رئيس التحرير
عصام كامل

لا تصنعوا محاكم أونلاين

قبل قرابة أسبوعين وقع حادث سير في البحر الأحمر اتهم فيه ابن رجل أعمال بقتل مهندسة ليناله غضب جمهور المواقع الاجتماعية الذي أعاد قطاع منه تصوير الواقعة من زوايا رسختها أفلام سينمائية عن إفلات الشاب المستهتر من العقاب نتيجة نفوذ أسرته لتتصدر في أذهان البعض مشاهد من أفلام (الغول) و(واحد من الناس).


الحقائق المعلنة رسميًا أكدت أن المتهم قد تم تجديد حبسه على ذمة القضية.. فلماذا جاءت غضبة قطاع من جمهور المواقع الاجتماعية.. وإلى أي مدى يحق لهذه المواقع ممارسة دورها الرقابي؟
قد تكون الإجابة هي شعور البعض بقدرة أصحاب المال أو النفوذ على اختراق ثغرات القانون والتحايل عليه والتلاعب به.. ويرسخ الاعتقاد باتساع الفجوة بين "العدالة" وقدرة القانون على تحقيقه قضايا أخرى كان العقل الجمعي ينتظر تقديم المتهمين للعدالة مثلما رأينا مؤخرًا في قضية "سيدة الكرم" التي انتهت ببراءة المتهمين قبل طعن النيابة..

ويعزز هذا الأمر أيضًا قضايا أخرى في العقود الماضية ضاعت خلالها الحقائق وسط أوراق ومستندات ومحامين قادرين على تشتت المحاكم وتحويل الجناه إلى ضحايا.. ليذكرنا البحر الأحمر بأنه قبل خمسة عشر عامًا قد وافق على براءة المتهمين في حادث غرق عبارة السلام.. وكأن الحكم وقتها أراد أن يقول لنا ساخرًا بأن العبارة تصلح للإبحار ولكن الألف غريق لم يحسنوا العوم!

ولأن البعض يشعر بغياب الضمانة القانونية لتحقيق العدالة في قضايا أصحاب النفوذ لذا تزدهر الرقابة الشعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى وسيلة ضغط تساعد أحيانًا في تطبيق القانون وحماية حقوق الأفراد.

المواقع الاجتماعية ليست ناقلة للحدث فحسب لكنها ناقدة له لذلك يمارس البعض عبرها سلطة الرقابة إزاء بعض القضايا لضمان نفاذ العدالة وتصويب الأخطاء بالطرق السلمية وعدم هروب الجناه أو تلاعبهم بالقانون. وهي رقابة لا تتسم دائمًا بالنزاهة أو الخلو من غرض لذا حاول البعض تحويل حادث البحر الأحمر إلى "بكائيات" مرتبطة بالهوية الدينية للضحية.. وآخرين حولوها إلى "حقد طبقي" تجاه الأغنياء..

وغيرهم استبقوا الأحداث بنشر وقائع لم تأكدها أو تنفيها النيابة العامة.. وهو ما أخرج حديث هؤلاء من نطاق "الرقابة الشعبية" الهادفة إلى تصويب الأخطاء إلى "الغوغائية" التي ابتعدت عن الاستناد إلى الأدلة المنطقية بينما الهدف من الرقابة الشعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو ضمان خضوع الجميع إلى القانون دون محاباة وليس الاستباق بإصدار الأحكام عليهم.

المواقع الاجتماعية ليست وسيلة للإدانة أو البراءة أو محكمة قادرة على تحقيق العدالة لكنها تساهم في تسليط الضوء على بعض القضايا بغرض الرقابة والمتابعة التي لن تكتمل إلا باستجابة سريعة من جانب الجهات الرسمية لما ينشر عبرها في إطار حق المجتمع في معرفة سير القضية، فهي ليست حادث سير عادي إنما أشعرت البعض بأن القانون يواجه مجددًا اختبارًا في قدرته على تحقيق العدالة.

تابعت مداخلة لمحافظ البحر الأحمر تعقيبًا على الحادث وأعجبني تأكيده بأن التحقيقات تسير باحترافية دون مجاملات لأحد لكنني اتعجب من وصفه ما يثار على السوشيال ميديا في هذه القضية بكونه "هري" فيما أشار خلال المداخلة ذاتها أن السوشيال ميديا تحاول بهذه القضية أن تجعلنا ننسى الاحتفال بعيد الشرطة والإنجازات التي تحققها الدولة.. وبهذا يكون المحافظ قد واجه "الهري" بالـ "الهري المضاد"!

ما تحتاجه المواقع الاجتماعية ليس الهجوم الرسمي على نمط تلقيها للخبر، وإن أخطأ البعض، وإنما إمدادها السريع بالمعلومات الدقيقة والحقائق والتعامل بشفافية ووضوح لطمأنة الجميع بأن القانون قادر على إقرار العدالة مع تقبل دور هذه المواقع في ممارسة النقد البناء بغرض تشخيص خطأ معين أو سد ثغرة قد يلجأ إليها البعض للتلاعب بالحقائق بحيث يكون خط الاتصال دائمًا مفتوح بين "المسؤولين" و"المواقع الاجتماعية" فكلاهما يحتاج الآخر.. الأول بدوره جهة التنفيذ والثاني بدوره أحد جهات الرقابة الشعبية.
الجريدة الرسمية