رئيس التحرير
عصام كامل

«كحك قبلي» بالفيوم من الإرهاب إلى التنوير.. انتشار التكفير بالقرية من قبل «الشوقيون» مع بداية الثمانينات.. الأهالي يتجهون للتعليم والتطوير بعد القبض على الإرهابيين.. وعودة المتطرفي

فيتو

تعد قرية "كحك قبلي" بالفيوم، والتي تبعد عن بحيرة قارون 3 كيلومترات، واحدة من القرى التي سطرت تاريخا إرهابيا غير مسبوق لأي قرية من قرى المحروسة، حيث بدأت كحك خطواتها الأولى على طريق الإرهاب بعد أن انشق المهندس شوقي الشيخ، عن جماعة الدكتور عمر عبد الرحمن، في بداية ثمانينات القرن الماضي، واعتقل في أحداث مقتل الرئيس أنور السادات كما اعتقل معه محمد عبد الرحمن، وعندما خرجا من المعتقل بدآ في تكوين جماعة "الشوقيين" والمعروفة بجماعة "التكفير والهجرة" واتخذا كحك مقرا لهما.


"تجنيد شباب ونساء القرية"
وبدأ شوقى في تجنيد رجال وشباب القرية، وبدأت زوجته في تجنيد النساء في أواخر الثمانينات، البداية كانت بعدد من دروس في التوحيد والعقيدة ومبادئ الإسلام ولما اشتد عضدهم بدءوا في تكفير كل من حولهم وكان مبدؤهم "كل من ليست له لحية كافر، وكل ملتح لا يتبع جماعتهم كافر"، وأحلوا الحرام وحرموا الحلال واعتبروا أنفسهم في حالة حرب مع أهالي القرية الذين اتهموهم بالكفر، فالذي لا يحتك بهم يعتبر من وجهة نظرهم كافرا مسالما، والذي يحتك بهم هو كافر محارب، وبدءوا في محاربة "الكفار" المحاربين وقاموا بتقطيع أشجار الزيتون التي يمتلكونها وكل ما هو مثمر وذبحوا مواشيهم وأحرقوا محاصيلهم في الحقول ودب الخوف في نفوس الأهالي واتبعوهم اضطرارا.

وكان الشوقيون يكفرون الحاكم والمجتمع ويحلون مال المسيحيين ونسائهم وذهبهن، ومال ودم غير المنتمين للجماعة لأنهم من وجهة نظرهم غير مسلمين، ثم تطور صراع الشوقيين مع المجتمع بعد أن انتشرت سرقات محال الذهب والماشية وتبين للأجهزة الأمنية أن وراء هذه السرقات جماعة الشوقيين الذين يعتبرونها غنائم حلال.

وبدأ جهاز أمن الدولة رصد الشوقيين في كل قرى مركز إبشواي، ما أدى إلى مواجهة مباشرة بين الأمن والشوقيين، نتج عنها مقتل المقدم أحمد علاء ضابط أمن الدولة، رئيس قسم مكافحة النشاط الديني بفرع الفيوم عام 199، حيث نصبوا له كمينا أمام مكتبه بالفيوم وأطلق عليه اثنان يستقلان دراجة بخارية النار من سلاح آلي فأردياه قتيلا داخل سيارته ولاذا بالفرار.

وشمل قرار الاتهام 9 أفراد هم "مرسي محمد رمضان، محمد محمود عبد المنعم، خليفة محمود رمضان، نور محمود رمضان، أحمد سليم، محمد سليم على كحك، رجب محمد إبراهيم عبد الرزاق، خالد محمود السيد خالد، وإبراهيم عبد التواب مرسي".

وكان عديدون اتهموا المقدم أحمد علاء بأنه جرد زوجة أحد قادة الشوقيين من ملابسها وأجبرها على السير شبه عارية عبر شوارع قريتها لأكثر من ساعة بسبب رفضها الإدلاء بمعلومات عن مكان هروب زوجها الهارب، ورأى الشوقيون أن عقابه القتل وهو ما حدث.

"قتل زعيمهم بـ70 طلقة"
فما كان من أجهزة الأمن إلا أن عاقبت جميع أهالي القرية، بعد أن تتبعت شوقي الشيخ، حتى تمكنوا من قتله بعد معركة بالسلاح الآلي دامت أكثر من 3 ساعات، قتل على إثرها شوقي الشيخ بأكثر من 70 طلقة.

كما وضعت الأجهزة الأمنية أبناء عائلة سليم في المعتقلات لما أشيع عنهم أنهم المساند الأول لشوقي الشيخ، وأفرج الرئيس المعزول محمد مرسي عن أحمد سليم أمير السلفية الجهادية وقتها.

كما أحرق الأمن منزل أحمد سليم المكون من ثلاثة طوابق، لتأتي النار على البيت بالكامل ويصاب أولاده بحروق متعددة فضلًا عن إصابة أحد أبنائه بحالة من الصرع الدائم يعالج من آثارها حتى الآن، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، ففي عام 1995 توفي محمد سليم كحك في سجن "العقرب"، واتهمت عائلته فيها أحد ضباط أمن الدولة خاصة أنه في نفس التوقيت توفي ابن عمه سيد سليم في سجن "أبو زعبل" شديد الحراسة.

"تحول كحك لقرية نموذجية"
ومع بداية الألفية الجديدة، تحولت كحك من قرية راعية للإرهاب إلى قرية نموذجية تسير بخطى ثابتة على طريق التنمية.

وتشتهر القرية الآن بنسبة تعليم وصلت إلى 97% ولا تجد للأمية طريقا إليها، وكل هذا في غضون 20 عاما فقط، بعد أن كانت مرتعا للفقر والجهل مما جعلها بيئة خصبة للجماعات الإرهابية.

وبعد القبض على التكفيريين، اهتم الأهالي بتعليم أولادهم وتحفيظهم القرآن الكريم وبدأ أغنياؤها في إعادة هيكلتها من جديد حتى قام بزيارتها الدكتور عبد الرحيم شحاتة، محافظ الفيوم الأسبق، والذي حولها من قرية راعية للإرهاب إلى قرية نموذجية وأدخل بها مشاريع الصرف الصحى ومياها، واهتم الأهالي بمهنة الصيد والزراعة لوقوع القرية على بعد 3 كيلومترات من بحيرة قارون ولكن التعليم كان كل ما يشغل تفكيرهم حتى تخرج أولادها من كليات القمة وأخرجت القرية نخبة من الأطباء والمستشارين والمعلمين والمحامين ورجال الأعمال والمستثمرين.

"مشكلات تواجه القرية"
وتنحصر مشكلات القرية في الصرف الصحى الذي يغرق المنازل والمستشفى الذي يخدم 50 ألف نسمة بطبيب واحد وغرق منازلهم في مياه بحيرة قارون في الشتاء، ويوجد بالقرية مجمع مدارس ابتدائى وإعدادى ومعهد أزهرى وبصدد إنشاء مدرستين واحدة ثانوية والأخرى فنية.

"عودة التكفير"
وعادت جماعات التكفير المنبثقة عن الشوقيين إلى الظهور مرة أخرى بعد ثورة 25 يناير في قرية كحك البحرية، واتخذوا لهم مساحة من الأرض الفضاء في أطراف القرية مصلى ولا يبرحونها أبدا بالتناوب فيما بينهم ويحرمون على أنفسهم الصلاة مع أهل القرية، كما يحرمون أكلهم خاصة اللحوم، ولهم جزار من بينهم يذبح لهم وحدهم حتى الزواج محرم عليهم من خارج التنظيم.

وعندما توفي "خالد.ع.م"، وهو واحد منهم، رفضوا دفنه في مقابر القرية وأصروا على اصطحاب جثمانه إلى مقابر تتبعهم في القاهرة إلا أن أهل المتوفي ضغطوا عليهم حتى وافقوا على دفنه في مقبرة تمت إزالة عظام المتوفين المدفونين بها وتنظيفها من ترابهم وأبوا ألا تكون الصلاة عليه خارج القريه وبعيدا عن مساجدها. 

الخطورة تكمن في أنه ممنوع على أهل القرية خاصة من لا يطلق لحيته، الاقتراب من مصلاهم، ويمنع الغريب نهائيا من الاقتراب من هذا المصلى مهما كانت هيئته.
الجريدة الرسمية