رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة للعبيد


خلق الله لنا العقول والأعينَ والآذان، وطلب منا أن نستخدمها، ولكن بعضنا آثر أن يُغلق عينيه ويصم أذنيه ويسلم عقله لغيره ليفكر بدلا منه، لذلك قال الله سبحانه وهو يذم الإنسان الذي يفعل ذلك "لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل"، وما ذم الله هذه الخصال إلا لأنها تسلب من الإنسان حريته فيكون تبعا لسيدٍ يأمره وينهاه، فلا يفكر إلا كما يفكر سيده ولا يرى ولا يسمع إلا بعين وأذن هذا السيد.

هذا هو مجتمع العبيد، حيث تنهزم طائفة العبيد نفسيا أمام السيد، فترى أنه المُخَلـِّص، وأن ما يقوله هو الصواب، فإذا قال أحد من غير سادتهم كلمة حق تخالف قول "السيد" فإنها عندهم باطل، وإذا اصطفت الجماهير بالملايين ناقمة على سادتهم، دلس عليهم السادة وقالوا: "إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون".

ساعتها لن ترى أبصارهم إلا إنهم شرذمة مستأجرة من أجل محاربة دين سيدهم الذي هم عليه، فإذا ارتفعت أصوات الجماهير غاضبة منهم ومن سيدهم فأصبحت كالهدير "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوْا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا" هم في الحقيقة لا يسمعون إلا سيدهم ولا يفهمون إلا منه ولا يرون غيره، ولكن هل سيكون سادتهم معهم يوم القيامة عندما يقفون بين يدي الله سبحانه وتعالى؟ هل سيدافعون عنهم كما دافعوا هم عنهم في الحياة الدنيا؟ هذا هو اليوم الذي يفر فيه المرء "من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه"، سيقول كل واحد من سادتهم لهم في هذا اليوم: نفسي نفسي.

كن على يقين ـ أيها الأخ الذي آثر أن يكون عبدا لسيد ـ أنك ستأتي أمام الله يوم القيامة وحدك، لن يكون معك سيدك، لن يكون معك إلا عملك، لن تصطحب معك آنذاك جماعتك أو أهلك أو عشيرتك لتنوب عنك في الحساب، ولكن كلهم "آتيه يوم القيامة فردا".

وفي يوم الفصل بين الخلائق سيكون المشهد رهيبا عندما تقف طائفة العبيد لتقرأ كتابها، سيرى كل واحد منهم ذلك اليوم الذي أطاع فيه سادته فارتكب إثما، حتى ولو كان بزعم الدفاع عن الإسلام، فالإسلام لا ندافع عنه بالذنوب والخطايا والتفريق والتحريش بين الناس، سيرى هذا العبد الذي أغلق قلبه وسمعه وبصره وهو في الحياة الدنيا ذنوبا وآثاما لم ترد على باله، حينئذ سيعلم أن السادة أضلوه، وهو استجاب للضلالة حينما أغلق عقله وسلمه لهم.

هذا هو حال من جعل من نفسه عبدا لسيد يقوده ويضعه كيف يشاء وكما يشاء، ولهم أقول "أيها الإخوان حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" ولكنني أثق أن هذه الكلمات لن تصل إلى الإخوان، فالعبيد لا يفهمون.
الجريدة الرسمية