رئيس التحرير
عصام كامل

اليوم.. 25 يناير ذكرى مجزرة الإسماعيلية 1952

فؤاد باشا سراج الدين
فؤاد باشا سراج الدين

كان إلغاء معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، بعد أن كبلت مصر لمدة خمسة عشر عاما حدثا مهما فى تاريخ مصر القومى، وقد أعلن مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء هذا الخبر بعد موافقة البرلمان عليه بمجلسيه، واستقبلت البلاد إلغاء المعاهدة بالغبطة والحماسة، وأبدى الشعب المصرى استعداده للبذل والتضحية واستعدت الأمة بمختلف هيئاتها وطوائفها للكفاح، وتجاوبت مع الحكومة فى مجاهدة المحتل الإنجليزى المرابض فى القنال وبدأت مرحلة جديدة من مراحل الكفاح الوطنى، أما الوزارة الإنجليزية فقد أعلنت تمسكها بالمعاهدة ورفض الحكومة البريطانية إلغاء الحكومة المصرية للمعاهدة من جانب واحد.


ومنذ ذلك التاريخ انطلق الكفاح المصرى وتوالت الصدامات بين المصريين وجنود المحتل بمنطقة قناة السويس، وبلغت ذروتها فى يوم 25 يناير 1952 حيث وقعت فى مدينة الإسماعيلية فى ذلك اليوم وكان يوافق يوم الجمعة مجزرة بشرية دمغت الإنجليز بالوحشية وسجلها فى الصحائف السوداء من جرائم الاستعمار.

ففى ليلة الجمعة، وفى جنح الظلام احتشدت قوات ضخمة من الجيش البريطانى تشد أزرها قوات كبيرة من الدبابات والمصفحات ومدافع الميدان، وحاصرت مبنى محافظة الإسماعيلية وثكنات بلوكات النظام فكان هذا الحصار إيذانا بأن حادثا رهيبا على وشك الوقوع.

وفى الصباح الباكر من هذا اليوم طلب قائد القوات البريطانية بمنطقة الإسماعيلية من قيادة الشرطة المصرية تسليم أسلحة جميع قوات البوليس من بلوكات النظام وغيرهم الموجودين بالإسماعيلية وجلاء تلك القوات عن دار المحافظة وعن الثكنات مجردة من أسلحتها فى الساعة السادسة والربع من صباح ذلك اليوم، ورحيلها عن منطقة القنال جميعها.. وكان ذلك بواسطة إنذار سلم إلى ضابط الاتصال المصرى، وقد رفض قائد بلوكات النظام ووكيل المحافظة كلاهما الإنذار ثم اتصلا بوزير الداخلية «فؤاد سراج الدين» حوالى الساعة السادسة والربع صباحا وأبلغاه الأمر، فأقرهما على موقفهما وطلب إليهما عدم التسليم ومقاومة أى اعتداء يقع على دار المحافظة أو على ثكنات بلوكات النظام أو على رجال البوليس أو الأهالى، ودفع القوة بالقوة والصمود فى الدفاع حتى آخر طلقة مع القوات كما طلب إليهما إبلاغ ذلك إلى القيادة البريطانية.

وبعد دقائق عاد القائد البريطانى وأبلغ قائد البوليس المصرى بأنه إذا لم تسلم القوات المصرية أسلحتها فورا فستهدم دار المحافظة والثكنات على من فيها، فأصر القائد المصرى على رفض التسليم وأصدر أمره إلى القوات التى تحت إمرته بالمقاومة إلى النهاية إذا بدأ العدوان الإنجليزى.

وبعد دقائق نفذ البريطانيون إنذارهم وأخذوا يضربون دار المحافظة والثكنات بالمدافع، ويطلقون عليها القنابل وانهال الرصاص من الدبابات والسيارات المصفحة على جنود البوليس المصريين، فرد جنود البوليس البواسل على هذا العدوان بالدفاع المشرف، وقابلوا الضرب بضرب مثله مع هذا الفارق بين القوتين فى العدد والعتاد فلم تكن قوة البوليس المصرى تزيد على 800 جندى بثكنات بلوكات النظام 80 بالمحافظة وليس لديهم من السلاح سوى البنادق، أما قوات الإنجليز تبلغ سبعة آلاف جندى مسلحين بالدبابات الثقيلة والمصفحات والسيارات والمدافع.

ونشبت بين الطرفين معركة دموية رهيبة أبدى فيها جنود البوليس المصرى الذين كانوا مرابضين فى الثكنات وضباطهم شجاعة جعلتهم مضرب الأمثال فى البطولة والتضحية، ولم يتوقفوا عن إطلاق النار فى هذه المعركة حتى نفدت آخر طلقة لديهم بعد أن استمرت المعركة نحو ساعتين.

وقد سقط فى ميدان الشرف فى هذه المعركة من جنود البوليس خمسون شهيدا وأصيب منهم نحو ثمانين جريحا، وقدرت القيادة البريطانية خسائر الإنجليز بثلاثة عشر من القتلى و21 جريحا.

لقد كافح رجال البوليس العزّل من السلاح رجال الإمبراطورية البريطانية المسلحين بأقوى الأسلحة وصمدوا ودافعوا عن شرفهم وشرف الوطن، واعتبر هذا اليوم عيدا للشرطة إحياء لهذا الموقف البطولى التاريخى ووفاء لذكرى استشهاد خمسين شرطيا رفضوا الاستسلام ورووا بدمائهم الطاهرة أرض الإسماعيلية فداءً لمصر.
الجريدة الرسمية