رئيس التحرير
عصام كامل

واشنطن باعت العرب.. لإيران!


ذات مرة، قال شيخ كبير ناصحًا ابنه الأبله: "لا تنخدع في لحية إبليس، فقد نبتتْ من ذقون التيوس التي أغواها"!



أجل، لقد صدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عندما حذر قومه، فقال: (ويلٌ للعرب من شر قد اقترب)!، وها هو ذا المتنبي يُصابُ بالهلع، فينذر العرب قائلًا: (طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ/ فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذبِ)!


وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قدَّم على لسان الديك.. النصيحة الذهبية لقومه العرب؛ خوفًا من مؤامرات الأعداء: (مُخطِئٌ مَن ظنَّ يومًا/ أنَّ للثعلب دينا)!، كذلك مخطئٌ من ظن يومًا أن للمجوس، وللأمريكان، والأوربيين، والأتراك، والإخوان.. عهدًا، وأمانًا في المنطقة!

عشية توقيع واشنطن، والقوى الكبرى، وطهران الاتفاق النووي، كنتُ أتوقَّع الخطر على الأبواب، وأرى مقدماته!.. وقد صدق حدسي، فعقب التوقيع، وخروج أوباما للاحتفال بذلك، والحديث عن بداية عهد جديد من العلاقات الطبيعية بين الغرب وإيران.. أدركتُ أن هواجسي في محلها، وأن هذا الاتفاق الخسيس تمَّ على جثة العرب، وِمن وراء ظهر العرب، ولابتلاع بلاد العرب، وثروات العرب وتغيير خارطة العرب، بل لتقسيم المنطقة العربية، بمعاونة طهران، وأنقرة، وإسرائيل!

أجل لقد سمحت الولايات المتحدة لطهران بالتمدد في البلاد العربية، والاستيلاء على عواصم أربع دول عربية، والتدخل المجرم في غيرها، وإحداث القلاقل، والاضطرابات في عواصم أخرى، كل هذا لم يكن مجانًا، وحبًا في المجوس، وبغضًا في العرب!

لقد كانت خارطة الشرق الأوسط الجديد الموضوعة من قبل، على موعد البداية مع مجيء أوباما إلى الحكم قبل ست سنوات!، وكانت واشنطن تعقد صفقاتها مع الإخوان المسلمين، وإيران، وتركيا، من خلف أنظمة الحكم العربية؛ من أجل الإسراع في تفكيك الدول العربية!

كانت الحركات سريعة، والمؤامرات جاهزة، والسيناريوات معدَّة، والخائنون مستعدين لخيانة أوطانهم، وحلفائهم، لصالح واشنطن وإسرائيل!

كانت لحظة قص شريط البدء في تغيير الشرق الأوسط، وتصدير الفوضى الهدامة لبلادنا، مع اعتلاء أردوغان حكم تركيا عام 2002م، بعد حكاية ضرب برجي التجارة عام 2001م، التي كانت صناعة أمريكية إسرائيلية بامتياز؛ إعلانًا بتدشين وقيام مخطط دولة الخلافة الإخوانية العثمانية الجديدة، معول أمريكا والصهيونية العالمية الجديد!

كانت أصابع السي آي أيه والموساد، تبحث لها عن طريقة للتنفيذ بعد احتلال العراق، وأفغانستان من قبل، فكان سيناريو حرب السعودية للحوثيين في اليمن عام 2008م، أفضل سيناريو للتدخل في الجزيرة العربية، وشق وحدتها، وتمزيق أراضيها بفعل الحوثيين، ومظاهرات الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة، وفي البحرين!، لكن المؤامرات لم تؤتِ ثمارها، والنتائج لم تكن في صالح الأعداء!

من هنا، فكَّروا في سيناريو آخر، يكون أقوى أثرًا في إحداث الفوضى المنتظرة، فكانت حكاية الربيع العربي! وما أدراك ما الربيع العربي؟!، ثم ما أدراك ما الربيع العربي.. على أجنحة الإخوان، وحماس، وحزب اللات، وتركيا، وإيران؟!.. وقصص حقوق الإنسان، والحيوان، ونشر الديمقراطية، وما أدراك ما الديمقراطية؟!

فقبل عقد من الزمان، كان التنظيم الدولي للإخوان قد قدَّم نفسه لواشنطن، وريثًا لنظام مبارك في مصر، بل للأنظمة المستبدة - حسب وصفهم - العربية!، نجح الإخوان بمعاونة أردوغان في عقد صفقة مع صقور الإدارة الأمريكية، خاصة كونداليزا رايس، وديك تشيني في إيهامهم بأن الإخوان أقوى حليف مرجو يحكم أهل السُّنة في البلاد العربية، ويحقق مصالح واشنطن وإسرائيل، والغرب!، كما قامت طهران بتقديم فروض الولاء والطاعة، مع الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق عام 2003م!

كانت الملالي، وكان الشيعة على موعد مع الانتشاء، وشرب أنخاب النصر على العروبة الذبيحة!، وكان الإخوان على موعد مع الرقص الماجن، مع الذئاب ضد القومية العربية، والبلاد العربية!

والعجيب أن الأنظمة العربية، لم تُعِرْ هذه الصفقات الخفية، ولا المؤامرات الشيطانية أي أهمية! بل، كما قال مبارك مازحًا، وهازئًا: "دعوهم يلعبون"! عقب ازدياد الحديث عن تزوير انتخابات عام 2010م، وقيام الإخوان، والمعارضة بعمل برلمان موازٍ!

كانت الجغرافيا تتغير لصالح الإخوان، وإيران، وتركيا! وكانت الرقعة العربية تتصاغر، وتتفاقم أوضاعها إلى الأسوأ!، وكانت السياسة الجديدة، وموازين القوى تصب في خانة الأعداء!

كان الإخوان يعلمون موعد ساعة الصفر، لبداية الشرق الأوسط الجديد، تحت مسمّى (الربيع العربي)! وكانت كذلك تركيا تعرف، وإيران تعرف!، لكنَّ العرب كانوا آخر مَن يعرف!

ولو عدنا إلى الوراء، فقبل ما سمَّوه (ثورة يناير) بسنوات، أطلق مرشد الإخوان وقتها مهدي عاكف تصريحه الصارخ الفاجر المشهور: "طظ في مصر"!، وللأسف، فلم يتوقف أحد عند مدلولاته الأبستمولوجية، ولا السيكولوجية، ولا السياسية!؛ لأنه كان بالونة اختبار، أنَّ مصر، والعروبة لا مكان لهما، ولا قيمة لهما في الشرق الأوسط الإخواني الإيراني الجديد!

وبرغم فشل الإخوان في تحقيق مخططهم الخبيث في مصر، وسقوطهم السريع على يد الجيش المصري في ثورة 30 يونيو عام 2013م، فإن الولايات المتحدة سارعت من خطواتها الإجهاضية، والاستنزافية لثورة مصر الجديدة، ونهضتها المباركة، التي أقضَّتْ مضاجع السي آي أيه، والموساد، والتنظيم الدولي للإخوان!، فكانت مؤامراتهم على الجيش المصري في سيناء، عن طريق تمويل، وتسليح الجماعات الإرهابية الإخوانية، لإشغال مصر، وإلهائها بمشكلاتها الداخلية عما يحدث في محيطها العربي، وأمنها القومي، من فجور إيران في سوريا، والعراق، واليمن، ودخول حرسها الثوري لتمزيق عرب السُّنة هناك، والتنكيل بهم لصالح الشيعة!، كما لا ننسى دور أنقرة المريب في احتضان عصابة داعش الإرهابية، وتسليحها، والسماح لجيوش المحاربين الجرارة من المرتزقة، من الغربيين في الدخول عبر أراضيها إلى سوريا والعراق!

ويكفي أن نعلم، أن إيران ارتكبت من المجازر والكوارث بحق عرب السُّنة في الأنبار، ما عجز عنه هتلر، وموسوليني، وستالين!، فها هي ذا إيران اليوم تسيطر على نصف العراق، وتترك نصفه الآخر لداعش!، وهو ما فعلوه بإجرام أيضًا في سوريا!

وكذلك تفعل تركيا!، فهذا ما تفعله إيران وتركيا في أرض النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي أرض سعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وهارون الرشيد، وصلاح الدين، وقطز، وجمال عبد الناصر، والسيسي!

إذن، جاء توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب على جثة العرب، وعلى شرف العرب، وعلى كبرياء العرب، وعلى مصالح العرب، وعلى وحدة بلاد العرب، بمعاونة بقايا الإخوان، وتركيا، وإيران!

فمتى ينتفض الأسد العربي الجريح، ويقف مدافعًا عن عرينه المستباح من عصابات الشر الشيطاني؟!

ومتى يستجيب العرب لنداء زعميمهم القوي عبد الفتاح السيسي، في تكوين قوة الردع العربية الحقيقية، الجاهزة لهزيمة ثالوث إبليس (إيران، وتركيا، والإخوان)؟!

الجريدة الرسمية