رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة فى درب المهابيل ‏

فيتو

قررت حارة درب المهابيل، القيام بثورة ضدى، نعم ضدى أنا، ‏رغم أننى لا علاقة لى بأى شىء، لا أنا حاكم لهذه الحارة ولا ‏أتدخل فى شئونها، فقط كنت أصدح أمامهم بأقوالى الخالدة بعد أن ‏أشرب أقداح الجعة المترعة، ولا أظنكم تعرفون كيف كانت ‏رأسى تدور بعد أول كأس، فأنا عاشق للشراب صبابة، وبعد أن ‏تدور رأسى كنت أقف فى الشعب خطيبا، ليس كأى خطيب ‏ولكننى وفقا لطبيعتى كنت خطيبا مفوها لا أكل من الكلام ولا أمل ‏من الحديث حتى إن البعض تصور أننى لسان نبت له رَجُل، وفى ‏كل مرة كان أهل الحارة يطربون من خطبى، ما الذى حدث إذن؟ ‏ما الذى جعل أهل الحارة ينظمون ثورة عليَّ؟


كانت البداية عندما وقف صديقى ابن حلزة فى وسط الحارة ‏صائحا: اليوم حرام فيه العلم، اليوم سوف يراق الدم، بعدها يا ‏مولانا تجمع حوله أهل الحارة، قال أحدهم: ماذا تريد؟
رد ابن حلزة: سوف نثور على "أبو يكح الجوسقى".‏
قال الناس بصوت واحد: ولماذا نثور عليه؟‏
أجابهم ابن حلزة: لأنه شبيه بالرئيس المصرى محمد مرسى، وقد ‏أصابنا الضجر من هذا الرئيس وجماعته، ونظرا لأننا أحيانا ‏نؤثر السلامة فقد قررت أن نثور جميعا على مرسى هنا فى ‏الحارة، ولأن مرسى لا يجلس بيننا إذ إنه يجلس مع أهله ‏وعشيرته فى تنظيمهم السرى؛ لذلك كان من الحتمى أن نثور على ‏من يشبهه شكلا، ولا يوجد بيننا من تقترب ملامحه من مرسى إلا ‏الجوسقى.‏

كان لابد أن أرد على خطبة ابن حلزة، فقلت وأنا أتصنع الهدوء ‏والحكمة: الإخوان جماعة ربانية، والرئيس محمد مرسى رئيس ‏ربانى، والمرشد ربانى، والحياة الإخوانية أصبح لونها ربانيا.‏
‏ حين قلت هذه العبارة فإذا بجوقة المعارضة تهب فى وجهى مثل ‏وابور الجاز الذى لم يتم تسليكه، وصاح ابن حلزة زعيم ‏المعارضة فى الحارة صائحا: الحقيقة يا أخ أبويكح الرئيس ‏مرسى ربانى وربى أهلى.‏
نهرته قائلا: لماذا تتحدث هكذا أيها الأخ الكريم عن الأخ الكريم ‏ابن الكريم محمد مرسى وعن جماعته الربانية، إنها لا تبتغى إلا ‏مصلحة مصر كلها.‏

قفز من بين الجماهير الأخ الثورى "توكلنا على الله"، معترضا ‏واستطاع من خلال معارضته اجتذاب فئة من أهل الحارة، وفجأة ‏تحولت الحارة إلى فئتين، فئة تريد أن تحرق مقر الإخوان فى ‏الحارة فورا، وفئة أخرى لا تريد أن تحرق مقر الإخوان، إلا إذا ‏كان فيه إخوان.‏

وفى الحالتين كنت خائفا ومرعوبا، فربما يدفع الشبه الذى بينى ‏وبين مرسى أن يتهور المعارضون ويعلقونى على محل عم ‏‏"دعبس" الجزار مثل الذبيحة، إلا أن قلبى اطمأن بعض الشىء ‏لأن الفئة الأولى التى تعارض الرئيس الربانى محمد مرسى ‏رضى الله عنه وتريد حرق مقر الإخوان فقط، أخذت تطنطن ‏بالكلام الناعم وتهرف بالأقاويل التى تجنح ناحية السلمية، إذ ‏كانت تكتفى فقط بتوجيه سيل من الشتيمة للإخوان من مرشدهم ‏إلى أصغر واحد فيهم، ولكن أصابنى الخوف من الفئة الثانية التى ‏أخذت تتوعد بالعنف حتى إننى قلت لهم: هو كله ضرب ضرب! ‏مافيش شتيمة؟

قال الثوار من الفئة الثانية: إن مرسى لم يفعل شيئا طوال أشهر ‏حكمه وقام بقسمة البلد وسلم مفتاحها للإخوان وخيرت الشاطر ‏يبيع فيها كما يشاء ويرهن ممتلكاتها للقطريين وكلاء الخواجات، ‏وأخذ بعض المتهكمين يطلق سخريته على الرئيس الربانى ويقول ‏إن حكم مرسى هو حكم "الاشتغالات" ولا أدرى وأيم الله ما ‏معنى اشتغالات هذه التى أصبحت كلمة دارجة على ألسنة العامة، ‏والذى نفس مرسى بيده لأقطعن دابر هذه الفئة التى تسخر من ‏رئيسنا المحبب.‏

ولعلكم تلاحظون أننى أدافع عن الرئيس مرسى بكل ما أملك من ‏قوة، وما ذلك فى الحقيقة نفاقا أو لأننى شبهه أو غير ذلك، بل هو ‏إيمان عميق بعد أن تبين لى أن الرئيس المفدى أصبح ربانيا يقول ‏للشىء كن فيكون، وقد تأثرت واقتنعت بربانيته عندما نشر موقع ‏إخوان أون لاين هذه المقولة، وهو موقع يمثل فئة تدافع عن ‏الإسلام فكان من الحرى عليَّ أن أصدقه وأقتنع بمقولاته.‏

لم أحفل بدعاوى الحقد التى خرجت من أعداء الإسلام التى ‏تطالب بمحاسبة الرئيس الربانى محمد مرسى على خلفه لوعوده، ‏صحيح كنت خائفا على نفسى، فالخوف هو سيد المشاعر، ولكن ‏القلق فارقنى عندما وجدت أهل الحارة المعارضين للإخوان ‏قرروا عقد مليونية فى ميدان التحرير بدلا من أن تكون فى ‏الحارة، وأن تكون موجهة لمرسى والإخوان، وأن تطالب ‏بإسقاطهم، ومع أن الخوف فارقنى إلا أن الهواجس انتابتنى: ماذا ‏يريد هؤلاء المخربون، ولنفترض أن الرئيس مرسى لم يف ‏بوعوده، ولكن أليس ربانيا! ربانيته تغفر له كل شىء أيها السوقة ‏والدهماء.‏

المهم أن الحارة كلها خرجت إلى ميدان التحرير، وتفرق القوم ‏فيما بين من ذهب إلى قصر الاتحادية ومن ذهب إلى شارع ‏الشيخ ريحان ومن ذهب إلى ماسبيرو، المهم أن الكل تحرك، ‏ولكن لأن الجماعة الإخوانية هى جماعة ربانية؛ لذلك لم تلتفت ‏لهذه الترهات، فعلت كما فعل مبارك، عفوا فقد كان مبارك لديه ‏بعض الأحاسيس، ولكن كيف تصبح جماعة الإخوان جماعة لها ‏أحاسيس؟ هذه لعمرى أعجب الأعاجيب، الرئيس مرسى يا مولانا ‏أذن من طين وأذن من عجين، ومرشدهم ولااااا أى اندهاش، ‏وخيرت الشاطر باندهاشاته أعاد للأذهان الفنانة القديمة نجمة ‏إبراهيم فى فيلم "ريا وسكينة" عندما قالت لأختها بعد أن خنقت ‏إحدى الضحايا: يوووه جتها ستين نيلة بنت الحرام، عضتنى فى ‏إيدى كأنى عدوتها!‏
طبعا الاحتياطات التى اتخذها الإخوان فى التحرير كانت فى ‏ذروتها، ولكن التظاهرات كانت أيضا فى ذروتها، والآن بعد عدة ‏أيام من الثورة الجديدة أكتب لكم هذه الخاتمة السريعة، أنا ‏أبويكح الجوسقى نزيل ليمان طرة، لست وحدى طبعا ولكن معى ‏الرئيس السابق مرسى ومرشد الإخوان ونائبه فضلا عن رئيس ‏الوزراء ووزير الداخلية والنائب العام، وفى باقى السجون يقبع ‏الآن جيش البلطجية الإخوانى الذى حكم مصر سبعة أشهر... أما ‏كيف انتهى حكم الإخوان فيبدو أن ذلك أصبح من عادات ‏الشعب المصرى، حيث تحولت التظاهرات إلى ثورة عظيمة ‏هزمت بلطجية الإخوان وقوضت عروشهم وحاكمتهم، فأخذ ‏الرئيس السابق وأعوانه مؤبداً لكننى والحمد لله أخذت عاماً ‏واحداً، فقد راعت المحكمة أننى كنت أعمل معهم بالإكراه، وأنا ‏الآن أنتظر الإفراج قريبا وقد جلست مع الرئيس السابق ومكتب ‏الإرشاد كى أكتب مذكراتهم، طبعا كلكم تعرفون أن الثورة ضد ‏الإخوان كانت حديث العالم كله ولكن للأسف بعد الثورة تشكلت ‏مئات الائتلافات للثوار وحدثت مشاكل بين القوى السياسية ‏حول الدستور أولا أم الانتخابات؟ واشتدت الخلافات بين الثوار ‏والأحزاب والحركات الإسلامية، وظهر أن فصائل إسلامية ‏وليدة عقدت تحالفات بهدف الوصول للحكم وصمموا على أن ‏الانتخابات أولا، وقد تقدم للترشح على منصب رئيس ‏الجمهورية كل من: الدكتور سليم العوا وعمرو موسى ومحمد ‏البرادعى وحازم أبوإسماعيل وعبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين ‏صباحى وأحمد شفيق.. وباباى يا شعب.. نقلها لكم وختمها أبويكح ‏الجوسقى ‏

"نقلا عن العدد الأسبوعى "

الجريدة الرسمية