الاقتصاد المصرى فى العناية المركزة؟!
الكل شريك فى جريمة اغتصاب الاقتصاد المصرى، البداية كانت عقب أحداث ثورة يناير 2011 من خلال الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات، والمطالب الفئوية المتعددة من هنا وهناك، لم يدركوا أن البلاد منهكة من نظام ظالم جردها من كل شىء، سلب ونهب كل شىء حتى الأموال قام بتهريبها خارج الحدود، فحالة الاقتصاد المصرى كما يصفها الأطباء لحالة خطيرة لمريض نسبة شفائه ضعيفة "حالة حرجة".
بالفعل اقتصادنا فى حالة حرجة جدا، والسبب الرئيسى لذلك الصراعات السياسية الدائرة والتى بلغت ذروتها بما نشاهده من عنف وتخريب وقتل وحرق، وقطع للطرق وخطوط سكك حديدية وغيرها، كلها أمور تزيد الأمور سوءا والغريب أن هناك من يدافع ويبرر لكل ما يحدث تحت مسميات ساذجة مثل "الغضب الشعبى"، برغم أن من يروجون ويقومون بهذه الأعمال قلة قليلة مأجورة لا تريد لمصر أمنا ولا أمانا وهذه هى الحقيقة التى قد تغضب الكثيرين، والأغرب أن بعض وسائل الإعلام تروج لمثل هذه الأعمال بل وتساهم فى عمليات التحريض على التخريب سواء عن عمد أو عن جهل بميثاق الشرف الإعلامى الذى أصبح مجرد شعارات وعبارات تردد فقط!
نعم فهناك صدع وثمة شقوق بين الأنقاض ولكن يمكن أن نرى النور من تحتها، فهناك خلل واضح فى ميزان مصر التجارى مع التزايد المتواصل لحجم الواردات مقابل تراجع ملحوظ فى صادراتنا والالتزامات الخارجية للدولة، ما يمثل ضغوطا كبيرة على الجنيه وهو ما حاولت الدولة معالجته من خلال أطروحات أذون الخزانة باليورو والدولار وجذب ودائع بالعملات الأجنبية من دول مثل السعودية وقطر وتركيا، كما أن تراجع الجنيه قد يكون له إيجابيات تتمثل فى خفض قيمة الدين الداخلى ورفع تنافسية الصادرت، إلا أن ذلك سيمثل فى الوقت نفسه خطورة من ناحية زيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار الواردات فى ظل خلل الميزان التجارى بالإضافة إلى ضغوط على الاقتصاد المصرى فى مرحلة التعافى الحالية.
كما أن تدهور سعر الجنيه المصرى له الكثير من التداعيات السلبية على الاقتصاد، تتمثل فى ارتفاعات فى سعر السلع والمنتجات فى السوق سواء المستوردة أو محلية الصنع، خاصة فى ظل ضعف الرقابة على الأسواق، كما سيكون له أثر سلبى على ميزان المدفوعات وسيزيد من تكاليف الاقتراض من الخارج عن معدلات الفائدة المعلنة، نظرا لفروق الأسعار. فبرغم ارتفاع سعر صرف الدولار إلا أن هذا الارتفاع قد يكون مقبولا لكن زيادته إلى معدلات أكبر قد تكون لها انعكاسات سلبية وقد تؤدى إلى زيادة معدلات الفقر فى مصر، نظرا لانخفاض الدخول وارتفاع الأسعار المتوقع والذى لن يصاحبه زيادة فى الدخول، نظرا للعجز الذى تعانى منه الموازنة العامة والركود الاقتصادى، فإنقاذ هذا الوضع المالى والاقتصادى من التحول إلى وضع أكثر ترديا وانهيارا هو مسئولية الجميع لاسيما خبراء الاقتصاد لتنفيذ برامج إصلاح سريعة لعلاج هذا الوضع المتردى والمستمر فى الانهيار.
إن المرحلة المقبلة خطيرة للغاية، فهى تتطلب وتحتاج "لرجال إنقاذ حقيقيين من أصحاب الضمير الوطنى" من خيار رجال المال والاقتصاد المعروفين بكفاءتهم وخبرتهم الطويلة والقادرين على إدارة الأزمات المالية والاقتصادية التى تواجهها الدول، ولابد من اختيار شخصية سياسية أو اقتصادية ذات كفاءة تشكل حكومة قوية واختيار المجموعة الاقتصادية التى تعمل معه وتساعده، ولابد وأن ننحى خلافاتنا السياسية جانبا ونعمل بجدية مشاركين بفاعلية وبوازع وطنى ومسئولية مشتركة فى كتابة روشتة الإنقاذ التى يدخل بها الوضع المالى والاقتصادى للدولة إلى غرفة العناية المركزة.
Raafat.1963@gmail.com
