رئيس التحرير
عصام كامل

الأبنودى يكشف أسرار فن التجريح في الصعيد الجواني: «أبوك من عبطه»

حكاوي زمان
حكاوي زمان
فن «قلة الأدب» داعر لا حدود لدعره فى الفكر واللغة والأداء، يمارس فى غياب الكبار، ويخرج فيه الصعيدى عن المألوف.

هى التجريح إذا ما كتب باللغة الصعيدية، و«التقريق» إذا ما كتب بالفصحى، و«التارئ» (التريقة) فى لهجة أهل القاهرة.


والتجريح فن فلاحى مستقل بذاته، وخارج على جميع فنون القول الشعبية، استكمل ملامحه فى الصعيد الجوانى.

هو فن الفتيان فقط، ذلك لأن الصغار لا يجرءون على الخوض فى مياهه، ولأن الرجال فنونهم المتشابهة من حيث الشكل والتى تعكس رجولتهم وتسمو على هذا الهزر الصبيانى.






ومن أصول فن التجريح أنه لا يمكن أن يمارس فى حضور النسوة أو فى وجود الرجال الكبار المحترمين، مع أنهم كانوا فتيانا فى الماضى مارسوا التجريح وأبلوا بلاء حسنا فى معاركه، وكانوا فرسانا فى ميادينه، حيث ينقسم الفتيان إلى حزبين لكل منهما رئيس يقود فريقه فى المبارزة، وينشط أفراد كل حزب فى إمداد القائد ببدايات التجريحة.

وهذا الفن وقعت عليه لعنة الجامعيين والدارسين للأدب الشعبى، فلم تكتب عنه دراسة واحدة، ولم تجمع نصوصه لسنين طويلة، وذلك لأن هذا اللون من الأدب الشفاهى لا يمارس فى وجود الغرباء على الإطلاق، ولأن فن التجريح يعتمد على قلة الأدب أو على الأدب المكشوف فى الفكرة واللغة والأداء، حيث يمارس فى غياب الكبار والنساء والغرباء، فن يخرج فيه الصعيدى عن خلقه الحكيم، فهو فن الانفلات الأخلاقى.

والأب والأم من أهم المقدسات فى القرية المصرية، لا يعلو على حبهما حب، ولا عن احترامهما احترام، فإذا ما سببت أبا أو أما أو أحدا هناك سرعان ما يحدث الاشتباك ويخرج الشوم ليحطم الجماجم أو تنطلق البنادق لتخترق رصاصاتها الصدور.

ورغم كل هذا فإن هذا الطقس يقوم على سب الأب والأم ويلصق بهم جميع الصفات السيئة.. ولكن لأنها لعبة متفق عليها تزول الصفات بزوالها ويسترد كل والد ووالدة احترامه من جديد.

وهناك نصوص وقطع أثرية قديمة من هذه اللعبة المجنونة، فمثلا مباراة تجريح بين فريقين، الأول: أبوك من عبطه شال الجدى وخبطه، يرد الآخر: أبوك وجع من ع الحصيرة جرشته العنيز.

أبوك شال الإبرة اتمزج. أبوك يقعد ع الحصيرة ويدلدل رجليه. أبوك سمع الطبل فى الحميدات لبس الحصيرة من غير زراير. أبوك يركب الفرن بالمطلع. أي: الحبل. أبوك نزل جرة المش أصغر دودة تديه الشلوت. أبوك نزل جرة المش طلع يلحس لسانه. ولأنه لا يمكن سب الأم لم أورد نصا واحدا فيه كلمة أمك إذ لم أجد ما يصلح منها للنشر.

إن العلم يعطينا الحق فى النشر والتمحيص، حيث إن النصوص حقيقة من حقائق الفنون القولية لدى شعبنا، لكننا لا نملك الحرية التى يملكها فتيان القرى الذى يغادرون فى ممارستها جلابيب التقاليد والاحترام والأعراف المفروضة ليحققوا حريتهم من خلالها، ثم يعود بعد ذلك إلى احترام أبائهم وأمهاتهم، فحين يشمون روائح الحرية بعيدا عن الدور والأهل والقوانين يصيح صائح منهم: تجارحنى؟ فيرد الآخر: أجارحك. لتبدأ المباراة.
الجريدة الرسمية