصورًا على تقدير رموز الدين وطقوسه، دون محاولة التمسك بمنظومة القيم والأخلاق التي تمثل جوهر الدين وروح تعاليمه، وهذا النوع يعرف بـ«التدين المغشوش».




التدين المغشوش

ومن الإحصائيات الرسمية التي تكشف عن مظاهر «التدين المغشوش»، ما قام به المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، حين رصد عدد حالات الاغتصاب المعلن عنها في مصر، في عام 2006، ووجد أن نسبتها ارتفعت إلى 20 ألف حالة اغتصاب في السنة، وهو العدد الذي تضاعف خلال السنوات التالية لهذا العام.
وفي عام 2013، أعدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN WOMEN) بحثًا ميدانيًا، قامت به على الفتيات والنساء في بعض محافظات مصر، وأكدت نتائجه زيادة نسبة التحرش بصورة غير مسبوقة، حيث أقرت 99.3% من النساء والفتيات اللاتي شملهن البحث، بأنهن تعرضن لنوع من أنواع التحرش الـ13 التي حددتها هيئة الأمم المتحدة، وأن أشهر أنواع التحرش التي تعرضن لها كان لمس جسدهن، وهذا النوع عانى منه 59.9% من النساء، بينما جاء التصفير والمعاكسات الكلامية في المرتبة الثانية من مراتب التحرش، وهو ما عانى منه 54.5% من النساء والفتيات.




التحرش الجنسي

وهناك مسحٌ أجراه المركز المصري لحقوق المرأة على ألفين و20 من الذكور والإناث، و109 من السيدات الأجنبيات، أكدت نتائجه أن: 64.1% من المصريات يتعرضن للتحرش بصفة يومية، 33.9% تعرضن للتحرش أكثر من مرة، 10.9 % يتعرضن للتحرش بصفة أسبوعية، 3.9% يتعرضن للتحرش بصفة شهرية، كما اعترف 62% من الرجال بارتكابهم لظاهرة التحرش الجنسي، وأقرت 83% من النساء بأنهن تعرضن لهذه الممارسات، وأن 2.4% منهن قمن بالإبلاغ، فيما ألقي 3% من الرجال باللوم على المرأة لأنها تستدعيهم للقيام بهذا السلوك من خلال أفعالها أو ما ترتديه من ملابس، وتأتي المحجبات على رأس القائمة حيث تبلغ نسبتهن 72% من المتعرضات للتحرش، في حين أن 80% من المصريات محجبات.


وحتى الأجنبيات لم يسلمن من التحرش والاغتصاب، ومن أبرز الحالات لهذا الفعل اغتصاب "لارا لوجان" مراسلة شبكة سي بي إس الأمريكية، واغتصاب مراسلة قناة فرانس 24 المملوكة للحكومة الفرنسية في ميدان التحرير، وهو ما جعل صحيفة "واشنطن بوست" تقول إن مصر تحتل المركز الأول في التحرش الجنسي بالمرأة تليها أفغانستان.

السلوك الأخلاقي

كذلك أثبتت إحصائيات الإنترنت أن المصريين أكثر الشعوب بحثا عن "الجنس" على محرك البحث الشهير جوجل، بالإضافة إلى الحوادث اليومية المتعلقة بشذوذ في السلوك الأخلاقي الطبيعي، كحادثة زنا المحارم الجماعي التي وقعت في محافظة الجيزة، والتي وافق فيها الزوج على أن تقيم زوجته علاقة جنسية مع أخيها، معللًا ذلك بقوله: «هو اللي بيصرف علينا، ومن حقه يتمتع بأخته ويشبع رغباته»، بعد أن رأت زوجة أخيها الفضيحة الكبرى وذهبت لتبوح بالسر لأخيها، فرد عليها: «طيب ما نعمل إحنا كمان كده هو حلال ليهم وحرام علينا»، وهي القضية التي حملت رقم 1864 لسنة 2014، ووقف أمامها وكيل نيابة قسم الجيزة المستشار محمد عادل، عاجزًا، واضطر لإطلاق سراحهم لأن القانون لا يدينهم «ما دام كله بالتراضي، ولا يوجد شاكٍ يحرك دعوى قضائية ضدهم».. هذا إضافة إلى الأطفال الذين يتم اغتصابهن بطرق تعبر عن شذوذ أخلاقي، وانهيار في قيم المجتمع.


القلب والعقل

والغريب في الأمر أن ظاهرة «التدين المغشوش» عند المصريين ليست وليدة اليوم، وإنما تمتد جذورها إلى حقب ماضية أرخ لها الشيخ محمد الغزالي، أحد أهم قيادات الأزهر الشريف في الفترة من 1943 ميلادية، وحتى 1996 ميلادية، حيث أعد دراسة جاء عنوانها «التدين المغشوش» وأكد فيها أن: «المفروض في العبادات التي شرعها الله للناس أن تزكي السرائر، وتقيها العلل الباطنة والظاهرة وتعصم السلوك الإنساني عن العوج والإسفاف والجور والاعتساف، وكان هذا يتم حتمًا لو أن العابدين تجاوزوا صور الطاعات إلى حقائقها وسجدت ضمائرهم وبصائرهم لله عندما تسجد جوارحهم وتتحرك أنفس ما في كيانهم –مشيرًا إلى القلب والعقل- عندما تتحرك ألسنتهم، أما إذا وقفت العبادات عند القشور الظاهرة والسطوح المزورة فإنها لا ترفع خسيسة ولا تشفي سقاما».
الجريدة الرسمية