رئيس التحرير
عصام كامل

"دايمًا دموع" حال مدارس «المحروسة».. الدقهلية: الحصة 25 دقيقة و50 قرية بلا مدرسة واحدة.. الشرقية: المدرسون يُجبرون التلاميذ على الغياب لدواعي الدروس الخصوصية.. الفيوم: المدارس تغرق في المياه

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تكدس الفصول والعجز في عدد المدرسين، والمدارس الآيلة للسقوط ونظام الفترتين، ووجود مدارس بعيدة عن التلاميذ، وتعرضهم للخطورة في الذهاب والعودة، هي أشهر مشاكل العملية التعليمية في محافظات مصر.

هل يتخيل أحد وجود مدرسة مكونة من ثلاث غرف يدرس بها 350 تلميذًا بالشرقية ومدرسة أخرى بها 12 فصلًا مكدسة بـ1500 تلميذ، وأن زمن الحصة يتقلص في عدد من المحافظات من 45 إلى 25 دقيقة، وأن مدرسين بمحافظة مطروح يهجرون مدارسهم للعمل في منفذ السلوم الجمركى بهدف الثراء السريع؟ واستقبال العام الدراسى بالتظاهرات في المنوفية؟

وهل يتصور عاقل سقوط أسقف مدرسة فوق رءوس التلاميذ في العام الماضى ولم يتم بناء سقف جديد لها، كما أن هناك مدرسة تم بناؤها عام 1911 ولم يتم ترميمها حتى الآن بأحد قرى قنا وأن مدارس بلا أسوار تقتحمها الحيوانات «حمير وكلاب وجاموس»، في ظل هذه الأجواء يبدأ العام الدراسى الجديد في عدد من محافظات مصر، التي تتغنى -أو تندب بمعنى أدق- صارخة: دايمًا دموع!

دعوات كثيرة أطلقها معلمو سوهاج بالإضراب عن العمل، ليبدأ العام الدراسى بلا معلمين، هم يطالبون بتعديل قانون الكادر الخاص، بعد أن حاول المحافظ السابق اللواء وضاح الحمزاوى زيادة عدد المدرسين من ذوى المؤهلات العليا - بنظام التعاقد- ليحصل المدرس المتعاقد على 600 جنيه شهريًا كحد أدني، لكن محاولاته لم يكتب لها النجاح، وشارك المدرسون المتعاقدون في الإضراب.

أما مستوى المدارس، فالإهمال وصل لدرجة غير محتملة، فأقل عدد بالفصل 60 تلميذًا، ومعظم مدارس المحافظة تعمل بنظام الفترتين بسبب كثافة الفصول المرتفعة، في ظل عدم إنشاء مدارس جديدة، وسط هذه الأجواء الضبابية فمعظم إدارات المحافظة التعليمية خصوصًا «البلينا وجرجا والمنشأة ودار السلام» تعانى عجزًا كبيرًا في أعداد المدرسين، وزاد المشكلة تعقيدًا محاولة سد هذا العجز في أكتوبر 2011 بإجراء مسابقة للتعاقد مع مدرسين جدد، إلا أن المخالفات القانونية الفادحة شابت عملية التعاقد، خصوصًا في إدارة «طهطا» التعليمية، هذه المخالفات القانونية لا تزال منظورة أمام النيابة العامة، ولم يتم البت فيها حتى الآن.

وتنقل أمانى عوض الصورة من الدقهلية، قائلة: صرخات أولياء الأمور مرتفعة الحدة، فأسعار أقل زى مدرسى تتعدى 200 جنيه، فضلًا عن الشنط والأحذية والأدوات المدرسية، أحد أولياء الأمور يقول: لدى 3 أبناء في المدارس، اشتريت لهم أدوات مدرسية بألف جنيه، وملابس بثلاثة آلاف جنيه، بالإضافة لطلب المدارس تبرعات «إجبارية» لتجميل المدارس وشراء أجهزة كمبيوتر، وفور بدء الدراسة سوف يقوم المدرسون الخصوصيون باستنزاف أموالنا أولًا بأول.

مشاكل المدرسين لا تزال مستمرة، فهم يتظاهرون أمام مبنى ديوان محافظة الدقهلية، منهم من يطالب بالتثبيت «3 آلاف مدرس بالحصة» وتم استبعادهم في العام الماضى ويطالبون بإعادتهم إلى العمل أسوة بزملائهم في المحافظات الأخرى، والمحافظ يرفض حتى الحوار معهم.

أما مشاكل المدارس فحدث ولا حرج، فهناك أكثر من 100 مدرسة آيلة للسقوط، مما اضطر هيئة الأبنية التعليمية إلى ضم التلاميذ لمدارس أخرى لتعمل بنظام الفترتين، منها مدارس تبعد عن بيوت الطلاب بستة كيلومترات، وبالطبع تزداد كثافة الفصول ويتعرض التلاميذ لمخاطر في رحلتى الذهاب والعودة من المدرسة، لدرجة تقليص زمن الحصة من 45 إلى 25 دقيقة في الفترة الثانية التي يكون إرهاق المدرسين قد بلغ مداه، خصوصًا أن كل 5 تلاميذ يجلسون على المنضدة التي تتسع لاثنين فقط، وكثافة الفصل 80 تلميذًا، فضلًا عن تصدع أسوار مدارس الأندلس «ابتدائى وإعدادى وثانوي» وكانت الفرصة سانحة للترميم في شهور الصيف لكن لا حياة لمن تنادي!

الوضع يزداد سوءًا لبناء مدارس منذ عام 1950 هناك مدارس دون ترميم حتى الآن، «ميت مزاج الإعدادية» و«الأميرية» و«المعهد الدينى الأزهري» بالمطرية، فضلًا عن وجود 50 قرية بلا مدرسة واحدة، ووجود مدرسة عبارة عن شقة مؤجرة في أحد المنازل «بقرية الساقية» - مركز المنزلة- و«القيطون» بميت غمر و«كفر أبو حجازي» ببلقاس.

هلال زايد - مراسل «فيتو» بمحافظة الشرقية - موضحًا المشاكل التي تواجه العملية التعليمية بقوله:
كالعادة لا تتحرك أجهزة المحافظة إلا في اللحظات الأخيرة، فالأهالي يستقبلون العام الدراسى الجديد بالصراخ المعتاد «دايمًا دموع» فمعظم المدارس بأثاث متهالك وغيرها بلا أثاث أساسًا، مدرسة «أحمد عرابي» بالزقازيق نموذج، كالبيت المهجور، إهمال شديد، وكأن أسماء الزعماء تطلق على المدارس التي لا تصلح أساسًا لنيل شرف اسم «مدرسة»، الحال لا يختلف في مدرسة «جمال عبد الناصر» فالمدرسون - في المدرستين - تفرغوا للدروس الخصوصية، يصطحبون التلاميذ خارج المدرسة منذ التاسعة صباحًا، يقولون لأبنائنا إن الحضور في المدارس مضيعة للوقت والجهد، والدرس الخصوصى هو الباب الملكى للتفوق، وقد بدأت الدروس الخصوصية بعد عيد الفطر مباشرة، قبل بدء الدراسة بشهر.

كما تمت إزالة مدرسة «الشعب» الابتدائية -تابعة لإدارة بلبيس- منذ ثلاث سنوات، وانتقل التلاميذ إلى مدرسة «البساتين» ولم تبدأ هيئة الأبنية التعليمية في إعادة بناء مدرسة الشعب حتى هذه اللحظة، سعيد محمد - ولى أمر تلميذ - يقول: يجلس التلاميذ على الأرض في ذروة الشتاء، فلا مقاعد أو مناضد، وكثافة الفصول مرتفعة للغاية، وليس من المعقول شراء أثاث للمدرسة الحكومية على نفقتنا الخاصة، أما زايد محمد - طالب - بمدرسة «بلبيس الثانوية» فيضيف: لم ندخل الفصول في العام الماضي، فالمدرسون الخصوصيون يحرضوننا على عدم الحضور لتوفير الوقت للدروس الخصوصية، أيضًا لا نعتمد إطلاقًا على كتب الوزارة التي تتكلف طباعتها مليارات الجنيهات، فهى كتب عقيمة لا نفهم منها شيئًا.

إذا كان هذا حال مدارس المدن، فحال مدارس الريف الشرقاوى أكثر سوءًا، فالمدرسون يصفونها بـ«المنفي»، وأشهرها «مدرسة أولاد منصور» الإعدادية التابعة لمركز بلبيس فهى مكونة من ثلاث غرف ويدرس بها 350 تلميذًا، أما مدرسة «عرب العيايدة» للتعليم الأساسى فمكونة من 13 فصلًا يدرس بها 1500 تلميذ وتلميذة، بالإضافة إلى الغياب التام لصيانة دورات المياه بالمدارس على مستوى المحافظة بمدنها وقراها.

طه البنا يحدثنا من الفيوم بقوله: عجز شديد في عدد مدرسى اللغة الإنجليزية والرياضيات والمواد التجارية، بالإضافة لمعاناة مدرسى القرى في الذهاب والعودة بسبب صعوبة المواصلات كما في قرى «الخضر» و«موسي» والخريجين» بمركز يوسف الصديق، وارتفاع المياه الجوفية وإغراقها فصول «المجمع التعليمي» بهوارة المقطع، الذي يضم مدرسة تجارية وأخرى صناعية «5 سنوات» ومدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية، وتتحول فصول الطابق الأول إلى بحيرات مياه راكدة من المياه الجوفية، التي تتسبب في تآكل الأعمدة الخرسانية والأثاث المدرسي.

ومن المنوفية يحدثنا مراسلنا يحيى إبراهيم: بالرغم من بناء مدارس جديدة، فإن المشاكل المزمنة لا تزال تحاصر المدارس، فمدرسة «سيدى خميس» الإعدادية تحاصرها تلال القمامة، والمدرسة على بعد أمتار من ديوان عام المحافظة، أما مدرسة «مبارك - كول» الثانوية الصناعية - بمدينة السادات- فالفوضى سيدة الموقف، وقام مدرسوها بالاعتصام بالمدرسة لمدة أسبوعي؛ احتجاجًا على تردى الأوضاع الإدارية بالمدرسة بصورة غير مسبوقة ولا مقبولة.

تقرير يرصد الحالة المتردية لمدارس قنا كتبه الزميل محمد عوض الله، يقول فيه: «الواسطة» كلمة السر في هجر مدرسى مدينة قنا القرى التابعة لها والعمل بالمدينة، وأصبحت مدارس القرى خاوية على عروشها، فضلًا عن عجز شديد في مدرسى الرياضيات واللغة الإنجليزية، فضلًا عن وجود مشاكل بمواقع المدارس، فـ«الشيخ حسين» بالجبلاو تقع على الطريق السريع وتقع حوادث يومية أثناء عبور التلاميذ الطريق، أيضًا مدرسة «الطويرات» ملاصقة للمدافن بحضن الجبل، يفر المدرسون منها باعتبار أنهم لن يذهبوا إلى الصحراء، وفى فرشوط مدارس آيلة للسقوط، فمدرسة «أبو هريرة» تم بناؤها عام 1911 وأسقفها من الجريد وجذوع النخيل، مثل المدرسة الإعدادية المهنية والثانوية الزراعية، أما مدرسة «العسيرات» فهى مجاورة للترعة التي عندما تفيض فالمدرسة تغرق تمامًا، عندما تفيض المياه بالترعة يشاركها المأساة مدارس «الكوم الأحمر» الإعدادية و«نجع خيرية» و«كوم البيجا».

في بلاد الحديد والنار، أو مركز نجع حمادي، تكثر جرائم الأخذ بالثأر ونشاط ملحوظ للبلطجية، فالمدرسون يبحثون عن «الواسطة» لعدم التدريس بها، فالداخل مفقود والخارج مولود، خصوصًا في قرى «حمرة دوم» و«أبو حزام»، والكارثة في «مدرسة الأمل» للصم والبكم، فعدد من فصولها أكشاك من الاسبتوس المتهالك، فضلًا عن مدارس كثيرة صدرت لها قرارات إزالة ولم تنفذ وقد تسقط فوق رءوس التلاميذ في أي لحظة، بالإضافة لوجود مدارس بلا أسوار تقتحمها الحمير والكلاب، ومدارس أخرى وضعها مترد في مركز دشنا، كمدرسة «فاو بحرى الابتدائية» الملاصقة لدورة مياه المسجد، وتقتحم مياه المجارى المدرسة، فيهرب المدرسون والتلاميذ.

تقرير من الإسماعيلية يكتبه محمد سليمان، يقول فيه: مطلوب 1200 مدرس و500 عامل لمدارس محافظة الإسماعيلية، فالنقص الحاد يهدد العملية التعليمية، فضلًا عن سوء الخدمات وعدم إجراء الصيانة في الفصول والمعامل ودورات المياه، إما لتقاعس مسئولى مديرية التربية والتعليم بالمحافظة أو لقلة الموارد المالية.

مشكلة أخرى هي وجود قرى بلا مدارس، فيضطر التلاميذ الصغار للمشى لمسافة 3 كيلومترات لأقرب مدرسة، قد تكون ذات فصل واحد كالموجودة في جلبانة بمدينة القنطرة، فضلًا عن عدم وجود أسوار بمدارس تجعلها مرتعًا للحيوانات.

ومن مطروح تحدثنا مندوبتنا «غادة الدربالي»: هروب المدرسين هو المأساة، فقد خلت المدارس من المدرسين الذين يهربون - بعد التوقيع طبعًا في دفاتر الحضور - للعمل بمنفذ جمرك السلوم لزيادة دخولهم، فخلت المدارس من التلاميذ والمدرسين، حتى إذا دقت الامتحانات أجراسها سارع المدرسون لتحفيظ التلاميذ بعض الأسئلة بأجوبتها، وتكون الحصيلة والنتيجة النهائية: تلاميذ أميُّون!
الجريدة الرسمية