رئيس التحرير
عصام كامل

رئيس في أزمة


نحن بإزاء حالة عادية تكررت تاريخيا في مصر وفي العالم العربي والإسلامي، وهنا تكمن خطورتها.. الخطر كل الخطر في أن يعيد التاريخ نفسه أو نحاول نحن نحته وتكراره بنفس الملامح في ظل زمن لا يعرف حاضرا، زمن المستقبل فيه هو الحاضر فلا وجود إلا للغد، فما بالك بمن يريدون استنساخ الماضي، ثم تكييفه مع رؤى شخصية قد تدفع بنا جميعا إلى ما لا يحمد عقباه، وقد يظن البعض أن ذلك بعيد عنهم، ولكن ما تعلمناه من التاريخ الذي لا يمكن استنساخه أن الخطر عندما يلم بوطن لا يستثني منه أحدا.


مشكلة الرئيس السيسي في الحكم في مصر، لا تكمن في عدم توافر الأموال الكاملة التي تمكنه من إتمام مشروعات عملاقة يحلم بها، وليست مشكلته كذلك في وجود الإخوان المسلمين أو الجماعات الأخرى السلفية التي يمكن إسكاتها بقليل من الحرية الدعوية وبعض المقاعد البرلمانية في مجلس النواب المبشر به ولو بعد حين.. مشكلة الرئيس الحقيقية في أنه لا يجد من يعارضه، المعارضة بمعناها الإيجابي الذي يتيح له مناقشة أفكار ليست بالضرورة متوافقة مع نهجه الفكري أو قناعاته الشخصية والسياسية، وبذلك يجد الرجل نفسه في موقع المسئول الأوحد عن وطن في أزمة، وللحق فتلك الأزمة متراكمة متكلسة منذ عقود طويلة تخطت النصف قرن.

الرجل يجد كل من هو حوله مصفقا مبتهجا مهللًا مكبرا لأي قرار يتخذه أو أي فكرة يطرحها، بل إن من هم بعيدون عنه قليلا يجدون أقرب الطرق للوصول له هو التزلف والتقرب بالمديح والتأييد في كل الملفات، حتى إن كانوا لا يفقهون عنها شيئًا!

خذ مثالا على ذلك اقتصاديا وسياسيا، ستجد مجموعة شيوخ اليسار المصري الذين كانوا يسبحون بحمد مبارك ويعارضون على استحياء خصخصة القطاع العام وبيعه بثمن بخس، ينقبلون الآن على مبادئهم وأفكارهم السياسية التي ادعوا اعتناقها لأزمان طويلة، ويؤيدون كل مشاريع الرئيس وهي رأسمالية التوجه قولًا وفعلًا، حتى أنهم إن قام أحد من شباب اليسار بالتحدث عن العدالة الاجتماعية وقيم الثورة، ثورة يناير، التي كثيرا ما يشير إليها الرئيس في خطاباته وأحاديثه الودية، تجدهم يخونون كل ذي رأي مخالف لسياسة الرئيس، معتقدين أن إنهاء حكم الإخوان أو اليمين الديني الذي لا يختلف في توجهاته الرأسماليه عن اليمين القائم فعليا في مصر الآن، هو هدف وغاية تحققت ولا وجود لأهداف أخرى!

هؤلاء بحق هم الغمامة التي تحجب عن الرئيس واقع الحياة، فالفقر هو أقوى أسلحة الدمار الشامل، وغياب العدالة هو أكبر معول هدم للمجتمعات عامةً، فما بالك بمجتمع أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر.. أي بدخل يقل عن ثمانية جنيهات يوميا ونسبة أمية قياسية ويمين ديني يراهن الناس يوميا في إعلامه على فشل سياسات الرئيس الاقتصادية والاجتماعية، متشفين في الشعب الذي انقلب عليهم منتظرا كثيرا من الدعم والعدالة من خلفهم، فإذا به يجد الدعم يتلاشى يوميا والعدالة في خبر كان، بل إن الوعي السياسي يكاد يكون منعدما عن وزراء حكومة محلب التي لا ترى إنجازا لها سوى بتذكير المواطنين يوميا بقرب موعد إلغاء ما تبقى من دعم في يوليو، وكأنهم يذكرونهم بالبشارة العظمى وهي استحالة الحياة بعد شهور قليلة!

هنا كان ينبغي أن يكون للرئيس معارضة صادقة وطنية حقيقية وليست مجموعة عواجيز اليسار الذين أصابتهم انتهازية الرأسمالية فاعتنقوها على كبر، كمن باع دينه في أواخر عمره بعرض من الدنيا، اللهم أحسن خاتمتنا، باعوا مبادئهم في ليلة وضحاها مكتفين بما تربحوه من قربهم وتمحكهم في دوائر الحكم، بتعيين أحد أبنائهم أو الحصول على منحه تفرغ للإبداع من وزارة الثقافة، بينما هم مبدعون حقا في النفاق والتدليس وإخفاء حقائق الواقع عن الرئيس!

لا نجد أحد يهمه الهم العام ولا حتى مصلحة الرئيس الذي إن غضب الشعب عليه يوما، سيجد هؤلاء المنافقين الأفاقين أول الهاربين.. وبالأمس كان الرئيس يتحدث عن أهمية وجود برلمان منتخب ولكن.. الرجل يريده متوافقا مع سياساته حتى يقول ليديه انتخبوا تلك القائمة، أي بمعنى أدق برلمانا مكملا لبرامجه متوافقا عليها غير معارض لها.. بالطبع هذا ينفي عن البرلمان صفته وحيثيات وجوده من مراقبة لدوائر الحكم ومحاسبة للحكومة ومعارضة لقرارات الرئيس إن كانت غير موفقة، بالطبع لا يعني هذا انتقاصا من قدر الرئيس أو فكره، ولكن الرجل في النهاية بشرًا، يصيب ويخطأ، ويحتاج لمن يشر عليه ومن يعارضه ومن يؤيده، ومن يوضح له ما التبس من أمور يستحيل أن يلم بها فرد واحد مهما أوتي من قوة.. تلك هي مشكلة الرئيس مع من حوله.. لا أحد يعارضه.. الرجل في أزمة حقيقية.

fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية