رئيس التحرير
عصام كامل

«تبديد الأصول».. الجاموس المصري على طريق الضياع ويواجه شبح البقر البلدي

فيتو

تتباهي الأمم بمواردها الوراثية في الغذاء سواء كانت موارد نباتية أو موارد الإنتاج الحيواني، لأن امتلاك مورد وراثي وطني يمكن تنميته وتحسينه بشكل منتظم هو إحدى أذرع الاكتفاء الذاتي أو استقلالية القرار، ورغم أن شعار مركز البحوث الزراعية في مصر "من لا يملك غذاءه لا يملك قراره"، فإن الأحوال بخصوص بعض الموارد الوراثية المصرية كالجاموس المصري ليست على ما يرام، حيث تهدد عمليات الخلط العشوائي -وفقا لخبراء- السلالة المصرية وتجعلها على طريق الضياع كسلالة البقر البلدي التي اختفت بسبب عمليات مشابهة.


الدكتورة ليلى ناصر رئيس جمعية تحسين الجاموس المصري والأستاذ بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني حذرت من عمليات التلقيح العشوائي للسلالات المصرية من الجاموس بالسوائل المنوية لسلالات الجاموس الأجنبية خاصة الإيطالية، لأنها قد تؤدي إلى اندثار المورد الوراثي المصري من الجاموس، خاصة وأن المزارع الصغير وهو مصدر مهم في معادلة الثروة الحيوانية في مصر قد يلجأ إلى عمليات التلقيح بداعي زيادة الإنتاجية من اللبن لكن رغم أن ذلك قد يؤتي نتائج جيدة على المدى القصير، فإن سرعان ما تتدهور الأمور وتتراجع الإنتاجية بشكل كبير.

وأضافت أن البقر البلدي اختفى منذ أن حدث خلط عشوائي بين الأبقار المصرية وبين السلالات الأجنبية باستيراد أبقار حية وسوائل منوية للتلقيح حتى اندثرت سلالالة الأبقار المصرية، مشيرة إلى أن الحفاظ على سلالة الجاموس المصري ضرورة ملحة وواجب على كل المتخصصين، خاصة وأن صفات السلالة المحلية غير موجودة في السلالات الأخرى التي نلقح بسوائلها المنوية، فالجاموس المصري يعطي إنتاجية متميزة من الألبان في حالة الرعاية الجيدة والتغذية بطريقة مدروسة علميا.



وأكدت أن الجاموس المصري متأقلم مع البيئة المصرية بكافة عناصرها من حيث الطقس والغذاء ومقاومة الأمراض المتوطنة، لذلك هو الأنسب لإنتاج الألبان في مصر وليس السلالات الأجنبية، التي قد تعطي في بداية الأجيال الأولى منها إنتاجية جيدة من الألبان ثم تتدهور في الأجيال التالية، مشيرة إلى أن اللجان العلمية المختصة بمراجعة طلبات استيراد الحيوانات الحية من الخارج ترفض بشكل قاطع طوال السنوات الماضية وحتى الآن استيراد سلالات الجاموس الأجنبي لخطورتها على اندثار السلالة المصرية.

ومن جانبه أكد الدكتور حسن بيومي الأستاذ المتفرغ في رعاية الحيوان بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني، أن الجاموس المصري من أكثر السلالات القادرة على التكيف مع أكثر انواع الغذاء بساطة كالمخلفات الزراعية الخشنة التي يمكن أن تقدم له في شكل سيلاج، وقش الأرز ومخلفات مصانع الأغذية وهي مخلفات لا تقبل عليها السلالات الأخرى، مشيرًا إلى أن الجاموس المصري قادر بالتغذية الجيدة والمتوازنة أن ينتج معدلات كبيرة من الحليب يوميا تصل إلى 17 و20 كيلو وهو ما يتحقق في الرءوس الموجودة في قطيع الجاموس المصري التابع لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني كونها من الحيوانات المنتخبة بعناية.



ولفت بيومي إلى أن التنافس على وحدة الأرض والمياه بين الإنسان والحيوان تعرقل التربية المستدامة للحيوانات في مصر حيث تحتاج الحيوانات إلى محصول البرسيم الغني بالبروتين بينما ينافسه محصول القمح خلال الشتاء، مشيرًا إلى أن ضعف المنظومة التعاونية في الريف يؤدي إلى انقطاع خطة التحسين الوراثي، حيث يتخلص المزارع من الحيوان المحسن والمتخصص في إنتاج اللبن إلى الغير، كحيوان متخصص في إنتاج اللحوم، فيذبح الحيوان وينتهي خط التحسين الوراثي لذلك فان لا فائدة من تحسين الحيوانات التي بحوذة المزارعين لـنهم في النهاية سيبيعونها وتذبح.

وشدد على أن نظام التعاونيات في الدول المتقدمة يقتضي أن يبيع الفلاح الحيوان المنتج للبن لديه إلى الجمعية الزراعية التابع لها بسعر جيد بدلا من أن يذبحه أو يبيعه لمن يذبحه، وتتولى الجمعية توجيه الحيوان بعد ذلك إلى مربين آخرين متخصصين في إنتاج الألبان للحفاظ على مسيرة الإنتاج.

وتابع: "من الأخطاء التي تحدث في الريف المصري بخصوص تربية الجاموس هو تغذية الفلاح للجاموس إلى مرحلة ما بعد الشبع ليحصل منه على أعلى نسبة من اللبن وهو أمر يؤدي إلى تراكم الدهون على المبايض وبالتالي عدم قدرة الحيوان على إنتاج أجيال جديدة وينتهي الحال إلى ذبحه لعدم الجدوى منه".



ويبلغ تعداد الجاموس في مصر نحو 3.9 مليون رأس بكافة أنواعه، من إجمالي الثروة الحيوانية البالغة قرابة 18.4 مليون رأس بين أبقار وجاموس وماعز وخراف وجمال، وينقسم الجاموس المصري إلى 3 أنواع "منوفي - بحيري - صعيدي" وتتميز السلالة المصرية وفقق بيانات الجمعية المصرية لتحسين الجاموس المصري بـاللون الرمادي والشعر الكثيف المائل للون البني والذي تقل كثافته كلما تقدم السن.

كما يتميز الجاموس المصري بطول موسم الحليب الذي يصل إلى 250 يوما بنسبة دهن من 7-9% وهي نسبة تعد ضعف نسبة الدهون في ألبان الأبقار، ومتوسط إنتاج من 5-8 كجم حليب، إلى جانب طول فترة حياته الإنتاجية التي تقدر 4-7 مواسم ومن الممكن أن تلد الجاموسة كل 14 شهرًا، ويتميز الجاموس المصري بقدرته على تحويل الغذاء فقير القيمة إلى منتج بروتين حيواني عالي القيمة الغذائية سواء لإنتاج اللحم أو اللبن.

وفي السياق ذاته أكدت مصادر مسئولة بوزارة الزراعة أن قطيع الجاموس المصري في معهد بحوث الإنتاج الحيواني يمثل بنكا لمورد وراثي مصري أصيل ووصل تعداده في فترة التسعينيات إلى 4 آلاف رأس من أفضل الطلائق والإناث المنتخبة بعناية، لكن تراجعت الأعداد في السنوات الأخيرة إلى 800 رأس بسبب عدم وجود ميزانية كافية لتغذية الحيوانات، حيث يلجأ المعهد أحيانا لبيع الرءوس الأقل إنتاجية خلال عملية الانتخاب لتوفير التمويل اللازم لتغذية الحيوانات المميزة.

وأكد المصدر أن عمليات الخلط من خلال التلقيح العشوائي تشكل خطورة داهمة على سلالة الجاموس المصري وأن هناك قرارا وزاريا يحصر عملية استيراد السائل المنوي لسلالات الجاموس الأجنبية على المزارع فقط ويشترط عدم خروجها من المزرعة، لكن في النهاية لا توجد آلية قادرة على ضمان عدم خروجه منها وتوزيعه على مزارع أخرى أو على الفلاحين حتى، وهو ما يجدد ما حدث من تبديد لسلالة البقر البلدي بعد خلطة دون خطة علمية مع سلالات الفريزيان والهولشتاين والشورت هورن والسيمنتال.

وتابع المصدر: "ميزانية معهد الإنتاج الحيواني المسئول عن تحسين إنتاجية السلالات وزيادة الإنتاج الحيواني الذي تعاني مصر من فجوة واسعة فيه، لا تزيد على الـ3 ملايين جنيه، وهذا وضع مستمر منذ سنوات، والصناديق الخاصة الموجودة في المعهد هي صناديق إنتاجية وليست خدمية بمعنى أن الأموال تستخدم في شراء مستلزمات إنتاج مكلفة وتستنزف أموالا ليست بالقليلة وقد نفاجأ بموت الحيوانات بسبب موجات الأمراض التي تضرب الثروة الحيوانية من آن لأخر".

الجريدة الرسمية