رئيس التحرير
عصام كامل

السمع والطاعة عند الجماعة

فيتو

فى البداية أعنى بكلمة الجماعة هى كل تجمع قائم على اعتبارات دينية، سواء كانت هذه الاعتبارات إسلامية أو مسيحية أو يهودية، وهو ما يمكن وصفه بدقة السيطرة على الأفراد والمواطنين باسم الدين ومحو الفكر والتدبر الإنسانى والانتماء بالهوى والعقيدة وبمعنى آخر هو السيطرة الروحية على عقول البشر أياً ما كانت توجهاتهم العقائدية.

ففى كثير من الأحيان أجد نفسى متأملاً هذه النماذج من البشر التابعة والمسيطر عليها لا أجد إلا نموذج أحمد سبع الليل فى فيلم البرىء، ذلك المجند القروى المحب لمصر نبيل الخلق بفطرته والذى يسير كيفما يملى عليه بغير عقل أو فكر أو حتى وازع من ضمير فى صحة فعله من عدمه وبلا أى تحليل.ولا أجد لنفسى سبيلا إلا أن أحمل وألقى بالتهم على النظام السابق فى مصر الذى دفع كثيرا من فئات المجتمع إلى التقوقع تحت سيطرة روحية أو عسكرية وهذا غالباً ما تحدثه الدول الاستعمارية بحكم طبيعها الاستبدادية فى العالم بفرض السيطرة من خلال أمرين إما قوة عسكرية غاشمه مستبدة أو استبداد تحت سيطرة روحية طواعية ولأن الأمر الأول كان موجوداً كنظام سياسى فى مصر بات فى الثلاثين عاماً الأخيرة أهمية وحتمية لظهور تقسيمات عرقية أو دينية أو مذهبيه فى المجتمع المصرى، سواء كانت قديمة أو حديثة ومن هنا بزغت ظاهرة السيطرة الروحية للجماعات الدينية المختلفه باسم الدين وعليه بدأت الكنيسة فى قوقعة أتباعها داخل الكنيسة وتحويل مفهوم الحياة لديهم فى الكنيسة وارتباط الناس فى أدق تفاصيل حياتهم بالكنيسة لتبزغ سيطرة الكهنة والقساوسة الروحية على أتباعهم ماضين فى خطاهم فيما يتعلق بالشأن العام باعتبارها تعليمات من السماء وحماية للدين لا يخطئ من يوجهوننا نحوه، متعمدين تجاهل سيطرة الأمن والنظام على كثير من هؤلاء الكهنة والقساوسة وقد استخدمتهم لخدمة مصالحه المباشرة مقابل بعض الامتيازات والمصالح لهذه القيادات وهى مصالح سياسية باقية زائلة ولا علاقة لها بالسماء وفى كل الأحوال.وبنفس المنهج التآمرى الاستعمارى على الدولة كان هناك حتمية لتقسيم المسلمين أهل السنة فى مصر فدعمت وبشدة جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية والتوجهات الصوفية للعمل من أجل استقطاب وتقسيم المسلمين داخل مصر من خلال سيطرة المرشد أو الشيخ أو الشريف وبعلم الأمن على أن يدور جميعها فى فلك واحد، وهو البعد عن نظام الحكم والاستخدام فى العمل السياسى لصالح النظام وأن الوقائع تثبت أن من كان يتخطى هذا الخط كان يواجه بأشد وأبشع انواع التنكيل وأن المسألة لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد وإنما ستار للتمكين والاستغلال والتوجيه وهنا يثور التساؤل – حول خطورة هذه الجماعات فى استخدام السمع والطاعة للسيطرة الروحية وتوجيه الناس واستغلالهم سياسياً بعيدين كل البعد عن الأصل فى المنهج الإسلامى وهو حرية الفكر ولأن هذه الجماعات تحول الإنسان إلى آلة تنفذ مخططاتها وتجرده مما منحه الله من ميزة وهى العقل الذى يميزه عن سائر المخلوقات، وبالتالى يتحول إلى تابع لا يدرك لا يفكر لا يحلل غير قادر على اتخاذ القرار، وهو ما يخالف الأصل فى حرية الفكر فى الإسلام، فقد ذكر سيدنا عمر بن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً وقال سيدنا الإمام على بن أبى طالب لا تكن غيرك وقد خلقك الله حراً .فالأصل فى خلق الله هو ولادة الناس أحرارا فى الفكر وأن الإسلام قد حث الناس على التدبر والفكر، فقال تعالى ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) سورة الحج 46، وقال تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) سورة سبأ 46.

 كما ذكر د. يوسف القرضاوى فى أكثر من موضع له فى كتاباته على أن:(الاسلام اعتمد فى إثبات العقيدة على الأدلة العقلية وأن علماء الإسلام قالوا (إن العقل الصريح أساس النقل الصحيح) وذكر فضيلته:إن حرية الفكر لتحقق نتائجها فى المجتمع لابد من احترام الرأى والرأى الآخر وقبول النقاش وقبول أن أكون خاطئاً وأن تكون جماعتى أو عشيرتى خاطئة، ولا يحق لأحد أن يمارس الوصاية على أفكار الناس ونواياهم، ومن ثم تكون دعاوى التكفير وغيرها مظهرا للإرهاب الفكرى، حيث يدعى البعض لنفسه ما هو ليس أهلاً له.... وذهب أيضاً (إلى أن حرية القول والنقد أيضاً أقرها الإسلام، بل جعل ما هو أكثر من الحرية، إذ جعل القول والنقد إذا تعلقت به مصلحة الأمة ومصلحة الأخلاق والآداب العامة أمراً واجباً.وعلى أثر ذلك يتضح بجلاء أن هذه الجماعات، سواء الإسلامية منها أو المسيحية إنما تلعب نفس الدور الذى لعبته الكنيسة فى العصور الوسطى، ولكن بمعطيات هذا العصر فهذه الجماعات، سواء الإسلامية منها أو المسيحية أغفلت مهمتها الروحية وطغى عليها طموحاً سياسياً واقتصادياً وشهوه غير مسبوقة لأربابها فى الحكم والسيطرة على البلاد والعباد باسم الدين، وأن هذه الجماعات، سواء الإسلامية منها أو المسيحية تدفع مصر دفعاً نحو مصير ( الصومال – ليبيريا – أوغندا - السودان) وغيرها من دول شرق وغرب أفريقيا... وهو أن تظل البلاد فى حالة صراع قائم ودائم بين تيارات تتناحر فيما بينها وعليه تزداد المسافة وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع فى استحالة الاندماج والعيش فى كيان واحد يستطيع ان يكون قوياً موحداً يمكن من خلاله بناء دولة بعدما أصابها الخراب وأن يحقق تنمية حقيقية تغنى مصر عن السؤال وتغنى المواطن المصرى عن مد اليد وتمنحه حرية حقيقية فى تملك قراره السياسى وتحديد مصيره بلا تدخلات خارجية.وعلى الجميع الآن أن يتوقف عن استغلال الدين فى السيطرة على المجتمع سياسياً وأن تجلس كل هذه الجماعات الإسلامى والمسيحى منها والتيارات المدنية (اليسارى واليمنى) منها لتحدد ثوابت لإدارة وحكم هذه الدولة فى البحث عن مشترك العمل الوطنى وصالح مصر، فالدين ركن أساسى من ثوابت هذه الأمة لا يمكن الاستغناء عنه وأن الأصل فى قيام الدين هو ركنى العقيدة والإيمان، وهما الباعث الحقيقى لوضع منهج أخلاقى يضبط سلوك الفرد والجماعة ويحدد ثوابت للحياة نعمل من خلالها.وأن هذه الثوابت يجب أن تنظم بمجموعة من القوانين الإدارية التى تحدد شكل الثواب والعقاب لا تخرج فى مضمونها عن الكليات الخمس التى حماها الإسلام لقيام المجتمع وهى ( الدين – النفس – العقل – النسب – المال).

على أن يكون هذا كله فى إطار دولة مدنية تقبل بتداول سلمى للسلطة قائما على اختيارات الديمقراطية محترمًا لكافة الحقوق المتبادلة لكل المواطنين، سواء ما هو لهم أو ما هو عليهم، مقدرًا لقيمة التنوع والاختلاف التى يجب أن توظف لصالح الدولة المصرية مقدرًا الاختلاف فى الرأى لكونه طبيعة كونية نتعاطى معها بمبدأ الإقناع والحجة بالحجة.وعليه فإنى أحذر من خطورة عدم حدوث ذلك واستمرار تردى الأوضاع الحالية والتجارة باسم الدين لأن هذه الأمور لا تخدم سوى مصالح الدول الطامعة فى مصر وهى أمريكا وإسرائيل وغيرها من دول استعمارية قديمة، ولا أجد خير ختام سوى قول عالم الأزهر الشيخ / عبد المتعال الصعيدى فى كتابه / حرية الفكر فى الاإسلام ووصفه للحرية السياسية: (بانها احترام رأى الفرد فى الحكم بحيث لا تضيع شخصيته فى شخصية الحاكم، بل يكون لرأيه سلطانه فيما يراه ولو تعلق بشخص الحاكم نفسه فيكون له الحق فى معارضة إسناد الحكم إليه وفى نقد أعماله بالوسائل النزيهة فى النقد)

رحم الله علماء هذه الأمة بحق.

الجريدة الرسمية