رئيس التحرير
عصام كامل

لقد أصبحنا فريسة


في تلك الأيام الكاحلة التي لا يتقبل بعضهم فيها الرأي إلا إذا كان صادرا من إخواني أو سلفي، رأيت أن أرتدي عمامة السلفيين وأظهر على الناس بلحية الإخوان، وأقف على منبر الشيخ حسان أو يعقوب أو الحويني، ثم أرفع صوتي بالدعاء على الذين يحاربون الإسلام، ويبتغون الشر لمصر، وكان يجب أن أضع لنفسي صورة تخيلية وأنا واقف في هذا الموقف، ومن تيسير الله لي أن مسألة التخيل هذه ليست من الأمور العويصة، فقد كنت إلى زمن قريب أقف خطيبا في مجموعة من المصلين البؤساء، كان من سوء تقديرهم أن وقعوا تحت خطبتي كل يوم جمعة، 
وقد أعملت فيهم الفتاوى كما يفعل كل الدعاة، المهم أنني وضعت لنفسي الصورة التخيلية، ووجدتني أقف على المنبر كأيام زمان، وقبل صلاة الجمعة رأيت شابا طيبا كان من فرط حسن ظنه بي أن سألني في أمر من أمور الشرع، فقال لي: يا مولانا ـ الذي هو أنا ـ ما هو الحكم الشرعي في جماعة من الجماعات ترفع شعارات الإسلام ثم بذرت الخلافات في الأمة وقسمتها وبثت في جماعات الأمة البغضاء والشحناء؟ فقاموا بالصراع على الحكم عن طريق إحداث فتنة كبيرة، فحرقوا مؤسسات الدولة وفجروا مديريات الأمن وقتلوا رجال الشرطة والجيش، وقطعوا الطرق بزعم أنهم يتظاهرون سلميا، وقتلوا المارة الأبرياء، والصحفيين المسالمين.

وحينما سمعت السؤال من هذا الشاب أيقنت أنه من شباب مصر الأوفياء، فأكبرت فيه همته، وحماسته، وغيرته على بلاده، فكان أن وقفت على المنبر خطيبا، وقلت للناس إن خطبتي ستكون عبارة عن فتوى شرعية، ردا على سؤال سأله أحد الرعية، وإجابتي ستكون إن شاء الله مرعية، ثم تلوت عليهم السؤال الصعب، وقلت في نفسي: "سهلها يا رب" ثم استغفرت وحوقلت، وقرأت من القراءات وتلوت ( وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) ثم قلت: لا تباغضوا ولا تقاتلوا، هذه هي وصية رسول الله لنا، والجماعة التي تسبب الفرقة والقتال والفتنة بين أفراد الشعب ستتحمل نتيجة فعلتها أمام الله، وكل فرد في الجماعة يعتبر مسئولا عن هذا الشر..هذا وبالله التوفيق.

وقبل أن أدعو المصلين للصلاة، رأيت المشهد التخيلي يتطور، فقد قام أحد الإخوان، وهتف هتافا منكرا، وأخذ يسب ويشتم، وأمسك حديدة كانت في جانب المسجد وهجم بها على الشاب صاحب السؤال، وآخرون هجموا على المنبر يريدون سفك دمي فاشتعلت المعركة في المسجد، وتلوثت أرض المسجد بالدماء، فما كان مني إلا أن وليت فرارا ولم أعقب، وحين خرجت من المسجد قابلني أحد المواطنين الأعزاء من المسيحيين، فقال لي: هل ترضى يا عم الشيخ بالدماء التي سالت في الكنائس بسبب اعتداءات الإخوان عليها؟ فقلت له وأنا أسرع في المشي: "اجرِي يا مجدي.. فقد وقعنا فريسة، فقد سالت الدماء في المسجد والكنيسة".
الجريدة الرسمية