رئيس التحرير
عصام كامل

المزايدات مصدر للدخل القومي!


من الواضح إن لعبة المزايدات أصبحت هي لغة العصر في بلدنا، واللى ميعرفش هذه اللغة، ولا يُجيدها بشكل تام واحترافى، مش ممكن يلاقى له شغلانة كويسة، ومورد رزق محترم، ومكانة معقولة في المجتمع عن طريق الفضائيات والصحف التي تسعى خلفه ليزايد من خلال شاشاتها وورقها على آخرين سواء كانوا أشخاصًا عاديين أو اعتباريين، وأهو كُلّه أكل عيش!

تبدأ اللعبة دائمًا بموقف أو رأى يطرحه أحد الأشخاص أو الجهات أو حتى الدولة، وخُد عندك بعدها وإنت بتسمع أغنية فُتح المزاد الشهيرة بتاعت ثلاثى أضواء المسرح، يعنى مثلًا الزميل الأستاذ (إبراهيم عيسى) قال رأيا دينيا، وأنا عن نفسى لست مؤهلًا لمُناقشته في هذا الرأى، ونفيه أو إثباته، ولكنى أثق في الأزهر وعلمائه، وعندما أحتار بين الأزهر وبين أي شخص أو جماعة، فالترجيح بالنسبة لى هو لهذه المؤسسة العظيمة طبعًا، لكن المُشكلة أن أعداء (إبراهيم عيسى) السياسيين فتحوا المزاد على البحرى، باعتبارها فُرصة بسمسم محشية بالعجوة والملبن والتين الشوكى كمان، وذلك على طريقة إن وقعت مش عارف إيه تكتر سكاكينها!

اتهموا الرجل بالجنون، والجهل، والزندقة، لا بسبب هذا الرأى العجيب الذي طرحه بإرادته، لكن بسبب مواقف سياسية سابقة، واختلطت لعبة المزايدات بلعبة تصفية الحسابات، الله يخرب بيت البلاى ستيشن وسنينه، كُل واحد مسك مسدس وركب عربية، وطالع يجرى ورا الضحية كأنه في لعبة gta الشهيرة، لدرجة أن الإخوان وأذيالهم يقولوا عن (إبراهيم عيسى) أنه نموذج للغباء بشكل عام، وأنه أجهل من دابة، وليس للجهل الدينى أو حتى الجهل في النقطة التي تطرق لها بلا علم أو كفاءة والله أعلم، يعنى الراجل ده لا يعرف يكتب ولا يقرأ ولا يعرف الألف من كوز الدرة، ولا يعرف تاريخ مصر المعاصر من جغرافيا بيتهم، والكُل بيزايد على الكُل، والغريب أوى إن المحموقين دول هما نفسهم اللى صدقوا إن الملائكة كانت بتحرس اعتصام رابعة العدوية، وإن سيدنا (جبريل) نزل عليهم هناك، وإن النبى عليه الصلاة والسلام طلب إنه يصلى خلف الإمام (محمد مرسي) كمان، صحيح الغرض مرض!

الناحية التانية ظهرت علينا مجموعة من الناشطين الأرزقية، عاوزين يعملوا صندوق قال إيه هايجمعوا لمصر 900 مليار جنيه من رجال الأعمال المتهربين من التبرعات لصالح البلد، وعملوا ما يُسمى بقايمة سودا، ومش بعيد بعد يومين يخلوها قايمة سودا في كُحلى إمعانًا في التطرف في المزايدات، ووصولًا لكُل وسائل الإعلام، الأستاذ فلان الفلانى رئيس لجنة فضح المتهربين من التبرع للوطن معانا على التليفون، السيد علان الترتانى مُقرر لجنة تجريس رجال الأعمال القيحة اللى مستخسرين في الوطن كام مليار معانا في الاستوديو، الباشا فسوان الفسخانى عضو لجنة تأديب وتهذيب وتأهيل المليونيرات الخونة اللى مش عاوزين مصلحة الوطن، صرَّح لموقع كذا وجريدة كذا أنه بصدد تطليع عين اللى خلفوا العالم دى، وكُله علشان مصر!

من الواضح إن الحكاية ابتزاز علنى، ومزايدات رخيصة، وأنا ـ بالمناسبة وللتوضيح ـ لا رجل أعمال، ولا عندى قرايب رجال أعمال لحد الدرجة التلاتين، لكن مش معقول يكون الموضوع اسمه في الأصل تبرُّع، يعنى كُل واحد وذوقه، وبعدين نيجى نقول قايمة سودا وقايمة مدغمسة في الزراق، بينما في نفس الوقت بلدنا بتسعى لبناء اقتصاد وتشغيل عمالة، وكل هذا لن يتأتى إلا عن طريق مستثمرين، يعنى هدفنا حاليًا هو جذب المستثمرين ورجال الأعمال، مش تجريسهم وفضحهم عبر قوايم سوداء يُعدها ويسربها ويعمل على استغلالها شوية أرزقية ومصلحجية شافوا إن حكاية ناشط سياسي مبقتش جايبة همها أوى اليومين دول زى الأول، فقالوا نغيَّر النشاط، زى اللى بيقلب المحل بتاعه كده من ميكانيكى لسمسار علشان زهق من اللغوصة!

هل يعنى ذلك التحسيس على رجال الأعمال والمستثمرين والتغاضى عن أخطائهم؟ طبعًا لأ، رجل الأعمال الذي لا يلتزم بالقانون، يُحاسَب بالقانون، والقانون مسئولية الدولة والقضاء وجهات التحقيق، لكن مفيش قانون يُلزم حَد بأنه يتبرَّع إجباريًا، ولو فيه قانون بيعمل كده، فمسئولية الدولة إنها تنفذه، مش مسئولية كُل من هب ودب، زى ماهو مسئولية الدولة تجمع الضرائب والجمارك بكُل حسم وقوة لأنها حق معروف، واللى ميدفعوش يبقى حرامى رسمى، يعنى باختصار معاملة المستثمرين تكون مُعاملة ميرى، يخدم البلد باستثماراته وإنتاجه وفُرص العمل والضرايب اللى بيدفعها، نشيله فوق راسنا، يهرب من الضرايب، أو يراوغ في دفع مستحقات العُمال والموظفين مثلًا، أو يصهين على أموال البنوك، فالقانون موجود، ومش محتاج مزايدات، ولا قوايم سودا ولا غبرا!

والمتتبع للأحداث في السنين القليلة الأخيرة، سيُدرك بسهولة أن المُزايدات أصبحت مهنة حقيقية للبعض، ومش بعيد تتحول هذه المهنة لمصدر من مصادر الدخل القومى، رغم إن محترفيها لا يدفعون ضرائب ولا دياولو، ولن يتم الاكتفاء طبعًا بالقوايم السودا لرجال الأعمال، لكن هيكون فيه قوايم كُحلى غامق لأمثالنا من مُنتقدى هؤلاء الصيَّع، وقوائم هباب للى يعدى عليهم وميصليش على النبى، وقوائم ضلمة في ضلمة للى يضن عليهم بصوته في الانتخابات على أساس إن العملية ناقصة ضلمة، وقوايم عايزة الحرق للى يشوف خلقة منهم على التليفزيون يقوم يفكر يغيَّر القناة علشان مش ناقص سفسطة وكلام فارغ، ولو حصل وقابلت واحدا منهم صُدفة في محل كشرى أو على عربية كبدة، وعرف إنك بتحب تاكل الكبدة سادة، ممكن يعمل لك قايمة بَصَلى يُضم فيها أعداء الكبدة، رغم إنه هو العدو الأول للمُخ أصلًا! 
الجريدة الرسمية