رئيس التحرير
عصام كامل

«القاعدة» واجتنابها فى لبنان والمشرق

18 حجم الخط

من مواصفات «القاعدة»، ونشاطها كائناً ما كان المعنى الدقيق الذى يرسو عليه تعريف التنظيم الإرهابيّ، عبور الحدود الوطنيّة واعتبار العالم، أو على الأقلّ المحيط الجغرافيّ والإقليميّ المباشر، ساحة مفتوحة لـ»الجهاد».

وهذا إذا ما بلغ ذروته الدراميّة فى «غزوة»، نيويورك وواشنطن الشهيرة فإنّ سائر المواجهات التى خاضتها «القاعدة» تشير إليه بوضوح لا يخطئه البصر. فمؤخّراً، انتقل الصراع فى مالى إلى مشكلة جزائريّة، وقد ينتقل أيضاً إلى الجنوب الليبيّ وإلى بلدان أخرى فى أفريقيا. وقبل ذلك، كانت الحروب الأفغانيّة سريعة الانتقال إلى باكستان، تصل تأثيراتها إلى قلب السلطة وأجهزتها، ناهيك عن انعكاساتها على المجتمع الباكستانيّ وإمكانيّة استقرار العمليّة السياسيّة فيه. والشىء نفسه يمكن أن يقال فى اليمن والصومال وسواهما من «الدول الفاشلة»، التى كان ولايزال، يسهل تصدير فشلها وتعميمه بحيث يغدو فشلاً لمنطقتها المحيطة. ونعرف كم ارتبطت تطوّرات كبرى شهدتها بضعة بلدان فى العقدين الماضيين بظاهرتى «العائدين من أفغانستان» ثمّ «العائدين من العراق».
يقال هذا، وهو بديهيّ عند من يلمّون بألفباء تنظيم «القاعدة» وطرق اشتغاله، للتنبيه ممّا قد تنتهى إليه منطقة المشرق، وفى عداده طبعاً لبنان.
ولا بأس، هنا، بالتذكير بأنّ النظام السوريّ، بقيامه على «استراتيجيّة» الأوراق والمقايضات الإقليميّة، هو مولّد احتياطيّ لنشاط «القاعدة» التى تشاركه، من موقع نقيض، جعل الحركة تفيض عن حدود الدول الوطنيّة. وهذا قبل أن نضيف الاستثمار المباشر فى «القاعدة» وشقيقاتها، مرّة فى العراق ومرّة فى لبنان وأخيراً فى سوريّة نفسها بهدف تمكين تنظيمات الإرهاب الأصوليّ من ابتلاع الثورة السوريّة، أو أقلّه تشويهها. فحين نشاهد لوحة العنف المتعاظم فى سوريّة، ونتذكّر دور التعنّت الذى مارسه النظام إطالةً لأمده ومراكمةً لأكلافه، نفهم كيف تغدو مصادر الإرهاب «القاعديّ» أغنى وأفعل.
وهذا ليس بهدف حصر التهمة بالنظام السوريّ طبعاً. ذاك أنّ اللون المذهبيّ الذى يسم الصراع على نحو متزايد فى المشرق إنّما يطيح بذاته الحدود الوطنيّة، مهدّداً بتبلور جبهة عريضة للاشتباك السنّيّ - الشيعيّ قد تمتدّ من العراق إلى لبنان. وهذا تطوّر مأسويّ على شعوب المنطقة بقدر ما هو واحة فردوسيّة للنشاط الإرهابيّ الإسلامويّ وللنظام السوريّ فى الوقت نفسه. وربّما قدّمت التفجيرات الإرهابيّة الأخيرة فى دمشق صورة عن ذلك السواد القاتل.
فلا ينقص، والحال هذه إلاّ الحلف العابر للحدود الذى يمتدّ من إيران إلى «حزب الله»، مروراً بالنظام السوريّ الذى باتت قضيّة حياته وموته القضيّة الأمّ للحلف المذكور. فحينما يُقتل جنرال إيرانيّ غامض الاسم والوظيفة فى مكان ما بين لبنان وسوريّة، وحينما يقضى عدد من مقاتلى «حزب الله»، فى بلدة القصير السوريّة وربّما فى مدن وبلدات أخرى، لا نكون أمام حلف سياسيّ أو إيديولوجيّ، بل أمام رابط مذهبيّ وأمنيّ و»جماهيريّ» فى آن معاً. ورابط كهذا، بالأذى وبالاستفزاز اللذين يُحدثهما، لن يكون أقلّ من مصدر خصب آخر للنشاط والوعى القاعديّين المدمّرين. فإذا ما أُلحق هذا كلّه بـ»تحالف الأقليّات» علاجاً للمشكلة، بات على اللبنانيّين، النائمين على حرير «نأى بالنفس» أعوج ومهتزّ، أن يتوقّعوا الأسوأ.

نقلاً عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية