رئيس التحرير
عصام كامل

زيارة بلا هدف


إن إقدام باراك أوباما وسرعته فى اتخاذ قرار زيارة إسرائيل يذكرنا بالقرار المبكر جدًا على منحه جائزة نوبل للسلام، والتوقعات حاليًا هى نفس التوقعات جميعها التى كانت آنذاك أيضًا، فالبيت الأبيض كعادته يخفض سقف التوقعات لأن التوقعات تحتاج عملًا وأوباما لا يأتى ومعه خطة سياسية جديدة، فالتوسط بين إسرائيل والفلسطينيين مازال من السابق لأوانه الحديث فيه ولا حاجة للزيارة لتبادل الأفكار حول إيران، إن الخطبة كالتى ينوى أوباما أن يخطبها من المؤكد أنها حدث يتطلب ظهورًا حيًا فليس من المناسب أن تُخطب فى اليوتيوب الآن، فالانتخابات فى إسرائيل قد انتهت.. فما الذى يتوقعه ؟ هل يتوقع أن يخرج الجمهور إلى الميادين؟


ليس عند أوباما فى الحقيقة ما ينتظره من حكومة إسرائيل، لكن عند الجمهور الذى يبحث عن السلام فى إسرائيل ما ينتظره من أوباما.. لماذا لا يفاجئنا مثلًا ويعرض رؤية عملية لا تكتفى فقط بشعار "دولتين للشعبين" ليقول بصراحة إن الولايات المتحدة قد أصبحت مستعدة حاليًا للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة أو ليعرض خريطة توضح حدود إسرائيل وفلسطين أو يشير لنا كيف تكون سياسة الولايات المتحدة إذا استمرت إسرائيل فى البناء فى المناطق المحتلة أو ليعرض مساعدة مباشرة على الحكومة الفلسطينية تُبعد التهديد الإسرائيلى الدائم لأموال ضرائب السلطة الفلسطينية.

هذا هو المطلوب من رئيس يرى أن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى تهديد لمكانة الولايات المتحدة التى أخذت تضعف فى الشرق الأوسط، وهو لا يستطيع الاكتفاء بالوقوف كالذليل مثل متسول على باب.

إن الإفراج عن أسرى أو نقل أراضٍ أخرى لتكون تحت السيطرة الفلسطينية مهما يكن ذلك مهمًا، فهو إهانة لمفهوم الحل السياسى، ويمكننا الآن أن نتخيل الجدل العاصف فى الكنيست فى مسألة هل يفرج عن الأسرى وكم، ومن منهم؟  وقد يفجر نقل أراض إلى السلطة الائتلاف الحكومى الجديد الذى تم تشكيله بشرط أن يستجيب نتنياهو لتوسل أوباما، ويصبح ما يتم طلبه من إسرائيل هو مركز الجدل العام.. وهذا هو الحد الأقصى كما يبدو الذى يستطيع أوباما توقعه واذا كان هذا هو تعريفه لخفض التوقعات فإنه يفضل أن يتخلى عن زيارته المرتقبة لإسرائيل، فالمجىء بلا خطة سياسية شىء وإهانة الباحثين عن السلام فى إسرائيل وفى فلسطين إضرار استراتيجى مباشر بجمهور يضطر ذات يوم إلى الاقتناع والإقناع بجدية نوايا الولايات المتحدة.

إنه الجمهور ذاته الذى يريد أوباما الآن أن يكسب ثقته وتأييده.. لكن أى تأييد بالضبط؟ وأى ثقة وبمن؟ هل التزام الولايات المتحدة التاريخى بأن تضمن أمن وسلامة إسرائيل يتعلق بالقطارات الجوية المحملة بالأسلحة فقط؟ هل يتعلق بالعرض المذهل للقبة الحديدية؟ هل يتعلق ببيع الطائرات الممتازة والقنابل المتقدمة ؟ إن هذا التصور الذى يبعد السلام عن معادلة الأمن يجعل المسيرة السلمية فى منزلة قاضى خط سياسى مهمته أن يوضح الفرق بين اليمين واليسار فى إسرائيل، وهذا فى الحاصل العام شأن داخلى إسرائيلى لا تهب الولايات المتحدة للتدخل فيه، فضلًا عن أن تعرض عنقها للخطر بوساطة فعالة، وحينما يكون هذا هو التعريف الأمريكى للمسيرة السلمية فلا يوجد ما يتوقع فى الحقيقة.

لا يحتاج المواطنون الإسرائيليون إلى أوباما ليخفض توقعاتهم لأن نتائج الانتخابات وتركيبة الحكومة الجديد قد قاما بذلك بالفعل.. وبالطبع هذا ليس ذنب أوباما أو مسئوليته، ولا يمكن إزالة أضرار الانتخابات عبر أمريكا.. والحقيقة هى أن مواطنى إسرائيل أيضًا لا ينتظرون فى حالة من نفاد الصبر أن يرفع أوباما توقعاتهم، وبدل الانشغال بالرؤى والتخيل.. حان الوقت ليُبين أوباما بتفصيل ودقة الى أين نتوجه.. ونفهم بأنفسنا الفرق بين مواقفه ومواقف حكومة إسرائيل، وبذلك نستطيع على الأقل أن نستعد استعدادًا أفضل للأزمة وللغليان الذى يشتعل على الأرض خلف الخط الأخضر.

* نقلاً عن هاآرتس..
الجريدة الرسمية