رئيس التحرير
عصام كامل

سوريا بين ذئاب المعارضة و كلاب واشنطن


ولقد ابتلانا الله بوفرة فى الطابور الخامس الذى يرى فى الاستقواء بالخارج مشروعا وطنيا والأغرب أن لذلك صدى غير مذموم لدى كثيرين، فبات استدعاء الأسطول الأمريكى على حدود مصر البحرية من دواعى التكبير باسم الله، والتمنى بقصف البلاد بدانات غربية نوعا من الجهاد فى سبيل الله، واستدعاد الآلة الحربية الأمريكية القاتلة حلا لصراع بين أبناء الشعب الواحد، هذا ما وصلنا إليه، وهذا ما لم يخطر ببال محتل قديم أو جديد.



وسوريا ليست النموذج الوحيد الذى يجهز الآن على مذبح البيت الأبيض، فقد سبقه العراق وقد شاركنا جميعا فى تدمير جيشه بالصمت تارة وبالشماتة تارة، فتلاشى جيش عربى واستبدلناه بقواعد أمريكية تستطيع الوصول إلى غرف نومنا قبل أن يرتد إلينا جفننا، وليبيا كانت المحطة الثانية التى طالتها آلة الخراب الأمريكى وسط تكبيرات الوطنيين الليبيين والقوميين العرب والإسلاميين الذين استبدلوا البيت الأبيض كعبة للطواف والاستسلام بعد أن بات أوباما هو نبى العصر القادم لنصرة الإخوان فى كل بقاع العالم العربى.

ولم يمض الربيع العربى ربيعا يانعا مزهرا بعد أن حولته الولايات المتحدة الأمريكية إلى خريف أسقط كل ألوان الخضار من أراضينا، وامتطى هوته وسار بها إلى حيث العملاء الجدد بدءا من إخوان مصر ومرورا بإخوان تونس، وليس نهاية بإخوان سوريا، ولم يعد من المشاهد المثيرة للاشمئزاز  أن يخرج علينا وطنى غيور يحمل من الملامح العربية مظهرها الخارجى فحسب لينادى بأعلى صوت مطالبا بدك سوريا وقصف مصر وحرق ليبيا.

وسوريا التى تذبح الآن بأيدى سورية تساعدها أياد عربية إنما تقع فريسة بين ذئاب المعارضة الوطنية وكلاب واشنطن الجائعة لكل ما هو عربى، ويقولون جيشا ويقولون سوريا ويقولون حرا ونحن نردد نفس المصطلحات دون إدراك للمعنى أو فهم للمغزى، ودون أن نفكر كيف يكون جيشا! وهو عصابات من كل حدب وصوب وكيف يكون سوريا! وهو مدعوم بإرهابيين من القاعدة ومقاتلين من كل الجنسيات ودون أن نسأل كيف يكون حرا من رضى بفتح أبواب جهنم على بلده مهما كانت الأسبا!

وأصبح الوطن العربى معمل تجريب لكل صنوف القتل وأنواع التدمير، ودون غيره من الأوطان أصبح سهلا، مطيعا، خاضعا، ذليلا، مستعدا لاحتضان قاتليه ورفع رايات معذبيه، ليس لأنه يعيش أقدم نموذج للدكتاتورية، فليس وحده من ينفرد بتلك الآفة وإنما لأن طابوره الخامس يتمدد يوما بعد يوم حتى أصبحت الخيانة وجهة نظر، وأضحت العمالة مهنة مرموقة وبات كل متصل بالغرب هو صاحب الصوت واصل الصورة.

ومن محمد مرسى المجاهد على أبواب سوريا إلى صورته الممتدة فى أعماق الريف وشوارع المدينة يصبح للمطالبين بغزو سوريا وتمزيق أواصرها وتحويلها إلى دويلات تتناحر فيما بين أبنائها صدى فى نفوس إسلاميين كانوا قبل قليل يهتفون "شهداء بالملايين على القدس رايحين"، حتى أصحاب القدس ووارثيها تركوا الأقصى وذهبوا إلى الأدنى من الجهاد وباتوا بالملايين قتلة على سيناء قادمين.

وفى زمن أصبح التآمر فيه على الهواء مباشرة دخل العقل العربى حضّانة الاستكانة، وقبلت الكرامة العربية الحبس الإرادى، وطافت الأمة حول البيت الأبيض فى سبعة أشواط بين السير الناعم والهرولة متسولة الرضا الأمريكى، وهدى العم سام حتى لو كان الثمن العراق وسوريا ومصر ومن بعدهم لن نمانع فى كرم يمنح الغرب بقية لن يكون هضمها أصعب من بغداد!!

الجريدة الرسمية