رئيس التحرير
عصام كامل

يا الدفع يا الحبس!

18 حجم الخط

لا أنسى يوم جرى التحقيق معي بصفتي رئيسًا سابقًا لمجلس إدارة مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر (جريدة الجمهورية)، ومع قيادات صحفية أخرى في العام الذي حكمت فيه جماعة الإخوان البلاد، في قضايا تمت تبرئتنا منها بعدها، بل إنني فوجئت بقرار من النائب العام الإخواني طلعت إبراهيم بالحجز على أموالى وأموال أسرتي بالبنك، دون أي ذنب، وصدقت المحكمة المختصة على ذلك القرار، رغم أنني لم أعرض عليها أصلًا.. وإن كان ذلك مخالفا للقانون!


ولا أنسى أيضًا أن جهاز الكسب غير المشروع قد استدعاني قبلها ولم يجد رئيسه الإخواني، رغم محاولاته، أي شبهة تستوجب التحقيق معي من الأساس، فضلًا على احتجازي.. يومها قال بملء فيه: “إحنا عندنا يا الدفع يا الحبس”.. 

فقلت له: سيادة المستشار: ما التهمة التي تحقق فيها معي.. هل تعاقبني لأنني جلبت موارد للمؤسسة من الإعلانات وحتى لو تحصلت منها على مكافأة.. أليس من يجيد في موقعه يستحق أن يكافأ حتى في الجهاز نفسه.. هل هناك نصٌ قانوني يجرِّم ذلك.. وهل هناك مؤسسة صحفية اليوم في ظل ظروفها الطاحنة لا ترجو صحفييها الحصول على إعلانات تسهم في إبقاء تلك المؤسسات على قيد الحياة؟!


ولم أفقد الأمل، فقد تقدمت بالتماس قانوني جرى النظر فيه بعد 6 أشهر وقدمت ما يثبت براءتي من كل الادعاءات وأنني لم أتقاض من المؤسسة مليمًا لا أستحقه، وأن ما أملكه هو نتاج لشغلي وتأليفي عددًا من الكتب وبالفعل حكمت المحكمة لصالحي وقد تمت تبرئتي تمامًا من جهاز الكسب غير المشروع ونيابة الأموال العامة بعد قرار المحكمة.


ومن بطن المحن تولد المنح، وقد جاءت عدالة الله الذي لا يرضى بالظلم، وهو الحكم العدل الذي أحصى كل شيء عددًا وأحاط بكل شيء علمًا.. وانتصر لدعوة المظلوم التي قال لها: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"..

فقد ينساك القريب.. ويهجرك الصديق.. ويجحد فضلك من أسديت إليه المعروف.. وقد تقسو عليك الدنيا.. لكن رحمة ربك وحدها تحتضنك دومًا في الشدة.. وتملأ قلبك بالطمأنينة والسكينة وتغمرك بالأمل والتفاؤل وتضيء لك ظلمات الطريق الذي أطفأه ظلم العباد بعضهم لبعض.. 

 

فما أجمل أن ترعاك عناية الله وتمتد إليه لتدفع عنك كيد الخصوم وشماتة اللئام وأذى الأشرار لتقول لك: اطمئن إن عدل الله موجود لا يغيب لحظة عن الوجود.. سبحانه مالك الكون، مدبر الأمر يقول لعباده "مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (فاطر:2).


ما عشته أنا وغيري من القيادات الصحفية في تلك الأيام جزء من تاريخ الصحافة وربما السياسة، فرغم أنني بادرت طوعًا بتقديم استقالتي بعد ثورة يناير 2011 وأصررت عليها في حين رفض غيري من القيادات الصحفية ترك موقعه.. 

ولا أنسى يوم أن جاءني مدير عام مؤسسة دار التحرير وقتها الزميل يسري الصاوي (وهو حي يرزق) وقال لي: ليه تستقيل يافندم وإحنا عندنا ما يكفينا لمدة 6 أشهر أجور ومرتبات من عوائد الإعلانات وغيرها.. فما كان مني إلا أن قلت له: الاستقالة هنا واجبة.. فكيف يطلب الميدان تغيير القيادات الصحفية والإعلامية بينما نصر نحن على البقاء في مناصبنا وتحدى إرادة الناس؟!


وكم كانت تلك الأيام كاشفة لأشياء كثيرة لا تُنسى، فلم تكن استقالتي هربًا من المسئولية كما ظنَّ البعض، ولا تراجعًا عن المواجهة بل كانت قراءة استباقية لمشهد ملتبس ومضطرب لم يكن لأحد أن يتنبأ بمساراته، فضلًا عن عواقبه ونهاياته؛ فالانفلات قد ضرب كل شيء، والفوضى زحفت إلى كل مكان والركود قد ظهرت إرهاصاته ولم يكن من الحصافة التجديف ضد تيار جارف لا تعرف اتجاهات بوصلته ولا متى يهدأ ويكف عن الفوران!


والحق أننى لم أكتف وقتها بتقديم استقالتي، بل أعلنت موقفي صراحةً حين لاحت الفرصة في اجتماع حاشد دعا إليه رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق وضم كل القيادات الصحفية والإعلامية وقتها.. ويومها قلت بوضوح إن الشارع يطالب بالتغيير، وإبعاد من لهم صلة مباشرة بنظام مبارك.. فكيف نستمر في مواقعنا ضد هذه الإرادة.. هذا عصر جديد ينبغي أن تعبر عنه أصوات مختلفة بمفردات وآراء وطموحات وأحلام جديدة..

هكذا يقول منطق الأمور وتقتضي طبيعة الأشياء.. ووقتها طلب منا الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء والمسئول عن ملف الصحافة في وجود رئيس الوزراء ترشيح من يخلفنا في قيادة المؤسسات الصحفية.. وقلت إنني بدوري أطالب الجميع بأن يحذوا حذوي بتقديم استقالتهم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يدير البلاد..

 

لكن رد فعل القيادات الصحفية جاء مخيبًا لهذا الرجاء؛ إذ تمسكوا بالبقاء في مواقعهم، باستثناء الزميل الكاتب الصحفي عبدالقادر شهيب رئيس مجلس إدارة دار الهلال الذي وافقني الرأي واتخذ القرار ذاته في التوقيت نفسه.. 

 

ويومها تساءل الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام حينئذٍ: كيف نستقيل؟! فرد عليه الفريق شفيق: سهلة تتقدم  بطلب استقالة! لكن شيئًا من ذلك لم يحدث حينها وبقيت الأوضاع على حالها حتى تمت الإقالة الجماعية للقيادات الصحفية بعد شهرين من هذا الاجتماع.
 

إن تقديمى لاستقالتي في تلك الأيام لم يمنعنى من دعم مؤسستي بل بذلت كل ما أستطيع من جهد لدعمها، حتى إنني اتصلت وقتها برؤساء المؤسسات الصحفية، وأكثرهم أحياء يرزقون، وقلت لهم: لقد طلبت أنا والزميل عبد القادر شعيب اجتماعًا مع وزير المالية للحصول على دعم للمؤسسات الصحفية القومية من صندوق الطواريء الذي خصصته الحكومة لمساعدة مؤسسات الدولة في هذه الظروف الصعبة..

 

وبالفعل استجابت وزارة المالية لطلبنا وبادرت أثناء الاجتماع بإيداع فوري  لمبالغ الدعم في حساب المؤسسات القومية في البنوك، وتفاوتت مبالغ الدعم من مؤسسة لأخرى؛ فبينما حيث حصلت دار التحرير على 10 ملايين جنيه ومثلها لمؤسسة الأخبار.. فقد حصلت الأهرام على 15 مليونًا بينما نالت كل مؤسسة من المؤسسات القومية الأخرى 5 ملايين جنيه.


لم يفت في عضدي سهام النقد والافتراء والظلم التي طالتني قبيل ترك رئاسة مجلس إدارة دار التحرير، فالبعض ادعى أنني هربت من الميدان بتقديم الاستقالة.. لكنني كنت راضيًا تمامًا بما أفعل؛ فالمزاج العام للشارع كان يؤيد هذه الاستقالة ليس رفضًا لشخصي بل لكل من ارتبط بحكم مبارك.. 

والدليل أن إقالة جماعية أطاحت بكل القيادات الصحفية بعد شهرين اثنين من تقديم استقالتي، وهو ما لم تستوعبه تلك القيادات وقتها ظنًا منهم أنهم قد يستمرون مع الأوضاع الجديدة، رغم المطالبات المستمرة بضخ دماء جديدة تعبر عن المرحلة الجديدة بكل ما فيها.


هذه مشاهد لا تنسى في حياتي.. ولا في حياة هذا الوطن الذي يستحق منا أفضل من ذلك، يستحق أن نعمل ونتعب لأجل رفعته في ظل مخاض صعب تعيشه تلك المنطقة البائسة من العالم، ولن يفلت منها إلا من يعتصم بوحدة جبهته الداخلية، وإعلاء قيمة العلم والأخذ بأسباب القوة في زمن لا يعترف بالضعفاء.
 

الحمدلله  لقد برأتني النيابة العامة من كل اتهام وُجّه لي ظلما ودون وجه حق.. والله لا يترك مظلوما أبدا دون أن ينجيه.. ولا يترك ظالمًا أبدا دون أن  يعاقبه مهما طال الوقت والظلم، وهذا درس يجب أن نعيه جيدًا.
اللهم احفظ مصر وارفع قدرها بين الأمم.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية