رئيس التحرير
عصام كامل

أمريكا وإسرائيل.. و"الصوفية هي الحل"


عندما وقعت أحداث سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة بدأت واشنطن في سياق حملتها الشاملة على ما يسمي الإرهاب بدراسة إمكانية تعميم الصوفية بحيث تصبح هي الشكل المستقبلي للإسلام ويعول الأمريكيون في تصورهم هذا على ما جاءت به تجربة النقشبندية في تركيا، حيث استوعب المتصوفة قيم العلمانية وطوروا رؤيتهم الدينية لتواكب العصر وتتماشي مع النهج الديمقراطي. 


وهو ما أكده المستشرق الداهية (برنارد لويس) في العديد من المقالات والمؤتمرات التي شدد فيها على أن المخرج من الأزمة التي تعيشها أمريكا يكمن في جماعات الصوفية على مستوى العالم.. ومثلما فعل نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر حين سعى للتودد لعلماء الأزهر ومشاركتهم احتفالاتهم الدينية قبل أكثر من مائتي عام حرص السفير الأمريكي الأسبق في مصر فرانسيس ريتشاردوني على حضور احتفال الطرق الصوفية بمولد السيد أحمد البدوي ومشاركتها فعالياتها.

ريتشاردوني سار على خطي نابليون في التقرب إلى الصوفية وهي ما تسميها مراكز الابحاث الأمريكية ب(المنطقة الرخوة) في الإسلام وأن جماعات الصوفية يمكن أن تحل محل العديد من الجماعات الإسلامية.
 وكانت مجلة 'يو إس نيوز' الأمريكية قد كشفت عن سعي الولايات المتحدة لتشجيع ودعم الصوفية كإحدي وسائل التصدي للجماعات الإسلامية. وبحسب المجلة فإن الصوفية تسعي للعودة ثانية حيث يوجد عشرات الملايين في وسط وجنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا ومئات الملايين الآخرين من التابعين للتقاليد الصوفية.

ومن بين التكتيكات السياسية في هذا الشأن استخدام الدعم الأمريكي لاستعادة الأضرحة الصوفية حول العالم وترجمة مخطوطاتهم التي ترجع للعصور الوسطي وكذلك دفع الحكومات لتشجيع نهضة الصوفية في بلدانهم.

وتحت عنوان (فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية) عقد مركز نيكسون للدراسات السياسية مؤتمرا موسعا منذ عامين لمحاولة تقديم الصوفية كبديل للجماعات الإسلامية التي تصفها واشنطن ب(المتشددة).

وتؤكد الدراسة أن اهتمام مركز نيكسون للبحوث بالتصوف إنما هو امتداد للاهتمام الغربي عموما ومراكز البحوث والدراسات والأقسام العلمية بالعالم الإسلامي.. ويأتي ضمن هذا الاهتمام المؤتمر الذي عقده مركز نيكسون للبحوث لتقديم النصح والمشورة للإدارة الأمريكية في كيفية فهم التصوف وتفعيل دوره في السياسة الخارجية الأمريكية.

إسرائيل هي الأخري لم تكن بعيدة عن المشاركة في الرؤية الأمريكية لمقاومة الفكر المتشدد ولكن مراكز أبحاثها قامت بتقديم عدد من الدراسات لعل أهمها الدراسة التي قدمت إلى مؤتمر هرتزيليا السابع تحت عنوان: (الصراع بين الإسلام الراديكالي والغرب) والدراسة هي مشروع بحثي تم بالتعاون بين معهد السياسة والإستراتيجية بمركز هرتزيليا وبين كل من مؤسسة هادسون لدراسات الإسلام والديمقراطية حيث يري (شامويل بار) وهو مدير شئون الدراسات بمعهد السياسة والإستراتيجية التابع لمركز هرتزيليا وحاصل على دكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب وسبق له العمل على مدى 30 عاما بالاستخبارات الإسرائيلية أن ظاهرة الإسلام الراديكالي تعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل المرتبطة بالجانب الثقافي وهي البنية التحتية للعقائد الإسلامية التقليدية غير الموجودة بالثقافات الأخرى والدور الخاص للعرب في الإسلام ونشر الإسلام الراديكالي بمختلف أنحاء العالم المسلم وأزمة السلطة الدينية التي يعانيها الإسلام منذ مطلع القرن العشرين واتساع الصدع بين العالم المسلم والغرب نتيجة الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين المسلمين بالغرب.

ويرى شامويل أن الحل لأزمة الراديكالية يكمن في تعزيز مدارس دينية معتدلة ومراكز للفقه بالغرب للتصدي للنفوذ الراديكالي، وتشجيع بعض تيارات الأقلية وعلى رأسها الصوفية بهدف مجابهة الراديكالية، وكذلك تشجيع التوجهات الشيعية التقليدية المسالمة بمدينتي قم والنجف في مواجهة التوجهات التي نشرها الخميني.

وفي المجمل فإن الرؤية الأمريكية الغربية للملف الصوفي تبدو في مرحلة التنفيذ وأنه على الدول الإسلامية أن تكون مستعدة لمواجهة المزيد من الأزمات في حالة رفض الأطروحات الأمريكية وخاصة أن رهان أمريكا على جماعة الإخوان المسلمين قد سقط.. وأن ازدياد نفوذ التشدد الذي تمثله داعش يقتضي بناء حائط صد وسطي يمثله عشرات الملايين من أتباع الصوفية حول العالم.
الجريدة الرسمية