ضحايا الموازنة، فاتورة الإصلاح الاقتصادي المزعوم تطارد الفقراء.. وهكذا تحوّلت الموازنة العامة من أداة إنقاذ إلى عبء على المواطن البسيط
ارتفاع الإيرادات من 1.34 تريليون جنيه
إلى 3.11 تريليون جنيه خلال 5 سنوات
الحصيلة الضريبية زادت من 991.4 مليار جنيه في 2021
إلى 2.6 تريليون جنيه في موازنة 2025/ 2026
الفوائد تبتلع نصيب الأسد.. تصاعد المصروفات خلال 5 سنوات
من 1.8 تريليون جنيه إلى 4.5 تريليون جنيه
لم تكن الموازنات الخمس الأخيرة مجرد أرقام تتغير من عام لآخر، بل كانت انعكاسًا مباشرًا لمرحلة اقتصادية مضطربة انتقلت خلالها الدولة من إدارة الصدمات إلى محاولة امتصاص آثارها، بينما وجد المواطن نفسه في قلب التحولات، يتحمل جزءًا كبيرًا من كلفة الإصلاح، خصوصًا محدودو الدخل والطبقة العاملة.
فمنذ موازنة 2021/ 2022 وحتى موازنة 2025/ 2026، أعادت الدولة صياغة أولوياتها وسياساتها المالية تحت ضغط عالمٍ مضطرب وسعر صرفٍ متقلب وبيئة تمويل مكلفة، وهو ما أحدث تغيّرات ممتدة في كلٍّ من الإيرادات والمصروفات والدين والعجز، حيث وجد صانع القرار المالي نفسه أمام واقع يفرض تعديلًا مستمرًا في أولويات الإنفاق ووسائل تمويله، مع الحرص في الوقت ذاته على تجنب صدمات اجتماعية قد تؤثر على الفئات الأكثر احتياجًا.
لكن السؤال الجوهري يبقى: كيف انعكست هذه التحولات على المواطن؟ ومن الفئات التي دفعت الثمن؟
الإيرادات ترتفع بسرعة لكنها تعتمد على الضرائب
عند النظر إلى مسار الإيرادات الحكومية خلال السنوات الخمس الأخيرة، يمكن ملاحظة الاتجاه الصاعد بوضوح، فقد سجلت إيرادات موازنة 2021/ 2022 نحو 1.34 تريليون جنيه، ثم ارتفعت إلى 1.56 تريليون جنيه في العام التالي، لكن القفزة الحقيقية جاءت خلال 2023/ 2024 بعد وصول الإيرادات إلى 2.54 تريليون جنيه، قبل أن تتجاوز 2.62 تريليون جنيه خلال 2024/ 2025، ثم الزيادة غير المسبوقة في موازنة 2025/ 2026 التي من المقرر أن تسجل إيرادات تصل إلى 3.119 تريليون جنيه، منها 2.65 تريليون جنيه ضرائب وحدها.
وشهدت الحصيلة الضريبية في مصر خلال الأعوام ذاتها نموًا متسارعًا يعكس توسع الدولة في آليّات التحصيل ورقمنة المنظومة المالية، إلى جانب تأثيرات التضخم واتساع نطاق الاقتصاد الرسمي، وبحسب وزارة المالية، بلغت الضرائب في موازنة 2021/ 2022 نحو 991.4 مليار جنيه، قبل أن ترتفع في موازنة 2022/ 2023 إلى نحو 1.258 تريليون جنيه مع بدء تطبيق منظومتَي الفاتورة الإلكترونية والإيصال الإلكتروني بشكل أوسع.
وخلال عام 2023/ 2024، واصلت الحصيلة الضريبية اتجاهها الصاعد لتصل إلى 1.628 تريليون جنيه، متأثرة بزيادة الأسعار وارتفاع قيمة الواردات والتوسع في ضم قطاعات جديدة إلى المنظومة الضريبية، وفي موازنة 2024/ 2025 قفزت الضرائب إلى 2.203 تريليون جنيه، لتسجل واحدة من أكبر الزيادات السنوية خلال العقد الأخير، وتشير تقديرات وزارة المالية إلى أن الحصيلة قد تصل إلى 2.654 تريليون جنيه في موازنة 2025/ 2026، إذا استمرت الاتجاهات الحالية في العمل على توسيع القاعدة الضريبية ورفع كفاءة التحصيل.
هذا النمو في الإيرادات يعكس من جهة توسع النشاط الاقتصادي وتحسن رقمنة الإجراءات الحكومية مثل الفاتورة الإلكترونية، لكنه من ناحية أخرى يشير إلى اعتماد كبير على الضرائب، وخاصة الضرائب غير المباشرة التي يتحملها المستهلك بشكل رئيسي، وقد أدى ذلك إلى زيادة العبء على الطبقة الوسطى، إذ لم يترافق ارتفاع الإيرادات مع تخفيفٍ ضريبي أو تحسين مباشر في الخدمات العامة بالقدر ذاته، وعلى الرغم من أن دمج الاقتصاد غير الرسمي وتوسيع القاعدة الضريبية يمثلان أهدافًا استراتيجية، إلا أن ذلك لم يمنع شعور المواطنين بارتفاع مستمر في تكلفة المعيشة.
المصروفات تقفز والفوائد تبتلع نصيب الأسد
في المقابل، ارتفعت المصروفات الحكومية بوتيرة أسرع بكثير من نمو الإيرادات، فمن 1.831 تريليون جنيه في موازنة 2021/ 2022، ارتفعت المصروفات إلى 2.184 تريليون جنيه في 2022/ 2023، ثم تجاوزت 3 تريليون جنيه في 2023/ 2024، وصولًا إلى 3.88 تريليون جنيه في موازنة 2024/ 2025، وتأتي القفزة الأكبر في موازنة 2025/ 2026، التي شهدت تضخمًا هائلًا في حجم الإنفاق ليصل إلى 4.574 تريليون جنيه، وهو رقم يعكس حجم الضغوط التي تحملتها الموازنة خلال العامين الأخيرين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة محليًا وعالميًا، وتذبذب سعر الصرف، وارتفاع تكلفة الاستيراد، وتزايد أعباء الدعم الاجتماعي.
وتكشف هيكلية المصروفات في آخر موازنة أن فوائد الدين وحدها بلغت 2.29 تريليون جنيه، أي ما يقرب من نصف الإنفاق العام، وهذا يعكس حقيقة أن الدين العام، على الرغم من التحسن النسبي في نسبته للناتج المحلي خلال العامين الأخيرين، لا يزال يمثل عبئًا كبيرًا على المالية العامة، ويحدّ من قدرة الدولة على التوسع في التعليم والصحة والبنية الأساسية، كما شهد بند الدعم ارتفاعًا نسبيًا خلال الموازنة الأخيرة ليصل إلى 742.554 مليار جنيه، ليصل لضعف الدعم تقريبًا مقارنة بموازنة 2021/ 2022 التي سجلت حينها 343.405 مليار جنيه، لكنه على الرغم من ذلك لم يُترجم إلى تحسنٍ موازٍ في القوة الشرائية للمواطن، نتيجة استمرار موجة ارتفاع الأسعار.
العجز بين الصعود والهبوط وهدف العودة للمسار المالي
العجز الكلي للموازنة يُعد من أبرز المؤشرات التي تعكس قدرة الدولة على تحقيق توازن بين الإنفاق والإيرادات. وعلى مدار خمس سنوات، اتسم هذا المؤشر بالتذبذب، فقد سجل العجز 6.1% من الناتج المحلي في 2021/2022، ثم انخفض إلى 6% في 2022/ 2023، وواصل الانخفاض في 2023/ 2024 ليصل إلى 3.6%، قبل أن يعاود الارتفاع بقوة في موازنة 2024/ 2025 ليتجاوز العجز 7.4%، لكنه في موازنة 2025/ 2026 يستهدف التراجع إلى مستوى 7.3%.
أما الفائض الأولي، وهو مؤشر جوهري في تقييم الانضباط المالي، فقد شهد بدوره تحسنًا في بعض السنوات وتراجعًا في أخرى، لكنه ظل إيجابيًا بشكل عام، وتهدف الحكومة إلى رفعه إلى 4% في موازنة 2025/ 2026، وهو مستوى يعكس سعيًا لتقليل الاعتماد على الاقتراض لتمويل المصروفات الجارية.
الدين العام.. رحلة من الاضطراب إلى التحسن
مرّ الدين العام المصري خلال السنوات الخمس الأخيرة بمحطات صعبة، فعلى الرغم من ارتفاعه من 84.6% من الناتج المحلي في 2021 إلى 87.2% في 2022، فإن أزمة 2023 تسببت في ارتفاعه مجددًا إلى 95.7%. لكن العام التالي شهد تحسنًا واضحًا مع انخفاض النسبة إلى 89.4%، كما واصل الانخفاض إلى 85.6% في 2025 مدفوعًا ببرامج إعادة الهيكلة وتحسين إدارة الدين.
وتستهدف الدولة خلال عامي 2025 و2026 خفض الدين الخارجي بنحو 82% من مستواه الحالي. هذا التحسن، رغم أهميته، لم ينعكس بعد على تكلفة خدمة الدين التي ما زالت مرتفعة للغاية وتشكل التحدي الأكبر للموازنة.
تأثير التحولات المالية على المواطن.. الفقراء بمنأى نسبيًا والطبقة الوسطى تتآكل
انعكست التغيرات في الموازنة على حياة المواطنين بدرجات متفاوتة؛ ففي الوقت الذي حافظت الدولة على دعم الخبز وزادت من مخصصات البرامج الاجتماعية مثل “تكافل وكرامة”، وهو ما ساعد إلى حدٍّ ما في حماية الفئات الأكثر فقرًا من آثار التضخم، فإن الطبقة الوسطى كانت الأكثر تضررًا. فقد واجهت هذه الشريحة زيادة في الضرائب غير المباشرة، وارتفاعًا في أسعار الخدمات الحكومية، وتراجعًا في قدرتها الشرائية، فضلًا عن ارتفاع تكلفة التعليم والصحة والمستلزمات اليومية، وبذلك، فإن السياسات المالية خلال الأعوام الأخيرة، وإن كانت تهدف لضبط الموازنة، إلا أنها تركت آثارًا جانبية واضحة على الطبقة الوسطى التي تشكل عماد الاستهلاك المحلي.
تشير قراءة الموازنات الـ5 الماضية إلى أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة انتقالٍ مالي صعبة، تحاول فيها الدولة تحقيق توازن بين الإصلاح المالي وتخفيف الأعباء الاجتماعية. وفي حين تضاعفت الإيرادات، قفزت المصروفات بدورها بشكل أكبر، مدفوعة بارتفاع الفوائد والتضخم. كما أن الدين العام، رغم تحسنه النسبي، لا يزال يشكل ضغطًا على الموازنة.
ويبقى نجاح موازنة 2025/ 2026 في خفض العجز وتقليص تكلفة خدمة الدين وتوسيع الاستثمارات في القطاعات الحيوية عاملًا حاسمًا في تحديد اتجاه الاقتصاد خلال السنوات المقبلة، وفي تخفيف الأعباء عن المواطن الذي تحمل كثيرًا من تبعات الإصلاحات خلال السنوات الماضية.
موازنة مضغوطة.. ومواطن يدفع الثمن
يؤكد الدكتور متولي إبراهيم، الخبير في الاقتصاد الدولي والقانون، أن مصر خلال السنوات الأخيرة مرت بتغيّرات مالية حادة تركت أثرًا مباشرًا على تفاصيل المعيشة اليومية للمواطن البسيط، فبين ضغوط عالمية قاسية وشروط تمويل دولية أعادت ترتيب أولويات الإنفاق، تحركت الدولة نحو ما تسميه «إصلاحًا ماليًا ضروريًا»، بينما يظل السؤال الملح على لسان المواطن: هل أصبح الإصلاح يعني مزيدًا من الأعباء على الفقراء؟
إصلاح أم تقشف؟ وكيف وصل تأثير الموازنة إلى جيب المواطن؟
يشرح الدكتور متولي، في تصريح خاص لـ“فيتو”، أن التغيّرات التي شهدتها موازنة الدولة بين 2022 و2025 جاءت في سياق ارتفاعات قياسية في أسعار الطاقة، وارتباك سلاسل التوريد، وموجات تضخم لم ترحم محدودي الدخل، هذه الصدمات دفعت الدولة لإعادة ضبط جانب الإيرادات والمصروفات؛ لكن معظم هذه التحركات انعكست بشكل مباشر على أسعار السلع، وفواتير الخدمات، وتكلفة النقل، أي على إنفاق الأسر الفقيرة قبل غيرها.
ويشير إلى أن بيانات وزارة المالية تُظهر ارتفاعًا سريعًا في الحصيلة الضريبية وتوسيع قاعدة الممولين، مع إعلان الدولة حرصها على عدم إضافة أعباء مباشرة على الشرائح الأقل دخلًا، لكن على أرض الواقع، تظل الضرائب غير المباشرة - مثل الجمارك والضريبة على السلع والخدمات - الأكثر تأثيرًا على المواطن البسيط لأنها تختفي داخل سعر كل منتج يشتريه.
مصروفات أقل ودعم يتراجع.. والمواطن يواجه تضخمًا أعلى
يؤكد متولي أن الحكومة اتجهت لخفض الدعم تدريجيًا، خاصة دعم الطاقة، وإعادة هيكلة الإنفاق العام، وهو ما رفع تكلفة الوقود والكهرباء والنقل، وبالتالي أسعار كل شيء في السوق، وفي المقابل، زاد الإنفاق على الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم، لكن تأثير هذه الزيادات ما زال غير كافٍ لتعويض ما فقدته الأسر الفقيرة من قدرتها الشرائية.
أما التعاون مع المؤسسات الدولية، خصوصًا صندوق النقد، ففرض التزامات مالية وإصلاحات تُشدد على ضبط الدعم وترشيد الإنفاق، وهي خطوات يشعر المواطن البسيط بنتائجها قبل أي تحسن في المؤشرات الاقتصادية.
ورغم تسجيل الدولة فائضًا أوليًا في بعض السنوات نتيجة ضبط المصروفات، فإن الدين العام ظل مرتفعًا، ما يعني استمرار ضغوط التقشف المالي، وبالتالي استمرار تأثير ذلك على الأسعار والخدمات.
يشرح الدكتور مدحت نافع أن الفترة ما بين 2022 و2025 كانت من أصعب الفترات على الموازنة العامة، لأنها جاءت وسط صدمات عالمية متلاحقة، أسعار الطاقة قفزت بشكل غير مسبوق، وسلاسل الإمداد تعطلت، والتضخم المستورد دخل كل بيت عبر ارتفاع أسعار السلع. ويؤكد أن هذه البيئة القلقة أجبرت الدولة على إعادة ترتيب أولوياتها المالية؛ ليس رفاهية، ولكن لحماية الاستقرار وضمان استمرار الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المواطن البسيط قبل أي أحد.
سياسة ضريبية “أقل ألمًا”.. ولكن تأثير الأسعار ظل حاضرًا
يوضح نافع، في تصريح خاص لـ“فيتو”، أن الدولة ركزت في الملفات الضريبية على توسيع القاعدة وتحسين التحصيل الإلكتروني بدل فرض أعباء مباشرة على محدودي الدخل، فتم دمج أنشطة من الاقتصاد غير الرسمي، وتطوير أدوات الفحص والمراجعة الرقمية، بحيث تزيد الحصيلة دون رفع الضرائب على الفئات الضعيفة والمتوسطة.
لكن رغم ذلك، يظل المواطن البسيط متأثرًا بالضرائب غير المباشرة المدمجة في أسعار السلع والخدمات، وهو ما يجعل تضخم الأسعار أشد وقعًا عليه من أي قرار ضريبي معلن.
الدعم تغيّر شكله… لكن أثره على الأسرة الفقيرة ظهر فورًا
يؤكد نافع أن الإصلاح الهيكلي لم يكن مجرد أرقام، لكنه شمل إعادة تعريف الدعم نفسه، فالدعم السلعي جرى تخفيضه تدريجيًا لصالح دعم نقدي أدق وأقل هدرًا. ورغم أن هذا التغيير يحسّن كفاءة الدعم على الورق، فإن أثر خفض الدعم السلعي ظهر بسرعة في فواتير الكهرباء، والوقود، والنقل، وأسعار السلع الأساسية… أي في يوميات المواطن الفقير.
وفي المقابل، تعمل الدولة على ضبط الإنفاق وتحسين إدارة الدين العام، حتى لا تلتهم الفوائد المتصاعدة الموارد الموجهة للحماية الاجتماعية.
صندوق النقد… التزامات ضرورية لكنها ليست بلا تكلفة
ويشير نافع إلى أن تعامل الدولة مع صندوق النقد كان له تأثير مباشر على شكل الموازنة. فالتزامات الشفافية، وتحرير الأسعار، وفتح المجال أمام القطاع الخاص، منحت الاقتصاد مصداقية أكبر، لكنها في الوقت نفسه جعلت الأسعار أكثر حساسية لأي صدمة.
ويشير نافع إلى أنه، وحتى مع نجاح الحكومة في تحقيق فائض أولي في بعض السنوات بفضل ضبط الإنفاق، لا يزال هذا الفائض هشًا طالما أن الدين العام مرتفع وكلفة خدمته ترتفع باستمرار.
المواطن بين الحماية الاجتماعية… وضغط الأسعار
يؤكد نافع أن انعكاسات السياسات المالية جاءت مزدوجة؛ برامج الحماية الاجتماعية توسعت بالفعل، ورفعت حجم الدعم النقدي للأسر الأكثر احتياجًا. لكن الطبقة المتوسطة تحملت جزءًا كبيرًا من فاتورة الإصلاح نتيجة تقليص الدعم السلعي وارتفاع الأسعار.
ويضيف أن التحدي الحقيقي هو إيجاد توازن بين حماية المواطن من موجات الغلاء وبين الحفاظ على استدامة الموازنة حتى لا تنهار الخدمات الأساسية.
الدين العام… التهديد الأكبر للاستقرار
ويشير نافع بوضوح إلى أن الدين العام هو أكبر تحدٍّ يواجه الموازنة؛ فحجمه وتكلفة خدمته يضغطان على كل بند في الإنفاق، ويجبران الدولة على إطالة آجال الدين، وتنويع مصادر التمويل، وتقليل الاعتماد على الاقتراض قصير الأجل.
ويضيف أن ارتفاع تكلفة التمويل يرتبط بتراجع الثقة وحدوث تقلبات في سعر الصرف ونقص الدولار خلال السنوات الماضية، ما ضاعف من ضغوط الدين، وأبعد جزءًا من الاستثمارات.
موازنة 2024/ 2025… أرقام كبيرة تعكس التزامات أكبر
يوضح نافع أن الأرقام الجديدة للموازنة تعكس حجم التحول: مصروفات تفوق 3.9 تريليون جنيه، مقابل إيرادات تقارب 2.6 تريليون جنيه.
ويؤكد نافع أن هذه الفجوة ليست تضخمًا في الأرقام فقط، بل نتيجة تراكم التزامات اجتماعية وتنموية وأمنية يجب إدارتها بحذر شديد، خاصة مع استمرار ضيق الحيز المالي بسبب ارتفاع خدمة الدين بشكل تاريخي. حيث تركز الحكومة الآن على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري في التعليم والصحة، إلى جانب محاولة تنشيط دور القطاع الخاص ليقود النمو، لأن الاستثمار هو القادر على خلق فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة.
كما يؤكد نافع أن الموازنة ليست أوراقًا حكومية أو حسابات بين وزارات، لكنها الإطار الذي يحدد سعر رغيف العيش، وفاتورة الكهرباء، وفرص العمل، وأسعار السلع. ويتابع قائلًا: نجاح الموازنة يعني استقرار الأسعار وهدوء الأسواق، وفشلها ينعكس مباشرة على تكلفة الحياة لكل أسرة، وخاصة الفقيرة والمتوسطة.
وفي ذات السياق، يقول الدكتور هاني أبو الفتوح، الخبير الاقتصادي: إن الموازنة العامة للدولة بين 2022 و2025 ليست مجرد أرقام تعلن كل عام، بل هي انعكاس حي لفترة كانت فيها مصر أسيرة لضغوط عالمية غير مسبوقة. في الحقيقة، كثير من إجراءات الإصلاح التي شهدناها خلال هذه السنوات جاءت استجابة لشروط صندوق النقد الدولي والتزاماتنا الدولية.
خطوات واضحة لضبط الإنفاق وتحقيق فائض أولي
ورغم الوصول بمصروفات موازنة 2024/ 2025 إلى نحو 3.9 تريليون جنيه، فإن هناك خطوات واضحة لضبط الإنفاق وتحقيق فائض أولي في بعض السنوات، وهو ما يشير—من الناحية الفنية—إلى إدارة أكثر انضباطًا للمصروفات الجارية.
ويؤكد أبو الفتوح، في تصريح خاص لـ“فيتو”، أن ما يهم هو: هل يشعر المواطن البسيط بثمار هذا الانضباط؟! حيث إن هذا المسار المالي الصعب جاء نتيجة صدمات قوية ضربت العالم كله، منها صدمات في الطاقة، وسلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الغذاء عالميًا، فهذا التضخم المستورد لم يفرّق بين غني وفقير، لكنه ضغط بشكل أكبر على المواطن محدود الدخل.
وطبقًا لبيانات البنك المركزي لعام 2024، وصل التضخم إلى مستويات قياسية قبل أن يبدأ في التراجع تدريجيًا، لكن أي حديث عن انفراج كامل يحتاج إلى حذر؛ لأن المواطن البسيط لا يهمه الأرقام بقدر ما يهمه انخفاض الأسعار في الأسواق.
وفي المقابل، نجحت الدولة في زيادة إيراداتها عبر توسيع قاعدة الممولين ضريبيًا بدلًا من زيادة العبء على الفئات الأضعف، وهذه نقطة مهمة تستحق الإشادة. فإدارة الضرائب بشكل أكثر عدالة هي أساس تخفيف الضغط عن الفقراء.
وتابع أبو الفتوح، قائلًا: أما عن الإصلاح الهيكلي، فخفض الدعم وتحقيق فائض أولي يعدان خطوات أساسية لإصلاح المالية العامة، لكن هذه الخطوات لن تنجح إذا أدت إلى زيادة معاناة الفقير، فشبكات الحماية الاجتماعية يجب أن تكون موازية لأي تخفيض في الدعم حتى لا يتحمل الفقير وحده فاتورة الإصلاحات.. كما أن هناك تدفقات استثنائية مثل صفقة رأس الحكمة التي ساعدت في تهدئة سعر الصرف وضخ سيولة دولارية، لكنها حلول مؤقتة لا يمكن التعويل عليها في تحسين مستوى معيشة المواطن على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن الحل الحقيقي والدائم هو تسريع الإصلاحات الهيكلية، وتمكين القطاع الخاص، وضمان الشفافية في إدارة الأصول العامة حتى تتولد فرص عمل حقيقية ويشعر المواطن بزيادة دخله.
ويختتم أبو الفتوح حديثه، قائلًا: يبقى التحدي الأكبر هو الدين العام الذي يلتهم جزءًا كبيرًا من موارد الدولة. الحكومة تحاول إدارته عبر إطالة آجال الاستحقاق، وهو إجراء منطقي، لكنه لا يلغي أن عبء الدين ما زال يشكل خطرًا على أي تحسن اقتصادي ملموس يشعر به المواطن.
موازنة العام المالي الجديد.. التوسع المنضبط
ويؤكد الدكتور وليد جاب الله أن إعداد الموازنة العامة يبدأ مع بداية يناير من كل عام داخل وزارة المالية، ويستمر العمل عليها حتى نهاية مارس قبل إرسالها إلى مجلس النواب لمناقشتها. ويشير إلى أن الدولة المصرية ثابتة على سياسة واضحة، ألا وهي تحفيز النشاط الاقتصادي وليس اللجوء للتقشف، لأن التقشف ينعكس مباشرة على المواطن البسيط ويضغط عليه. ولذلك فالعنوان الرئيسي لموازنة العام المالي الجديد سيكون «التوسع المنضبط»، بمعنى أن الدولة تريد زيادة النشاط الاقتصادي لكن بطريقة محسوبة، وبإجراءات تشجع القطاع الخاص ليكون هو المحرك الحقيقي للتنمية، بما يخلق فرص عمل ويحسن مستوى دخول المواطنين.
وعن الإيرادات الضريبية، يوضح جاب الله في تصريح خاص لـ"فيتو" أن ارتفاعها أمر طبيعي ومتوقع، سواء في موازنة العام الجاري أو القادم، لكنه يؤكد أن الدولة لا تستهدف زيادة الأعباء على المواطن محدود الدخل، حيث إن الإصلاحات الضريبية الجارية تعتمد أساسًا على ميكنة المنظومة وتوسيع المجتمع الضريبي بحيث يدفع كل شخص حق الدولة دون زيادة على الشرائح الضعيفة.
ويتوقع جاب الله أن تشهد المرحلة المقبلة رفع حد الإعفاء الضريبي وتخفيف الأعباء عن الشرائح الأقل دخلًا، وهو ما سينعكس إيجابيًا على المواطن البسيط بصورة مباشرة.
وفي ملف الدعم، يشير جاب الله إلى أن الإصلاح الهيكلي لا يعني خفض الدعم، بل يعني توجيهه لمستحقيه فقط حتى لا تذهب أموال الدعم لمن لا يستحق، كما أن هناك جهودًا كبيرة لتحسين إدارة الدين العام، سواء عبر وضع حدود واضحة له أو إطالة آجاله لتخفيف الضغط على الموازنة، وبالتالي تخفيف الضغط غير المباشر على المواطن.
ويشدد الدكتور وليد جاب الله على أن التعامل مع صندوق النقد الدولي ليس التزامًا خارجيًا مفروضًا، بل هو برنامج إصلاح مصري بالأساس، صممته الدولة وفق احتياجاتها، بما يضمن استقرار الاقتصاد وتهدئة التضخم الذي يرهق المواطن البسيط قبل أي طرف آخر.
وفيما يتعلق بملفات الطاقة والكهرباء والمياه، يعترف الدكتور جاب الله بأن الإجراءات المتخذة كان لها أثر على المواطنين، لكنه يؤكد أن الدولة تعمل على امتصاص التضخم ودفعه للانخفاض حتى لا يشعر المواطن بزيادة الأعباء. كما أن موازنة 2025 ليست نقطة انقلاب، لكنها حلقة في سلسلة مستمرة من الإصلاحات المالية، وزيادتها تعكس اتساع النشاط الاقتصادي وضم هيئات جديدة للموازنة، ومن ثم فهي خطوة تنظيمية لتحسين الأداء الاقتصادي.
دعم المواطن البسيط بشكل مباشر
أما القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، فيوضح جاب الله أنها لم تُهمل في أي مرحلة، بل زادت مخصصاتها بالفعل في موازنة هذا العام، ومن المتوقع أن تستمر الزيادة في موازنة العام المالي المقبل، وهذه الزيادات تهدف لدعم المواطن بشكل مباشر، سواء في العلاج أو التعليم أو برامج الحماية للفئات الأكثر احتياجًا.
ويختتم الدكتور وليد جاب الله بأن الموازنة ليست مجرد أرقام، بل أداة لخلق استقرار مالي وضبط التضخم وتحسين مستوى معيشة المواطن، وأن إدارة الموازنة طوال العام ليست أقل أهمية من إعدادها، حيث تبذل وزارة المالية جهودًا مستمرة لضمان تحقيق أهداف الموازنة وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطن البسيط.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
