رئيس التحرير
عصام كامل

موسى والخضر

لله تعالى اصطفاءات واجتباءات من خلقه، منهم من كلفه سبحانه في الظاهر بتبليغ رسالاته إلى خلقه ومنهم من كلفهم الله تعالى بأعمال باطنة متعلقة بالتصريف في الأرض وهم أهل ولاية الله تعالى وسره، وفي قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر عليهما السلام الدليل على صحة ذلك..

 

سيدنا موسى تكليفه ظاهر والخضر تكليفه باطن ولنبدأ القراءات في قصتهما.. سُئل سيدنا موسى من مؤمنين بني إسرائيل.. هل هناك من هو أعلم منك يا كليم الله.. فقال في نفسه: لو كان هناك من هو أعلم مني في زمني لكان أحق بالنبوة والرسالة فقاس بالظاهر فقال لهم لا.. فعاتبه الله عز وجل لأنه لم يرد الأمر إليه تعالى بقوله.. الله أعلم..

 

وأخبره الله سبحانه أن هناك عبداً صالحاً أعلم منه.. فقال: من هو.. فعرفه الله تعالى بقوله: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.. فطلب موسى  أن يلقاه وقال أين أجده.. فقال له تعالى عند مجمع البحرين..

 

اقرأ ايضا: منزلة الشهيد

 

يقول أحد العارفين بالله تعالى كلمة البحرين فيها إشارة إلى بحر الشريعة المتمثل في سيدنا موسى وهو التشريع والرسالة . وبحر الحقيقة المتمثل في سيدنا الخضر وهو علوم الباطن والمعارف..

 

وبعد رحلة شاقة مضنية في البحث عن رجل الحقيقة والعارف بالله لقى موسى الخضر عليه السلام على شط البحر فألقى عليه السلام وطلب منه أن يصحبه ويتبعه بأدب الطالب والتلميذ مع أستاذه ومعلمه فقال بأدب جم أدب أصحاب النبؤة والرسالات.. هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا..

 

هنا نلحظ  هنا أدب سيدنا موسى في طلب العلم  والصحبة وتواضعه فمع كونه أحد أولي العزم من الرسل  الكرام عليهم السلام وكليم الله تعالى والمصطنع على عين الله والملقى عليه محبة منه.. يقول سبحانه: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}.. ويقول تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}.. ومع كل هذا الفضل وتلك المكانة إلا أنه سعى لطلب المزيد من العلم وذلك لعلمه أن علم الله تعالى ليس له منتهى..

 

هنا يتجلى نور بصيرة الخضر عليه السلام فيقول للكليم: قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا.. وذلك لأنه سوف يأتي بخوارق وأفعال تنكرها الشريعة وسوف ينكرها سيدنا موسى ولسيدنا موسى العذر في إنكاره واعتراضه، فالشريعة التي جاء بها  حكمها ظاهر والحقيقة متعلقها أمر باطن خفي ظاهره عذاب وباطنه رحمة ومن هنا قيل.. لا يصاحب العارف بالله بالعقل وإنما يصاحب بالقلب لأنه محل الاعتقاد والتسليم..

 

اقرأ ايضا: ولاية الله والعناية الإلهية

 

هنا قال موسى عليه السلام: {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}.. هنا اشترط الخضر على موسى لصحبته فقال له.. {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}. وبدأت الرحلة والصحبة..

 

يقول تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ}.. هنا أنكر سيدنا موسى عليه السلام على الخضر قتل الغلام فاعترض قائلا..{ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}.. أي  تنكره الفطرة وينكره العقل وتنكره الشريعة.. فقال الخضر: {أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}..

 

هنا تذكر موسى الشرط الذي أخذه عليه الخضر عليه السلام فتقدم بالاعتذار قائلا: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي}.. هنا اشترط موسى على نفسه وحكم عليها.. عزيزي القارئ نستكمل قصتنا في المقال التالي..

الجريدة الرسمية