رئيس التحرير
عصام كامل

تراجع شباب الثورة بتونس أمام عودة رموز نظام بن علي

فيتو

يثير عزوف فئات من الشباب التونسي، وضمنهم نشطاء بارزون أيام الثورة، عن المشاركة في الانتخابات تساؤلات الخبراء حول أسباب الظاهرة، وتأثيراتها على المشهد السياسي في ظل المخاوف من "عودة رموز النظام القديم".

من يتابع ما تنشره الناشطة التونسية لينا بن مهني على مدونتها، يرصد عدم اكتراث منها بآخر أطوار سباق الانتخابات الرئاسية المثير، مقابل التركيز على بعض القضايا الاجتماعية أو قضية زميلها المدون سفيان الشورابي الذي اختطف في ليبيا منذ أشهر.

وتحمل تدويناتها عن المرحلة الانتقالية مسحة من التشاؤم، بخلاف ما كانت تنشره من دعوات لحث الشباب على المشاركة السياسية إبان بدايات الربيع العربي، بل إنها كانت تحمل لقب "أيقونة الربيع العربي".

بينما يبدو المدون عزيز عمامي، مهتما بمتغيرات المشهد السياسي وخصوصا بعد الانتخابات التشريعية، وبسلوكيات شباب الثورة، وهو يحث من خلال تدويناته شباب الثورة على استعادة زمام المبادرة ويوجه خطابه بشكل خاص للشباب العازفين عن الاقتراع إلى المسارعة باختيار "رئيس يساند ثورتهم بعيدا عن التصويت عقابا لبعض الأحزاب".

بالنسبة لعزيز العمامي فهو "يؤمن بقوة الشباب في تقرير مصيره بنفسه، ولكن حراكه لم يعد يحمل الحماسة التي كانت تقوده أيام الثورة على نظام زين العابدين بن على".

بعض الشبان الذين ساهموا في قيادة الحركة الاحتجاجية من أجل رحيل نظام المستبد بن على، وإرساء نظام ديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، يتصدرون الآن حملة مقاطعة الانتخابات، وهم يرون الآن في الانتخابات "مجرد وسيلة للمرشحين بهدف المرور إلى صيغة دائمة للحكم وإنهاء فترة الانتقال الديمقراطي".

وأسس عدد منهم "ملتقى مقاطعة انتخابات 2014" ويتخذون من مواقع التواصل الاجتماعي فضاء للتعبير عن آرائهم التي تكاد تهيمن على صفحات فيس بوك وتويتر في مواجهة دعوات باهتة للمشاركة في الاقتراع تقوم بها الهيئة العليا للانتخابات أو هيئات حزبية.

ويعتقد عبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ السياسي المعاصر بجامعة تونس، أن "الشعور بالإحباط نتيجة زيف وعود الفاعلين السياسيين المشاركين في الانتخابات السابقة بات مسيطرا على قلوب شباب تونس الذي فضل الاهتمام بمشاغله على أن يدلي بصوته لأطراف سلب عقولَهم هوسُ السلطة، ليتجاهلوا شباب الثورة وأهدافها".

ويرى خبراء علم الاجتماع أن هذا الإحباط ناتج من إقصاء هذه الفئة من المشاركة في صناعة القرار بعد الثورة، من خلال غياب تمثيلية الشباب في الأحزاب السياسية وحتى البرامج. مما خلق لديهم على حد تعبير الخبير في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد، "نوعا من اللامبالاة جعل طيفا منهم يجد له مبررا في الامتناع عن المشاركة وفي ترويج ثقافة اليأس من قدرته على التغيير وعدم الجدوى من صوته في تغيير المعادلة"...

ويثير عزوف الشباب عن الانتخابات في تونس تساؤلات الخبراء، ولاسيما فئات من الشباب الذين لعبوا دورا بارزا إبان الثورة في النضال السياسي من أجل إرساء نظام ديمقراطي.

بعض الخبراء يعتبرون هذا العزوف "شكلا احتجاجيا"، بينما يرى آخرون أنه "مجرد طريقة لمعاقبة الطبقة السياسية"، وبكونه تعبيرا من فئات شبابية عن إحباطها بعد أن تبين لها أن المطالب التي قامت من أجلها ثورة الياسمين تحولت إلى مجرد وعود انتخابية، وهي (تلك الفئات) تجد نفسها الآن في مواجهة متاعب الحياة والبحث عن فرص العمل والبحث عن حلول لمواجهة الفقر والتهميش.

ولذلك تبدو شعلة الثورة وكأنها تنطفئ في قلوب أحد أهم المدونات في فترة الثورة، لينا بن مهني، التي تعتقد بأن أهداف الثورة "قد دفنت مع شهدائها وأن التضحيات لم تضمن إلا عودة ميمونة للنظام المخلوع".

فالمدونون الذين كانوا أيام الثورة في صدارة الداعين إلى "اجتثاث كل المنتمين إلى النظام السابق ومحاربة الفاسدين والانتهازيين الطامعين بالسلطة" وكانت استحقاقات الثورة أكبر هواجسهم، اختار عدد منهم الانضمام إلى منظمات المجتمع المدني الدولية تأمينا لمواطن شغل تضمن استقرارهم.

لكن الباحث عبد اللطيف الحناشي لـ DW عربية، يرى أن المقاطعة لم تكن بالنسبة للشباب التونسي، تخليا تاما عن ثورتهم، مشيرا إلى حرص نشطاء شبان كثيرين خلال الانتخابات التشريعية على تأمين مكاتب الاقتراع والانضمام تطوعا إلى منظمات مراقبة الانتخابات بهدف إنجاح هذا الاستحقاق.

ويتوقع الباحث عبد اللطيف الحناشي أن الهجمات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت استقرار تونس، ستدفع قسما مهما من الشباب إلى مكاتب الاقتراع في الانتخابات الرئاسية على اعتبار أن الظروف الأمنية سبق وأن لعبت دورا مهما في ارتفاع نسبة المقترعين في الانتخابات السابقة.

ولئن كانت "حركة نداء تونس" التي تضم وجوها محسوبة على النظام السابق، من أكثر القوى السياسية المستفيدة من مقاطعة الشباب للانتخابات، حسبما يرى الحناشي، فإن توقعاته للرئاسيات تتجه نحو "استفادة المترشحين الذين عرفوا بنضالاتهم وبالتزامهم السياسي" على حد تعبيره.

ويبقى التكهن بنسبة إقبال الشباب التونسي على الانتخابات الرئاسية المقبلة سابقا لأوانه، ولكن بعض التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض التقارير التليفزيونية أظهرت عزم فئات من الشباب على المشاركة في التصويت للرئاسيات بهدف "تعديل البوصلة ومنع العودة إلى المربع الأول"، خاصة أن التقارير ذاتها عكست ندم البعض منهم على المقاطعة التي أفرزت عودة رموز النظام السابق إلى مواقع القرار، الأمر الذي يتعارض وثورة شباب الرابع عشر من يناير، كما يقول عدد من النشطاء الشبان.

هذا المحتوى من موقع شبكة ارم الإخبارية اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية