هل المفهوم العروبي أصبح من الماضي عند حكام العرب؟
لاشك أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وإسرائيل استطاعوا خلال الستين سنة الماضية وبالتحديد بعد موت عبد الناصر أن يعملوا كل جهدهم للخلاص من الفكر العروبى والقومى الذي جسدته ثورة 23 يوليو، وكان أول الغيث قطرة؛ لأنهم كانوا واثقين كل الثقة أن بموت زعيم الثورة الذي جسد هذا الفكر وأرساه بين الشعوب العربية جميعها، سوف تموت هذه المعتقدات مع أول حاكم يحكم مصر من بعده لأنهم كانوا يعلمون مسبقا بعد دراسة سيكولوجية ونفسية قاموا بها لتحليل شخصية " السادات " ليتأكدوا أنه من أفضل الشخصيات التي تعشق الولايات المتحدة بجنون وهوس، لذلك كان لابد أن يقع عليه الاختيار ليكون خلفا لعبد الناصر.
ولقد صدق بالمنطق الذي لا يقبل شك ما عرفوه عنه بعد هذه الدراسة السيكولوجية ليتأكدوا أنه سيقوم بعمل كل ما يملى عليه من خدمة لهم ولإسرائيل حبا في الشهرة والجاه وسد النواقص الكثيرة التي كان يعانى منها منذ طفولته، قالوا له وخدعوه بأنه سيكون أول رجل ينادى بالسلام، وستكون لك السطوة على العالم العربى، ففعل ما أرادوه وكانت الكبوة الكبرى التي وقعت فيها الشعوب العربية بعد توقيعه للمعاهدة المشئومة والتي أودت بحياته بعدما تيقنوا من الدور الذي كان يجب أن يقوم به قد كان ( تخلصوا منه ) بعد أن حطم الحلم الكبير الذي كانت تحلم به الشعوب العربية من أقصاها لأقصاها، القومية العربية.! ثم جاء خليفته ليحطم ما تبقى من الحلم ويقضى على الفكرة نهائيا حتى يهيئ المناخ الجيد "للسلام" أو للاستسلام.! لقد سلمنا كل منهما بعدما بدلوا الفكر العروبى بالخنوع والخضوع للفكر الاستسلامى وتقزيم مصر والوطن العربى وفقدان الكرامة وضياع الهوية.!
والغريبة أن حكام العرب استساغوا الفكرة ورحبوا بها فكل منهم يود أن يكون صديقا ومحبا للولايات المتحدة، فقبلوا المهانة والذلة وبنوا على أراضيهم القواعد الأمريكية بكل حب وفخر، ثم مدوا أيديهم إلى الكيان الإسرائيلى بعدما أقامت مصر سفارة لهم على أراضيها، قام بعضهم بنفس العمل، وكان الهدف من وراء كل هذا هو القضاء على القومية العربية وعلى المقاومة التي أسسها عبد الناصر بعد النكسة والتي أتت بثمارها في وقت وجيز جدا كادت إسرائيل تبكى من هول ما خسرته خلال هذه الفترة.
وبذلك نجحوا بالفعل في مخططهم الذي لم يقف عند هذا الحد؛ لأنهم كانوا يعلمون أن المكاسب الكبيرة التي سيجنوها من وراء ذلك، هو القضاء على فكرة المطالبة بانتهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وإقامة الدولة على أراضيها، فكان من الضرورى القضاء على "عرفات"، فتخلصوا منه مسموما كما فعلوا مع عبد الناصر.!
وبنفس الهدف نصبوا "عباس" حتى قال "شارون" علينا أن نظل نتفاوض مع هؤلاء إلى أن ييأسوا، ولم نمكنهم من أي مكاسب، ولقد صدق، فلمدة ثلاثة وعشرين سنة مفاوضات ولم يقتنع "عباس" ومن معه حتى هذه اللحظة بأن هذه المفاوضات عبثية وتضييعا للوقت، فلقد أقاموا خلال هذه الفترة مئات المستوطنات التي جلبت ملايين اليهود حتى وصل تعدادهم اليوم إلى تسعة ملايين، علاوة على أنهم استولوا على 75 %من الأرض ولم يتبق للفلسطينيين إلا 17% مما تبقى منها.
هكذا هو حال الأمة العربية التي سرقت منها قوميتها وعروبتها، عدا سوريا التي تعاقب اليوم أشد العقاب، لأنها متمسكة بهذا الفكر، إلى درجة أن دولا عربية تشارك في التمويل بالسلاح والأموال من أجل القضاء عليها، فهل يمكن لمصر أن تقوم بدور عروبى من أجل سوريا العروبة؟ هل يمكن لمصر أن تعيد للعرب عروبتهم بنصرة سوريا؟ هل يمكن لمصر أن تساعد سوريا ولو لوجستيا ولا تحسب أي حساب لأى كان؟ أنا أعتقد أنه من الممكن ذلك إذا كانت مصر تريد استعادة موقعها العروبى والقومى!
Dr_hamdy@hotmail.com