رئيس التحرير
عصام كامل

عادل حمودة.. «الدرويش».. الرصاص لم يقتل «هيكل».. وقامته طالت بعدما وقف على أطنان الشتائم.. أطلقنا عليه لقب الكاتب الكبير والأستاذ فاكتفى بقوله «فقاعات منفوخة بالهواء لا تصنع ق

18 حجم الخط

«عادل حمودة» يكتب -أخيرًا- عن الأستاذ محمد حسنين هيكل تحت عنوان «هيكل.. الحياة – الحب - الحرب»، الخبثاء خرجوا ليتحدثوا عن «مسح الجوخ»، لكن الودعاء منا تلقفوا كلماته، وحفظوا مقدمة الكتاب «عن ظهر قلب» لا لشيء إلا أننا ظننا أن «حمودة» يعلمنا كيف يكون «رد الجميل»، ولم يمر على أذهاننا أن الدكتور «جيكل» يتجلى في كتاب «الحياة - الحب – الحرب» وأن «مستر هايد» ينتظر الفرصة ليمارس نزواته وصفقاته وأفعاله القبيحة.

١٤عامًا بالتمام والكمال، والأمور بين «هيكل» و«حمودة» «سمن على عسل»، الأول يتحدث والثاني ينقل عنه، ونحن نبدي فرحتنا لـ«القاصي والداني»... نحمل كلمات «حمودة» في قلوبنا ونوزع محبته لـ«هيكل» على أنفسنا؛ لأن اليوم سيأتي -من المؤكد- لـ«رد جميل حمودة»، ولو بفصل في كتاب، أو مقال، وذلك أضعف الإيمان...!

«إن ما يلفت النظر في التاريخ المهني لهيكل‏،‏ أنه ظل قائمًا مستمرًا‏..‏ فاعلاً ومؤثرًا‏..‏ رغم اختلاف النظام السياسي‏..‏ واختلاف طبيعة العمل الصحفي‏..‏ واختلاف الظروف‏..‏ لقد بدأ عمله الصحفي في ظل النظام الملكي‏..‏ وحصل على جائزة الملك فاروق الصحفية‏..‏ وارتبط بجمال عبدالناصر وأصبح لسانه وعقله في كثير من الأحيان‏..‏ وبعد شهر عسل بينه وبين أنور السادات‏،‏ وقع الخلاف والانفصال‏..‏ وفي كل هذه الأحوال لم يخفت هيكل‏..‏ وواصل صعوده وهو محرر صغير ورئيس تحرير شهير وكاتب من بيته‏..‏ ولم تجد معه كل الحجارة التي ألقيت عليه‏..‏ ولم يقتله الرصاص الذي طارده معظم سنوات عمره‏..‏ بل العكس وقف على أطنان الهجوم والشتائم فطالت قامته‏».

الفقرة السابقة لا تتعدى كونها جزءٍ من مقدمة كتاب «هيكل.. الحياة – الحب - الحرب» للكاتب الصحفي عادل حمودة.. حاول فيه وفقًا لما حاول ترويجه وقتها، رد الجميل لـ«أستاذه» في بلاط صاحبة الجلالة، وأكمل بقوله: على مقعد ثابت، عريض، مصنوع من شرائط الخشب، على الطراز المنتشر في الحدائق العامة يحرص محمد حسنين هيكل على متابعة هذا المشهد الرومانسي الناعم للغروب الذي يشعرك أن الكون كله في حالة صلاة، وهو يتابع هذا المشهد ويندمج فيه يوميًا في أيام الصيف الطويلة التي يقضيها على شاطئ بيته البعيد عن القاهرة بنحو 250 كيلو متر، في قرية تسمى (الرواد) بناها عبدالحكيم عبدالناصر، أحد أبناء صديق عمره جمال عبدالناصر.

ولا يتردد هيكل في التعبير عن انزعاجه لضيوفه المقربين لو فاته هذا المشهد لسبب أو لآخر، وهو ما حدث معي أنا شخصيًا عندما رحت أطارده بأسئلة لا تتوقف، جعلته لا ينتبه، إلا متأخرًا، إلى أن فاتنا الغروب، وأغلب الظن أن هذه مفاجأة لكل من يتصور أن الكاتب السياسي هو قلم بلا قلب، أو قلم بارد القلب، أو أنه شخص مصنوع من الصلب والألومنيوم، يثير المتاعب دون مشاعر، ويفضل العواصف على العواطف، وهو خطأ شائع.

«جورنالجي» بامتياز إن كثيرًا من الكتاب السياسيين الكبار الذين مشوا في طريق الصحافة ذاقوا جنة الأدب قبل أن يحترقوا بجحيم السياسة والصحافة، هيكل نفسه واحد من هؤلاء، فهو يحفظ 10 آلاف بيت من الشعر العربي، ولا يتردد في استخدام بعض أبيات حافظ إبراهيم وأحمد شوقي في إجاباته أو تعليقاته على بعض الأحداث أو المواقف الجارية، كما أنه يهوى سيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب والتواشيح الدينية والموسيقى الكلاسكية التي تملأ مكتبه ويحركها في مكتبه بالقاهرة بالريموت كنترول، كما أنه يحرص في كثير من الأحيان على حضور مهرجان (موتسارت) السنوي هو وزوجته.

وأتذكر أن الكاتب الساخر محمود السعدني كان قد دعا مجموعة من السياسيين والصحفيين، منهم الدكتور أسامة الباز (المستشار السياسي للرئيس حسني مبارك) وإبراهيم نافع (رئيس تحرير الأهرام) والدكتور مصطفى الفقي (مدير مكتب الرئيس للمعلومات ثم سفير مصر في فيينا ثم مندوب مصر في الجامعة العربية) ودعاني أنا.

وعلى ضوء ليلة قمرية في النادي النهري للصحفيين المطل على النيل عند الجيزة كان الحوار ساخنًا، متشعبًا، متداخلاً حول إسرائيل والسلام وإيران والسودان والخليج وشيخوخة السلطة في العالم العربي، وفي وسط هذه السخونة، التي عكست التناقض الواضح بين الصحافة والسياسة، فوجئنا بهيكل يثني على ما كتبه محمود السعدني عن مشاهير قراء القرآن في مصر، في كتابه (ألحان السماء).

وفي مناسبة أخرى عرفت أن هيكل يتابع أيضًا مشاهير النجوم في الفن، إن هناك مناسبة يحرص عليها هيكل في كل رمضان، وهي قبول دعوة إفطار لها مذاق خاص عند صديق بدأت علاقته الحميمة به في السجن هو الدكتور ميلاد حنا، وفي هذه الدعوة تجد عادل إمام ولينين الرملي وفاروق الفيشاوي، ويحاول الفنانون من جانبهم جر هيكل إلى السياسة، ويحاول هيكل من جانبه جرهم إلى الفن، وبين الشد من هنا والجذب من هناك يكون الحوار مثيرًا، لكن أهم ما فيه هو أن هذا الكاتب السياسي الذي شغل الدنيا متابع لما يجري في عالم الفن، ربما بكل ما فيه من كواليس وشائعات ونميمة، وهو ما يؤكد أنه نموذج مثالي للمخبر الصحفي الذي لا يفوته أي شيء يجري في المجتمع، مهما كان بسيطًا أو صغيرًا.

إن الصحفي لا يموت لو ترك منصبه، ولكنه يموت لو ترك مصادره، ولهذا السبب يفضل هيكل لقب (الجورنالجي) أنه الوصف الأثير له، أما تلك الأوصاف التي أعطيناها لأنفسنا أو خلعناها على بعضنا البعض من نوع ووزن (الأستاذ الكبير) و(الصحفي الكبير) فكلها كما يقول هيكل بنفسه: (فقاعات ملونة منفوخة بالهواء لا تصنع قيمة ولا تؤكد مكانة).

ويستطرد: (إن كل صحفي يجب أن يكون بالدرجة الأولى (جورنالجي) يتعامل مع الأخبار باعتبارها المادة الرئيسية لصناعته، وهو يستطيع أن يحسن العرض، ويجيد اللغة، ويزيد في التفاصيل، ويهذب، ويصقل، ولكنه وهو بفعل ذلك لا ينبغي له أن ينسى مادته الرئيسية الأولى).

لكن يبدو أن السلطة السياسية في مصر لا تصدق أن (الصحفي) أو (الجورنالجي) يمكن أن يولد بعيدًا عنها، أو يمكن أن يعيش وينمو ويكبر ويزدهر لو خرج من رحمها أو رحمتها.
الجريدة الرسمية