رئيس التحرير
عصام كامل

25 يناير.. هل هو المخلص أم ننتظر آخر؟!


ترقب وتوجس وقلق وانتظار... هذا هو حال الشارع المصرى، انتظارا  لما ستسفر عنه مظاهرات يوم 25 يناير 2013، التصريحات الصادرة من الحكومة ونظام الإخوان بتهوين المظاهرات تعكس مدى قلقهم ورعبهم من تلك المظاهرات، فى أن تتحول إلى ثورة قد تطيح بهم من الحكم.


 تفاؤل حذر من المعارضة تصحبه تصريحات دبلوماسية لرموز المعارضة، تحميهم من الوقوع تحت طائلة الاتهامات التى قد توجه لهم، والمعدة مسبقا كالدعوة للخروج على الشرعية، والدعوة لقلب نظام الحكم، وتكدير الأمن العام...إلخ، بينما تصريحات شباب الثورة تأتى قوية ومعبرة عن طموحاتهم، ولكنها لا تخلو من حماسة واندفاع الشباب، رجل الشارع المصرى يترقب أيضا "لا لتغيير النظام بل للمساهمة فى تحسين أوضاعه".

لكن بقراءة سياسية هادئة وبتحويل ما يدور فى الشارع المصرى الآن، لمعادلة حسابية بعيدا عن تصريحات المهونين والمهولين والمحبطين، نجد أن مبارك لم يتنح لأن الجيش انحاز للثورة، والجيش لم ينحز للثورة من أجل عيون الثوار، فقد اتخذ الجيش هذه الخطوة لأنه كانت هناك إرادة دولية للتغيير فى مصر وبصراحة أكبر "إرادة أمريكية للتتغيير"، هذه الإرادة غير موجودة الآن وغير متوافرة، فالنظام الحالى يطيع أمريكا فى كل شىء، فقد ساهم فى تأمين إسرائيل عندما تعهدت مصر بوقف إطلاق صواريخ حماس على إسرائيل، سمح للولايات المتحدة بنشر أجهزة مراقبة على حدودنا الشرقية، عندما ظهرت تصريحات "مرسى" ضد الصهاينة، أصدرت الرئاسة المصرية اعتذارا فى اليوم التالى بل وأكدت على احترامها لكل الأديان ودعت للمحبة والتآخى والسماحة بين جميع الناس، وهذا ما تريده أمريكا بالفعل، فهى استطاعت أن تجبر التيار المتطرف على الإدلاء بتصريحات معتدلة جدا.

على الجانب الداخلى، ما زال التيار الدينى يتمتع بشعبية كبيرة قياسا بالتيارات الدينية المتطرفة فى بلاد أخرى، فالبرغم من تدهور وحرق شعبيته المستمرين، لكنه لم يصل بعد لحجم شعبية الأحزاب الدينية المتطرفة فى إسرائيل مثلا، والتى لا تتعدى 3%، فى الاستفتاء الأخير حصل الإخوان على عشرة ملايين صوت نعم، العالم كله يعرف أنه كان هناك تزوير وأن العشرة ملايين صوت تمثل فقط 20% من القوة التصويتية، ولكن فى ظل السلبية السياسية للمصريين قد تتحول هذه النسبة للضعف فى حالة عدم مشاركة كل الــــــ50 مليونا الذين لهم حق التصويت، والتيار الدينى يملك المال والتنظيم وأسلحة ومليشيات مدربة جاهزة للتدخل لحماية النظام، أى أن نسبة تأييد التيار الدينى المتطرف مازالت كبيرة بالنسبة لما ينبغى أن تكون عليه فى أى مجتمع سوى أو حتى بما هى عليه فى إسرائيل.

ومن جانب آخر.. فشل رموز المعارضة فى خطاب رجل الشارع البسيط، فالمطالب السياسية لا تصنع ثورة ولكن الثورة تصنعها المطالب الشعبية، التى تتعلق بلقمة العيش، فالمواطن لا يهمه من يحكم ولكن يهمه أن يوفر قوته وقوت أولاده، أما الحريات والأخونة والهيمنة والسيطرة فهى شعارات تجذب المثقفين فقط، أما المهمشون وهم الغالبية العظمى فلهم اهتمامات أخرى، ولكى تنجح الثورة لابد أن يكون لها مطالب شعبية وأهداف شعبية، نعم هناك حالة من الغضب فى الشارع المصرى من تدهور أحوال المعيشة، ولكن لا يوجد من يدغدغ مشاعر رجل الشارع، ولم يوجد الزعيم الذى يخاطبه ويثق فيه بعد، وأعتقد أن حمدين صباحى هو الأقدر على مخاطبتهم إذا تحلى بالشجاعة وإذا كان عنده استعداد أن يسجن من أجل مبادئه وقيمه فى حالة فشل الثورة.

هذا هو الواقع السياسى المصرى الآن، كحسابات حسابية بحتة، تقول إن ثورة 25 يناير تحت هذه الظروف لن تستطيع القضاء على الإخوان ولن تستطيع تغيير نظام الحكم للظروف الداخلية والظروف الدولية، ولكنها قد تكون بروفة قوية لثورة تأكل الأخضر واليابس وتجتاح مصر كلها لتقتلع النظام وتقتلع من يقف وراء النظام وهى ثورة الجياع المنتظرة.

ولكن السياسة شأنها شأن كل العلوم الإنسانية فهى لا تخضع للحسابات الدقيقة 1+1=2 هذا فى علم الرياضيات، أما فى العلوم الإنسانية فقد يساوى صفرا أو يساوى ثلاثة أو عشرة، فقد تأتى ثورة يناير بالمخلص الذى يخلص مصر من كبوتها ويعيد لها شبابها ويحقق آمال شعبها، فقد تشهد المظاهرات تصاعدا فى مطالبها ودعما شعبيا يحولها لثورة حقيقة، أو قد تكون صوتا صارخا فى البرية يعد الطريق للثورة القادمة، فهل يكون يوم 25 يناير يوم الخلاص أم أننا سننتظر آخر؟!!.

 هذا ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة.

الجريدة الرسمية